الخميس 2016/12/22

آخر تحديث: 14:08 (بيروت)

أكاذيب إيفا بارتليت تطاول حتى أطفال حلب!

الخميس 2016/12/22
أكاذيب إيفا بارتليت تطاول حتى أطفال حلب!
إيفا بارتليت في حلب في آب/أغسطس 2016 (فايسبوك)
increase حجم الخط decrease
الحملة التي شنّها مؤخراً إعلام النظام السوري وحلفائه على كل من يكشف حقيقة الارتكابات الجرمية والمجازر بحق المدنيين في شرق حلب، والتي وظّف فيها نظام الأسد مختلف أدواته  الدعائية وأبواقه الإعلامية العالمية والعربية، استدعت رداً موسّعاً من القناة البريطانية الرابعة (Channel 4) التي طاولتها الاتهامات من  بـ"الفبركة" و"التزوير" خلال تغطيتها للهجوم العسكري الأخير على شرق حلب.

وكانت القناة قد عرضت الأسبوع الماضي تقريراً مصوّراً بعنوان "حلب هو المكان الذي يتوقف فيه الأطفال عن البكاء"، يوثّق مشاهد الرعب والحزن في مستشفيات حلب، قبيل الهدنة التي تم الإعلان عنها لإجلاء الأهالي من المدينة. وتظهر في التقرير طفلة مصابة تُدعى آية، لا تتعدى الثانية من عمرها، وهي في حالة من الصدمة، بعدما تمّ تفجير المبنى الذي كانت تقطن فيه. كما يُظهر التقرير والدة آية التي تدعى أم فاطمة وهي تقول إن ابنتها آية هي الوحيدة التي بقيت على قيد الحياة من أصل 3 عائلات كانت تقطن في المبنى نفسه.


لكن يبدو أن ما ظهر في التقرير شكّل مادة دسمة للصحافية الكندية، إيفا بارتليت، التي زارت حلب مؤخراً بحماية من القوات السورية، وهي المنخرطة أساساً في عملية تلميع صورة نظام الأسد وقواته والترويج لسياسة وارتكابات حلفائه في المدن السورية من على مختلف المنابر الإعلامية والدولية، حيث راحت بارتليت تروّج إلى أن ما ظهر في تقرير القناة البريطانية ومجمل تغطيتها، ما هو إلا استغلال للأطفال في الدعاية الغربية، وأن الطفلة آية ظهرت في أكثر من تقرير بتواريخ وأمكنة مختلفة، ما دفع القناة للرد ضمن تقرير موسّع يتضمّن أدلة دامغة تدحض ادعاءات ومزاعم بارتليت الكاذبة ومحاولاتها حرف الحقيقة من خلال بثها الأكاذيب.

استهلّت القناة ردّها بالتعريف بداية ببارتليت التي قالت إنها مواطنة كندية تزعم أنها صحافية مستقلة وناشطة حقوقية، وهي تنشر مقالات في المدونة التابعة للموقع الالكتروني الخاص بقناة "روسيا اليوم"، وتجاهر بولائها لنظام الرئيس السوري بشار الأسد الذي يحارب المعارضة السورية بدعم روسي وإيراني. ومؤخراً ظهرت بارتليت في مؤتمر صحافي عقد في القاعة المخصصة للصحافيين في الأمم المتحدة، وقالت إن ما يُعرف بـ منظمة "الخوذات البيضاء" تم تمويلها بما يصل إلى 100 مليون دولار من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا وأوروبا ودول أخرى، وأن هذه المنظمة تدعي أنها تساعد المدنيين في أحياء حلب الشرقية وإدلب ولكن حتى الآن لم يسمع أحد بذلك في تلك المناطق. وزعمت أن أصحاب "الخوذات البيضاء" يدعون أنهم محايدون، لكنهم شوهدوا وهم يحملون مسدسات، كما أن مقاطع الفيديو لديهم تحتوي في الواقع على أطفال تم استخدام صورهم في تقارير مختلفة، بينهم الطفلة آية التي "تظهر في شهر آب/ أغسطس الماضي، لتعود وتظهر مرة أخرى في مكان آخر في الشهر الذي يليه".


وفي حين حاولت القناة البريطانية التواصل مع بارتليت للاستفسار عن ماهية مقاطع الفيديو التي زعمت بأنها مفبركة، إلا أن بارتليت لم تستجب لطلب القناة، فرجحّت الأخيرة أن تكون مزاعم الصحافية الكندية تتمحور حول طفلة سورية أنقذها متطوعو "الخوذات البيضاء" وانتشرت صورها بشكل واسع في وسائل الإعلام العالمية وتم تداولها بكثافة في الأشهر السابقة في مواقع التواصل الاجتماعي، في حين تشير مزاعم بارتليت، التي أعلنت عنها من خلال مجموعة صور عرضتها خلال مؤتمرها الصحافي، إلى أن هذه الفتاة أشبه ما تكون بالممثلة، التي تستغلها المنظمة للترويج لدعاية مضادة للنظام السوري، بعد أن ظهرت الفتاة عينها في أكثر من موقع وضمن تواريخ مختلفة. لكن بارتليت لم تقدّم أي دليل دامغ يؤكد مصداقية كلامها ويدحض رواية الإعلام الغربي في هذا الشأن.



الطفلة الأولى
وقاحة بارتليت دفعت القناة البريطانية الرابعة لوصف كلامها بـ"الهراء" و"الخطاب الأحمق". وضمن تحليل معمّق للصور ، أوضحت القناة أنّ التواريخ المرفقة  بالصور في غاية الدقة، وأن الصور المدرجة في الجزء الأعلى من مجموعة الصور المركبة أخذت في 27 آب/أغسطس الماضي بعدسة مصوّر وكالة "رويترز" عبد الرحمن اسماعيل، الذي يعمل منذ 3 سنوات على الخطوط الأمامية لجبهة الحرب السورية. وتُظهر صور اسماعيل طفلة مجهولة الاسم وطفلين آخرين يُرجح أن تكون "الخوذات البيضاء" قد انتشلهم من تحت الركام، علماً أن اسماعيل التقط صوراً للفتاة بمفردها إلى جانب صور لناجين آخرين من غارتين جويتين استهدفتا جنازة في باب النيرب في شرق حلب.

والجدير بالذكر هنا أنّ بعض التعليقات في مواقع التواصل أشارت باستهجان إلى أن هناك مجموعة من الصور التي تُظهر نفس الأطفال، إنما يحملهم رجال إنقاذ مختلفين في كل صورة، الأمر الذي أوضحته القناة بقولها إنه من خلال تغطيتها وتصويرها لعشرات التقارير من الداخل السوري وخصوصاً حلب، فإن الكثير من الأطفال الذين يتم انتشالهم من تحت الأنقاض يتم حملهم من رجل إنقاذ لآخر بحيث يعمل هؤلاء ضمن ما يشبه السسلسلة المتصلة التي يتولى آخر أفرادها إيصال الجرحى والمصابين إلى سيارات الإسعاف ومن ثم المستسفى.

الطفلة الثانية
بموازاة ذلك، فإنّ الفتاة في الصورة المدرجة في الجانب الأيسر من الجزء السفلي، لا يمكن التعرف على هويتها بسهولة جراء اختيار لقطة جانبية لها في عملية المونتاج الذي أعدته بارتليت، علماً أنه كان يمكن لها اختيار لقطة أخرى من الفيديو تُظهر وجه الفتاة وملامحها بشكل أكثر وضوحاً. لكن هذه الفتاة، وبحسب القناة البريطانية، كانت موضوع فيديو مصوّر انتشر عالمياً في أيلول/ سبتمبر الماضي، وعرفت عنها تقارير إخبارية بأنها تُدعى روان علوش وتبلغ من العمر 5 أعوام، وهي انتشلت من تحت الأنقاض في حلب بتاريخ 23 أيلول/ سبتمبر الماضي. وأشارت التقارير إلى أن كافة أفراد عائلتها قضوا في الغارة التي استهدفت المبنى السكني الذي كانوا يقطنون فيه.

والحال أن النقاش الدائر حول إمكانية فبركة هذا النوع من الصور هو أمر غير منطقي وينم عن حقد أعمى تجاه المدنيين. كما أن الاستهجان من خروجهم أحياء من تحت الأنقاض وإدراج ذلك في سياق الدعاية والترويج الإعلامي الكاذب لا يبدو منطقياً هو الأخر، والأدلة التي تدحض هذه المزاعم عديدة، إذ تم انتشال أطفال أحياء من بين الركام بعد الزلزال الذي ضرب وسط إيطاليا العام الجاري، كما أن هذا الأمر يحدث بشكل متكرر في مناطق النزاع حول العالم. واللافت أن إيفا بارتليت نفسها سبق وأن أعلنت عن حدوث أمر مشابه في غزة عام 2009، حينما نقلت قصة رجل فلسطيني يُدعى أبو قصي، قالت إنه دُفن حياً جراء غارة إسرائيلية استهدفت منزله.

الطفلة الثالثة
الفتاة الثالثة التي تظهر في الجانب الأيمن من الجزء السفلي للصورة المركبة،  كانت هي الأخرى بطلة فيديو مصوّر انتشر بكثافة في مواقع التواصل، حيث تم تحميله بداية في موقع "يوتيوب" من قبل ناشطين معارضين لنظام الأسد في تلبيسة الواقعة في شمال مدينة حمص، وليس من قبل "الخوذات البيضاء" كما زعمت بارتليت. ويُظهر الفيديو الفتاة وهي مضرجة بالدماء جراء غارة جوية استهدفت مدينة تلبيسة في 10 تشرين الأول/أكتوبر الماضي. وفي كلامها مع الصحافيين عرّفت الفتاة عن نفسها بقولها إنها تُدعى آية وتبلغ من العمر 8 سنوات. وأشارت تقارير حينها إلى أن عائلة آية نجت جميعها وتم لم شملهم مع طفلتهم في وقت لاحق.

على الرغم من ذلك، زعمت تقارير وتصريحات لوسائل إعلام النظام السوري وحلفائه أن بكاء الطفلة آية ليس سوى تمثيل وأن الفيديو الذي تظهر من خلاله مفبرك وكاذب. لكن بالنظر ملياً إلى وجه وملابس الطفلة آية ومقارنتها بوجه وملابس الطفلتين اللتان تظهران في الصور الأخرى، يمكن التأكد من أنهن لسن الشخص نفسه، كما تزعم بارتليت وإعلام المحور الذي تتحدث باسمه. 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها