الجمعة 2016/08/19

آخر تحديث: 18:49 (بيروت)

لغة الممانعة.. قاتلة الأطفال

الجمعة 2016/08/19
لغة الممانعة.. قاتلة الأطفال
حسين مرتضى في "تويتر": "طفل أخرج من تحت الركام.. بس ما عم يبكي، عجيب"(رويترز)
increase حجم الخط decrease
لا تشكل تغريدات مراسل قناة "العالم" الإيرانية في سوريا، حسين مرتضى، عن صور الطفل عمران دقنيش التي شغلت الإعلام العالمي والمحلي منذ أمس، موقفاً شخصياً فقط، بل هي جزء من موقف عام شديد العنصرية، انتهجه إعلام الممانعة والمؤيدون للنظام السوري، إزاء القضية.

وكتب مرتضى في "تويتر"، مرات عديدة، متهماً المعارضة أولاً بتزوير وفبركة مشهد إنقاذ عمران من بين الأنقاض، معتبراً الفيديو سينمائياً بقوله: "طفل مصاب أخرج من تحت الركام كيف قعد ع الكرسي وكيف تركوه كيف مكسر جسمه ومجروح بس ما عم يبكي عجيب"، قبل أن يطلق مواقف تبرر عملية القتل بحق المدنيين حتى لو كانوا أطفالاً كعمران، ومن قبله إيلان الكردي الذي خصه بتغريدة، مستهجناً التعاطف العام مع الطفلين بوصفهما إرهابيين أو ولدَي إرهابيين في احسن تقدير!

غاب عن مرتضى تأثير الصدمة النفسية على طفل لا يتجاوز عمره الخمس سنوات. فهو بإيمانه بوجود حرب مقدسة في البلاد انطلاقاً من أفكار دينية، لا يبالي بالمأساة الإنسانية للحرب التي تفقد بشاعتها عنده، ويصبح كل شيء مباحاً من منطلق "الغاية تبرر الوسيلة". وتصبح المقارنات والتلاعب بالكلمات مثل هوية القاتل والضحية، مجرد وسائل لغوية لتبرير العنف والجرائم ضد الإنسانية، التي يرتكبها النظام السوري وحلفاؤه في حلب، أو مناطق أخرى من البلاد طوال السنوات الماضية.

والحال أن هذا الموقف اللاإنساني تجاه الطفل عمران ليس جديداً. ففي كل مجزرة يرتكبها النظام السوري وحلفاؤه تخرج صور تبرز مستوى العنف وتأثيره على الأطفال والمدنيين في البلاد، لكن الممانعين وإعلامهم يميلون للإنكار والتكذيب وصولاً للشماتة والتشفي، ويعمدون فوراً إلى المقارنات.

إثر انتشار صورة عمران، التي هزت ضمير العالم، تفاعل هؤلاء في "تويتر" تحت هاشتاغ #جرائم_المعارضة_في_حلب، الذي تداوله موالون للنظام السوري بشكل واسع، في رد منهم على الصدمة التي أحدثتها صور عمران في الميديا العالمية، علماً أن إطلاقه يرجع لأفراد في الجيش السوري الإلكتروني، وهو جماعة القراصنة "هاكرز" التابعين للنظام السوري، والمولين مباشرة من رئاسة الجمهورية.

ويتجاوز الهاشتاغ البُعد العنصريّ بكل ما يحمله من شر، نحو الوحشية المطلقة ضمن "صراع الوجود": إما نحن أو أنتم! تكرر التغريدات مرة بعد مرة، و"لا توقف عن قتل أطفال حلب قبل طرح هدنة في قريتي كفريا والفوعة"!، وكتب أحدهم من دون مواربة: "لستم اميركا ولسنا كالهنود الحمر فسوف تهلكون عن آخركم انه تصفية الحساب العتيق من ايام الرسول واﻷئمة ولن تفلتوا من العقاب".

التحريض على العنف ولغة الكراهية هي الأدوات التي يقوم عليها خطاب النظام السوري في حربه على مدينة حلب، بالتوازي مع الحرب الفعلية على الأرض. لا وجود للف والدوران ولا لإنكار الجريمة، بل يصبح التباهي بها ضرورياً لكونه "يحقق هدفاً من أهداف الحرب على الإرهاب". ولا يهم هنا أن تكون التبريرات مقنعة كما يبدو، بقدر ما هي محاولة خلق سياق ما لمعنى الحرب، يبرر كم الهمجية أمام جمهور الموالين ضمن سياق البروباغندا التقليدية.

في ضوء ذلك، يتجه الموالون للنظام من تكذيب الصورة كما هو المعتاد، نحو تبريرها. فالمعارضة برأيهم إرهابية بالمجمل وجرائمها تستوجب الرد "من قبل الأحذية العسكرية"، أما سقوط الأطفال مثل عمران فهو مجرد نتيجة جانبية "سايد إيفيكت" لا بد منها في الحروب، وإن كان ذلك مؤسفاً، كما يضيف القليل منهم على مضض، "إلا أنه ضروري"، مع التأكيد أن المجرم في هذه الحالة ليس طيران النظام وحلفاءه بل المعارضين الذين يستخدمون الأطفال كدروع بشرية، في أكثر خيالات الممانعة بعداً عن الواقع وإثارة للسخرية!

وهكذا، تنتشر صور لأطفال سوريين في مدينة حلب، مع إضافة شعارات تنظيم "داعش" إليها عبر "فوتوشوب"، إضافة لصور أخرى تظهر تجنيد الأطفال في حلب من قبل فصائل إسلامية (النصرة، المحيسني، ..)، وهي الحالات التي يستنكرها المعارضون بشكل دائم، والغرض منها هنا تبرير عنف النظام تجاه المدنيين بتصويرهم كمتطرفين حاملين للسلاح يستحقون الإبادة الشاملة عبر سياسة الأرض المحروقة!

في هذا السياق، ووسط كم التغريدات العنصرية المخيف، لا يشكل موقف مرتضى سوى تأكيد على الخطاب المقيت الذي تنتهجه أجهزة الإعلام الممانعة وجمهورها على حد سواء، والذي لا يمكن أن يتغير نحو مزيد من الإنسانية، مهما كان حجم الحدث، لأنه يفتقدها أصلاً. 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها