الأربعاء 2015/08/05

آخر تحديث: 18:08 (بيروت)

"الصندوق الأسود": الأسد باع الجولان

الأربعاء 2015/08/05
increase حجم الخط decrease
هل سقط الجولان أم تم تسليمه من قبل الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد لإسرائيل مقابل صفقة سرية؟ هذا هو السؤال الأساسي الذي حاول البرنامج الوثائقي "الصندوق الأسود" على شاشة قناة "الجزيرة" الإجابة عنه، في حلقة حملت عنوان "سقوط الجولان".

كشفت الحلقة معلومات سرية تنشر للمرة الأولى عبر وسائل الإعلام رغم حرص النظام السوري على إخفائها طوال عقود، وأتت معظم تلك المعلومات من مقابلات مع شهود من داخل النظام السوري، عاصروا تلك المرحلة الدقيقة من تاريخ البلاد، أبرزهم وزير الإعلام السوري في عام 1967 محمد الزعبي ومجموعة من الضباط المتقاعدين الذين شكلوا قيادة الجبهة في الجولان إبان سقوطه الغامض (قائد لواء الطيران، قائد كتيبة المدفعية، ..) وأعضاء في القيادة القطرية لحزب البعث في الستينيات (حبيب حداد، مروان حبش).

النقطة الأكثر إثارة للجدل في الفيلم هي البلاغ 66 الشهير الذي أعلن فيه وزير الدفاع حينها حافظ الأسد عن سقوط مدينة القنيطرة عاصمة الجولان السوري بيد القوات الإسرائيلية، قبل سقوطها الفعلي، وهي الحادثة التاريخية المثيرة للشكوك حول طبيعة سقوط الجولان، والتي ينطلق منها الفيلم لكشف الحقيقة المختفية لعقود عبر مقارنة منطقية بين الخطاب الرسمي السوري وأقوال الشهود التي تناقضه تماماً.

يؤكد الضباط الذين التقتهم كاميرا "الجزيرة"، تلقيهم أوامر عليا بالانسحاب من الميدان في كل من حربي 67 وحرب 73 رغم إمكانية تحقيقهم انتصارات سهلة على جبهة الجولان، نتيجة سيطرتهم على نقاط استراتيجية في الهضبة، إضافة لعدد الآليات الإسرائيلية الضئيل حينها. أوامر يفسرها الوزير الزعبي بوجود اتفاقية سرية بين حافظ الأسد والمبعوث الأميركي للشرق الأوسط هنري كيسنجر لم يتم الكشف عنها رسمياً حتى اللحظة.

وهنا يخالف الفيلم كتب "القومية العربية" المدرسية التي تربى السوريون عليها، والتي تفسر الهزيمة السورية عام 1967 بالخيانات العربية التي تآمرت على الدولة السورية وتكاتفت مع العدو الإسرائيلي، وذات الأمر ينطبق على حرب 1973 التي تبدو قصة أسطورية في الخطاب الرسمي السوري مقارنة بالمعلومات التي يوردها الفيلم، وكل ذلك في المجمل محاولة جادة لإعادة كتابة التاريخ السوري المعاصر وتقديمه بوجهات نظر مختلفة بدلاً من الرؤية الأحادية للنظام البعثي.

ينقل الفيلم أيضاً الرواية الإسرائيلية حول الاستيلاء على الجولان، لتقديم إحاطة شاملة بالقضية من كافة الزوايا الممكنة، وذلك بلقاء مجموعة من الباحثين الأكاديميين المتخصصين بالشأن السوري من جامعة تل أبيب، والحديث معهم عن العدو، دون تقديم إجابة واضحة عن السؤال المحوري حول الصفقة، حيث مازال الأمر يمثل لغزاً بالنسبة للباحثين الإسرائيليين أيضاً.

يلجأ الفيلم للأرشيف السياسي الغني حول التاريخ السوري المعاصر. فهناك شهادات من مذكرات السفير السوري السابق في فرنسا سامي الجندي ووثائق من الحكومة البريطانية حول لقاءات سرية بين الأسد ومبعوثين بريطانيين قبيل حرب 67، إضافة لمجموعة من الوثائق الإسبانية التي لم تتمكن "الجزيرة" من الحصول عليها، إنما أكدت وجودها بعدما كانت مجرد أسطورة، وهي التي تكشف مراسلات سرية بين النظام السوري والولايات المتحدة دون تحديد طبيعتها.

تفاصيل الصفقة بين الأسد وإسرائيل برعاية كسينجر، يمكن التكهن بها من أقوال الشهود: الجولان مقابل استقرار دمشق في يد الأسد، وهو ما يلمح له الباحث التاريخي باتريك سيل في لقاءاته الأرشيفية التي عرضها الفيلم، كما أن مذكرات رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين تلمح للصفقة أيضاً، فيما تبدو أحداث لبنان عام 1975 امتداداً لها بتقسيم لبنان لمنطقتي نفوذ بين الحليفين السريين: الشمال لسوريا والجنوب لإسرائيل. وحينها سحب الأسد كافة قواته من الجولان نحو لبنان دون خوف من ردة فعل إسرائيلية في الهضبة.

من المثير للإعجاب كيف توصل فريق "الصندوق الأسود" لجمع كل تلك المعلومات وكل أولئك الشهود المحوريين في القضية. هناك لقاءات في الداخل السوري ولقاءات في بيروت وألمانيا وبريطانيا وإسبانيا والولايات المتحدة وإسرائيل، كما أن اللقطات الأرشيفية كانت موفقة بصرياً إضافة لاستخدام أسلوب "الديكودراما" ومحاكاة الوقائع التاريخية بطريقة درامية لكسر الجمود الآتي من اللقاءات المباشرة.

يبدو "سقوط الجولان" رداً على خطاب الممانعة الذي ينتهجه النظام السوري، بالعودة إلى جذور ذلك الخطاب وكشف بطلانه، مع التأكيد على أن استمرارية ذلك الخطاب بالنسبة للنظام كانت ضرورية طوال العقود السابقة، وحرصه على إخفاء كل الشهود المرتبطين بتلك المرحلة سواء بالاغتيالات أو الاعتقالات أو التغييب القسري عن الحياة العامة.

في السياق، يقدم الفيلم محاكاة دقيقة لتسلق حافظ الأسد لسلم السلطة وصولاً لتولي الرئاسة، ويكشف كواليس تشكيل اللجنة العسكرية المناهضة للحكم الناصري عام 1959 وكيف باتت تلك اللجنة هي الحاكمة لسوريا لسنوات، وكيف تخلص الأسد من زملائه فيها واحداً تلو الآخر وكيف بات هو الخيار الأمثل بالنسبة للقوى العظمى لتولي الزعامة السورية طوال أربعين عاماً.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها