الثلاثاء 2016/06/07

آخر تحديث: 19:17 (بيروت)

أزمة "المستقبل" وآداب البوح

الثلاثاء 2016/06/07
أزمة "المستقبل" وآداب البوح
increase حجم الخط decrease
ليس في ما قاله الموظف في تلفزيون المستقبل، محمد زين عقيل، ما هو غير معروف. فهو ليس كشفاً عن خفايا وخبايا التلفزيون، وليس جزءاً من كواليس الأزمة المالية التي تضرب مؤسسات رئيس الحكومة الاسبق سعد الحريري.. وبالتالي، لا يحمل تأويلاً سياسياً، بحسب ما كتب مغردون في فايسبوك بعد مشاركة البوست، بقدر ما يستدعي التماهي معه إنسانياً.

وحده "بوست" محمد عقيل، يختصر معاني شهر رمضان. يبدو مثل "الغريب" في زحمة تعليقات تملأ صفحات "فايسبوك"، تبدأ من التهاني، والنقاش الأجوف الذي يتكرر سنوياً حول مشاهدة قمر رمضان، وصولاً الى النقد "المبدئي" للمسلسلات الدرامية. فتعليقه، يبدو وحيداً بين كتابات تندرج في إطار الترف الرمضاني، والتماهي مع مناسبة سنوية باتت تفاصيلها تُعاش بالبُعد البورجوازي بالنسبة لكثيرين.

في مقابل هؤلاء، تأتي عبارات عقيل المؤلمة. هو شخص من مئات، لم يتقاضوا رواتبهم منذ ستة أشهر أو ثمانية أشهر.. أو حتى عام كامل. تفضح عباراته الهوة في لبنان بين مترفٍ، ومحجوب عن النعم.. بين مزاود على الآخرين بعيش تفاصيل رمضان، وفق ما خططت له الشاشات التلفزيونية، وبين شخص لا يتمنى من رمضان، إلا نعمة البقاء، و"السترة".

ما كشفه محمد عقيل، ليس تفصيلاً. هو حالة لبنانية قائمة، موجودة في مؤسسات الحريري، وفي مؤسسات كثيرة أخرى. ما يميّز عقيل، أنه امتلك قدرة على البوح. أفصح عمّا يعانيه، وعن معاناة زملائه الذين يستقبلون شهر رمضان بلا منازل، أو بلا وجبات افطار.. وسينهون الشهر باحثين عن مدارس جديدة لأطفالهم، بعدما أُبلغوا بأن المدارس لن تستقبلهم العام المقبل، من غير تسديد مستحقات لم يدفعوها.

في كتابته، شرح ظروفه الصعبة، وظروف زملائه... قال أخيراً: "لازم روق أخيراً كرمال (بالمستقبل) ما يفهموني غلط ويفتكروا اني عم بحكي (بالعاطل) عن التلفزيون، او يفهموها اني عم بنشر غسيل (مش نضيف) ع هالحيط..".

هو يدرك، والمسؤولون في "المستقبل" أيضاً، إن الأزمة غير خافية على أحد. الألم الذي يعبّر عنه عقيل، لا يحتمل تأويله، كما حاول البعض، وفق أجندة سياسية، وإظهار تململ من الحريري في داخل بيته. التململ هنا لا يعول عليه، إلا بوصفه جزءاً من أزمة مالية، ونتيجة حتمية لها. وسينتهي التململ، لحظة وصول دفعات مالية تحفز على البقاء.

لكن، في المقابل، سيتعزز الشعور بالضغينة، حين يرى الموظف اختلاطاً في وجهات الإنفاق المالي، ويرى ان حقه ربما ليس في نطاق الأولويات. حين يرى الإنفاق في موقع إنتخابي، أو في مواقع ثانوية لا تحتل أولوية أمام حقوق الموظفين، فإن الاعتراض (وهو لم يخرج بعد عن آداب البوح) سيكون مبرراً ومحقاً وضرورياً، ولا يستدعي حياء، كما جاء على لسان عقيل في البوست الرمضاني، بل يستوجب المجاهرة بالطلب.

أزمة "المستقبل"، هي واحدة من أزمات كثيرة تطاول وسائل الاعلام اللبناني... وبالتالي، فإن البوح بانعكاسات الأزمة على الموظفين، ليس جريمة. أما الشامتون، الذين يحملون القضية على محمل سياسي، فهؤلاء أقسى من الأزمة نفسها، ومعهم يكتمل التدني الاخلاقي.
للزملاء في "المستقبل" ألف تحية...
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها