الأحد 2015/08/30

آخر تحديث: 18:59 (بيروت)

فنانو البراميل والطوائف… طلعت ريحتكم!

الأحد 2015/08/30
فنانو البراميل والطوائف… طلعت ريحتكم!
إذا كُتب للشارع اللبناني أن يستمر ويحافظ على زخمه، فإنه بالتأكيد سيفرز بديله الفني
increase حجم الخط decrease
غالباً ما يكون موقف الطبقة الفنية من التحركات المطلبية ثميناً لأصحاب الحراك بسبب تأثير هذه الطبقة في صناعة الرأي العام، من خلال نفوذها الواسع في الميديا، وتأثر المعجبين بنجوم الشاشة. كذلك جاءت مواقف العديد من الفنانين المصريين مزلزلة في ثورة 25 يناير، سواء كانت مؤيدة كأحمد حلمي وخالد أبو النجا، أو معارضة كتامر حسني وعادل إمام. الشارع الثائر، بدوره، تفاعل مع الفنانين ومواقفهم، وجعل من نفسه معياراً للقيمة الفنية، فأصبح يفرز على أساس اللحظة السياسية بحيث يكون الصالح العام أولويةً أمام الذائقة الفنية المُعتادة.

لكن في لبنان، الذي يشهد اليوم حراكاً مطلبياً إثر فشل الحكومة في إدارة ملف النفايات، وتفاقم الفساد، قد يختلف الموقع الذي يمكن أن يشغله الفنانون في غير مكان. فعلى الرغم من تأييد معظم شاغلي الوسط الفني لحراك "طلعت ريحتكم" ونزول العديد منهم إلى الشارع، لا يبدو أن لهذه المواقف وزناً كبيراً في رجحان كفة الحراك أو دفعه إلى الأمام. لا بل ان وجود فنانين مثل معين شريف بين المتظاهرين، أثار حفيظة العديد من الناشطين الذين يحاولون الابتعاد قدر الإمكان عن التقاطع مع البنية التي يثورون عليها، وهي المهمة الأصعب أمام اللبنانيين بسبب النفوذ المزمن للنظام الطائفي الفاسد، إلى الاجتماع بمختلف تنويعاته.

في الحقيقة، من الممكن أن يكون حال فناني لبنان أقرب إلى الفنانين السوريين منه إلى المصريين. ففي مصر، استطاعت المؤسسات الفنية أن تخلق هامشاً أكبر في عهد مبارك. بينما في سوريا ولبنان، وعلى الرغم من اختلاف بنية النظامين جذرياً، الفن بالمجمل لم ينفصل في يومٍ من الأيام عن الطبقة السياسية الحاكمة، بل إن النفاذ إلى الوسط الفني في أغلب الأحيان يتطلب استرضاء السياسيين ورجالات الميليشيا، الغناء لهم، مديحهم وتمجيدهم، أو الحظوة بدعم مالي وإعلامي عبر رجالاتهم. هكذا، لبنان، الواقع تحت الاحتلال البعثي لثلاثة عقود متتالية، إضافة إلى سطوة الحرب الأهلية ومفرزاتها السياسية الميليشيوية، لم يستطع انتاج ظاهرة فنية مستقلة عن الولاء السياسي الطائفي الرخيص. حتى استثناء الرحابنة الذين ذهبوا إلى المجرد والمطلق لم يعد وارداً بعدما أبى زياد الرحباني إلا أن يؤطر الميول السياسية لعائلته.

اللافت في لبنان اليوم، أن الفنانين الذين يؤيدون الحراك، ينطلقون من مكان لا يتضمن الماضي، حتى القريب جداً منه. على خلاف كثير من الفنانين السوريين والمصريين الذين اعتذروا للشعب عن علاقتهم بالأنظمة الحاكمة. يغرد الفنانون اللبنانيون في "تويتر" كأنهم أهل الثورة وأصحابها.

لا تتذكر نجوى كرم مديحها الغنائي للنظام السوري، ولا يتذكر معين شريف عرضه الفني عند أقدام عون قبل أسابيع. عدا عن بقية المواقف الزجلية وغير المنسجمة مع جوهر الحراك، كأن لا يجد زين العمر صيغة أقل جندرية للتعبير عن تضامنه سوى تشبيه السياسيين بالنساء الباكيات، ناهيك عن ميوله لتقديس الجزمة العسكرية. كما وجد آخرون في الحراك فرصة للعودة من موتهم الفني، مثل علاء زلزلي الذي افتعل أغنية رديئة باسم طلعت ريحتكم.

حديث الفنانين ومواقفهم من "طلعت ريحتكم"، بقيت حبيسة القنوات الإعلامية والصحف الفنية. الحراك في نشاطه على الأرض ووسائل التواصل الاجتماعي، لم يبد تأثراً كبيراً بهذه المواقف. الخطاب بقي مكثفاً وموجها نحو حشد اللبنانيين إلى الشارع. بكلام آخر، الشارع تجاهل الهراء الفني لأنه ببساطة غير منتج ولا يختلف عن مساجلات الفن الفضائحية المعتادة على وسائل الإعلام، بل ومساجلات السياسيين الفاسدين أنفسهم.

الوسط الفني اللبناني بالنسبة للحراك يندرج في شعار #كلن_يعني_كلن. أي أنه لا ينفصل عن الفساد القائم في بنية النظام السياسي، ليس بسبب ولاء الفنانين الطائفي وتمسيحهم أحذية الزعماء فقط، بل ثمّة سببان إضافيان يجعلان من نجوم الشاشة اللبنانية على هامش الحدث الراهن. الأول هو فساد المؤسسات الفنية بحد ذاتها واحتكارها للفن على أساس المحسوبيات والرشاوى والتشبيح. والثاني هو رداءة الفن الشعبوي وعدم ارتقائه لتمثيل الحراك الجديد والنوعي في لبنان.

إذا كُتب للشارع اللبناني أن يستمر ويحافظ على زخمه، فإنه بالتأكيد سيفرز بديله الفني، في حده الأدنى سيكون شبابياً وجديداً. فقد حان الوقت أن يكف "السوبر ستار" عن كونه خارقاً للطبيعة، وأن تغيب "شمس الأغنية اللبنانية". أيضاً، أن يترجل "فارس الغناء العربي" وتنطفئ "النجمة الذهبية" وتتنسك "مطربة الإحساس" في معراب، ويعفينا "سفير النوايا" (الأسدية) من هول ثقافته… تماماً كما حان الوقت أن يكف "الأستاذ" عن كونه أقدم رئيس برلمان في العالم.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها