الأربعاء 2016/10/19

آخر تحديث: 19:40 (بيروت)

"دابل مقدسي": التطبيع في طاولة زهر.. وأغنية!

الأربعاء 2016/10/19
increase حجم الخط decrease
غالباً ما تُقرأ السياسة من أعلى، ولذلك فإنها تبقى على هيئة جسم لا يمسكه من هم في الأسفل. جل ما يكون متاحاً لهؤلاء، هو العمل على إيجاد مسوغات لتفاعلهم الاجتماعي، بناء على ما تفصح عنه السياسة العليا. هذه هي حال جزء من الفلسطينيين والاسرائيليين. وهنا لا نتحدث عن كيانات اجتماعية وسياسية، منفصلة مكانياً، بما يتيح لها الحفاظ على هويتها وقضيتها ومعتقداتها، بل عن تجاور فلسطيني-إسرائيلي في أكثر المناطق رمزية وحساسية: القدس المحتلة.

"دابل مقدسي" الفعالية التي يجتمع فيها فلسطينيون وإسرائيليون، هي ابنة هذا التجاور. لكنه تجاور، بقدر ما يريده أصحاب الفعالية مجدياً، بقدر ما هو مفتوح على الكثير من الاسئلة، التي لن يكون آخرها أسئلة التطبيع.

لكن "ما نفعله ليس تطبيعاً"، يقول كامل جبارين لـ"االمدن"، وهو أحد المنظمين لفعالية "دابل مقدسي"، التي تتنوع بين لعب الخصوم الفلسطينيين والاسرائيلييين لطاولة الزهر، وبين تقديم فواصل غنائية باللغتين العربية والعبرية.

"نحن نسكن في القدس تحت السيادة الإسرائيلية وسلطة بلدية القدس الاسرائيلية ايضاً. ما نفعله يهدف إلى أن يتعرف الإسرائيليون من سكان القدس الغربية، إلى معاناة العرب في القدس الشرقية ومطالبتهم لمساعدتنا على تحقيق المساواة"، يقول جبارين.

في المبدأ، تبدو الرسالة المعلنة مقبولة. ذلك أن ثمة إسرائيليين "يريدون السلام"، بحسب جبارين. لكنها واقعاً، يبدو أنها لن تجدي نفعاً. ففي الوقت الذي ينشد فيه أصحاب الفعالية "السلام" والمساواة منطلقين من القدس، تتعرض المدينة نفسها ومنذ سنوات لأكبر حملة تهويد. كما أن الانتفاضة الفلسطينية التي انطلقت من المدينة، أتت رد فعل على عمليات القتل والخطف والحرق والتهجير، والتي لم تتوقف حتى الساعة.

إذن كيف التوفيق بين هذه المتناقضات؟ يبدو أن المهمة مستحيلة. الأمر الذي يجعل من كل منطق يسعى إلى القفز على التناقضات التاريخية والسياسية والثقافية والحقوقية، مأزوم. وهذه الأزمة تتأتى من عدم القدرة على خلق تيار ثالث، يذكر بالحقوق الفلسطينية ويطالب بالمساواة مع الإسرائيليين، في ظل سيادة الطرف الأخير الذي يفرض منطق المواجهة الدائمة.

ولذلك فإن مطامح جبارين وغيره في بلوغ "التسامح وتقبل الآخر والسلام"، وذلك "لنصل إلى حوار سلمي وحل يمكننا من العيش معاً، حيث أننا لا نحن الفلسطينيين ولا الإسرائيليين سنخرج من القدس".. ولن تكون أكثر من صراخ في واد.

في ظل السياسة الإسرائيلية، من الطبيعي أن تصبح أية فعالية تنشد "السلام" والحوار، مثيرة للريبة. هذه هي حال الكثير من الفلسطينيين الذين تلقفوا هذا الحدث بالحذر والشك، وصولاً إلى اتهام القائمين عليه بالتطبيع. وقد أشار البعض إلى أن "دابل مقدسي"، ليست حدثاً منفرداً، بل يأتي في سياق "برنامج تطبيعي بدأ منذ خمس سنوات تحت عنوان: مجرد الغناء".

ولعل اهتمام الاعلام الإسرائيلي بـ"دابل مقدسي"، يجعله أكثر عرضة للتشكيك في غايته الأساسية. حيث "ركز الاعلام واهتم في هذا النشاط التطبيعي وتغطية فعالياته شبه اليومية، ومنحه مساحة له في التغطية الإخبارية، وخصوصاً أنه النشاط التطبيعي الأكبر منذ أعوام ينفذ في مدينة القدس، كما أنه الأول منذ انطلاق انتفاضة القدس".

"الكثير من الفلسطينيين والإسرائيليين يريدون العيش بسلام. هناك فروقات كبيرة بيننا، لكن نستطيع مع الوقت أن نصل لثقة متبادلة. الرئيس أبو مازن دائماً يدعو إلى هذا الامر، وهناك الكثير من الاسرائيليين يصدقونه. لكن نتنياهو لا يريد الحلّ"، يقول جبارين، لكنه لا يجيب كيف لطاولة الزهر أن ترد كل أولئك الذين هجروا ويتم تهجيرهم من القدس... يومياً.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها