الجمعة 2016/01/29

آخر تحديث: 16:48 (بيروت)

دريد لحام في بلاط خامنئي

الجمعة 2016/01/29
دريد لحام في بلاط خامنئي
increase حجم الخط decrease
هل كتب دريد لحام خطابه الأخير الذي تغنى فيه بمرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي؟ أم هو خطاب تلقيني تقليدي معد سلفاً؟

لا يهم الجواب كثيراً للمتابع، طالما أن لحام برمزيته الفنية والشعبية، ألقى كلماته المتكلفة متجاوزاً بها حدود الوطنية السورية والقومية العربية التي التزم بها سنوات طويلة، من دون مبرر حقيقي لذلك، سواء نتيجة ضغوط وتخويف، أم عن ولاء سياسي بحده الأقصى!

الجديد في فيديو لحام، ليس موقفه السياسي وانحيازه للنظام ضد الشعب السوري، بل التحول في نوعية الولاءات، حيث بات يلاحظ في خطاب المؤيدين ووسائل الإعلام الرسمية وشبه الرسمية والحليفة، وفيها جميعاً، تمجيد لدور الحلفاء الروس والإيرانيين واللبنانيين على حساب نظام الأسد المتداعي.. وهي رمزية توحي بالمتحكم الحقيقي في الميدان السوري اليوم، والذي تكال له المدائح من مثقفي البلاط.

يقول لحام وهو يقرأ الكلمات المتكلفة كقصيدة رديئة: "السيد علي خامنئي المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران، في روحك القداسة، في عينيك الأمل، في يديك العمل، وفي كلامك أمرٌ يُلبى، ازدادت قدسية ترابنا حين ارتقى بعض من رجالاتك إلى عليائها، لك الحب والتقدير والإجلال، من شعب صامد ومن جيش عتيد، عاشت إيران وتحيا سوريا"!

هي كلمات لم يستخدمها أنصار خامنئي أنفسهم في إيران، ولم تستخدم حتى في توصيف حافظ الأسد بكل الجبروت الذي حكم به البلاد، وفيها نقل واضح في اللهجة إلى بعد ديني - إلهي، بدلاً من المنطق السياسي - الديكتاتوري التقليدي، وفيها أيضاً انتقال بالخطاب التصفيقي من المستوى القومي العربي "البائد"، إلى مستوى إقليمي يتكرس على الأرض بتحالفات سياسية طائفية بالدرجة الأولى.

الفيديو أتى في سياق "حفل تكريمي لأسر الشهداء" في مكتبة الأسد في دمشق قبل أيام برعاية جمعيات موالية للنظام ومليشيا "الدفاع الوطني"، وهو نوع من مهرجانات التصفيق الخطابية التي لم تتوقف في البلاد أكثر من أربعة عقود، عند كل مناسبة "وطنية"، لكن الخطابات الأخيرة فيه نقلت مستوى "الوطنية" إلى حدود غير مسبوقة في تبجيل غير السوريين.

لطالما كان النظام السوري بارعاً في تصنيع الأبواق، منذ عهد الرئيس الراحل حافظ الأسد، وبالتحديد الفنانين و"المثقفين". هي طريقة تقليدية في البروباغندا لكسب الدعم الشعبي وتلميع الصورة النخبوية الفوقية التي يرتديها أي نظام شمولي ليخفي طبيعته القمعية. البروباغندا التي كانت شائعة أيام الحرب الباردة، تتصدر اليوم الخطابات الإعلامية وكأن الزمن لم يمضِ نحو فلسفات عالمية جديدة، مع تعدد مستوياتها بين المحلي والإقليمي والدولي.

وهنا، كانت المواقع الممانعة على اختلافها تتجاوز بعنجهية خطاب لحام والدور الإيراني، تجاه  الحديث عن حقبة سوفياتية جديدة حمراء بقيادة القيصر الجديد فلاديمير بوتين!، وهو ذات الخطاب الإعلامي الروسي الذي يرعاه الكرملين، وكلها خطابات تجر العالم نحو حقبة زمنية سابقة تسبق العصر الحالي الذي تتسيده فلسفات انهيار القوميات وسقوط الدول التقليدية.

وفيما لا يختلف اثنان حول مستوى لحام الفني وتاريخ أعماله "المميز"، وحتى حقه في اختيار مواقفه السياسية، إلا أنه لا يستطيع إلا أن يشعر بالاشمئزاز من الطريقة التي تكلم بها الفنان السوري بحق زعيم دولة يراها كثيرون محتلة وقاتلة لشعب كامل، فيما عبّر كثير من السوريين بما في ذلك المؤيدون للنظام، عبر السوشيال ميديا عن شعورهم بالخداع من كل ما قدمه لهم لحام طوال سنين والذي ناقضه بنفسه عبر مواقفه غير المفهومة.

خطاب لحام لم يأت من فراغ، بل سبقته تصريحات مماثلة، أبرزها ما قاله لحام في لقاء جمعه في كانون الثاني/يناير 2015 ببعض طلاب الجامعة اللبنانية الدولية في النبطية جنوب لبنان، حينها اعتبر زيارته الى الجنوب حجاً مقدساً: "لم أفعلها لمكة المكرمة لكن فعلتها للجنوب لأن الحج هو زيارة الأرض المقدسة وأنا أعتبر الجنوب مقدساً بدماء الشهداء". الموقف يُضاف الى مواقفه الأخرى في تقديس بشار الأسد "انقلب حبي عشقاً" في وقت لاحق العام الماضي.

لحام الذي يعادي الأسلمة في تصريحاته المختلفة، يرى الحالة الدينية من منظور أحادي يشمل جماعات مثل "داعش" و"النصرة" فقط، فيما لا يرى المنظور الديني الذي تقوم عليه الدولة الإيرانية بكافة مشروعها في المنطقة، وكل ذلك يجعل حديثه الدائم عن المدنية غير قابلة للتصديق.

لم يحافظ لحام على مصداقيته منذ العام 2011، فتخلى عن المواطن السوري الفقير والمسحوق الذي لطالما تحدث باسمه في أعماله الفنية ومسرحياته الماغوطية التي كانت تطالب بالحريات والحقوق الأساسية. حتى اعماله الأخيرة قبيل الثورة كانت بهذا الأسلوب (أعمال الولدنة - 2007)، قبل أن يعلن ولاءه المطلق للنظام ضد الفوضى واستعداده للتخلي عن جنسيته السورية في حال سقط نظام الأسد في دمشق، واصفاً المعارضين أكثر من مرة بالمجرمين.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها