الأحد 2015/06/07

آخر تحديث: 17:26 (بيروت)

ألوان نسائية مقاوِمة تحت أسود "داعش"

الأحد 2015/06/07
ألوان نسائية مقاوِمة تحت أسود "داعش"
المرأة تخفي موطنها غير "الداعشي" تحت أسودها
increase حجم الخط decrease
لا يحيل الفيديو والصور التي التقطها الصحافي المستقل جاك شاهين، ونشرها في حسابه في "تويتر"، إلى لحظة الخروج من الأرض "الداعشية" وبلوغ أرض أخرى فحسب.
فالنساء الكرديات اللواتي يظهرن في تلك التصويرات، نزعن براقعهن عند اجتيازهن المناطق الواقعة تحت سيطرة "الدولة الإسلامية"، إثر وصولهن منطقة قريبة من تل الأبيض وتبعد نحو 40 ميلًا شرقي كوباني، وعلّق شاهين على ما رآه قائلًا: "بمجرد وصول الفتيات إلى المناطق الكردية قمن بخلع البرقع الأسود المفروض من قبل داعش، وتنفسن بحرية"..
وهنّ، بفعلهن هذا، لا يعبّرن عن الإنتهاء من سلطة التنظيم الإرهابي فحسب، بل عن استئناف ألوانهن، التي برزت على شدةٍ، نتيجة إبانتِها بعد طول تكتم أسود عليها.


جاء المشهد حادّاً وفرِحاً، بحيث أن الزغاريد تعلو فيه، كما أن الحركة لا تتوقف داخله. سيارات تتقدم، ونساء يخلعن الثوب، الذي أجبرن على ارتدائه، مثلما يرفعن علامات انتصارهن على الدولة الموتيّة. وقد أعلن عن حالهن بالتخلص من الأسود، والكشف عما كُبِتَ تحته.

لبسن الأسود كي يخدعن "داعش" به، وكي يمررن في أرضها، وكي يتخطين حدودها. وبعبارة أخرى، كي يتجنبن موتهن، الذي بدا البرقع حيلة عليه. إذ ارتدته النساء بغاية إبعاد العقاب "الداعشي" عنهن، وليس التزاماً به، أو بمعناه الإكراهي. هذا، ما تشير إليه خفة خلعه، ورشاقة رميه  بعيداً، كأنه خدعة انتهى مفعولها مع إنجاز واقعها الجديد، الذي فُتح على ألوان غير باهتة إطلاقاً. وقد نزعت النساء براقعهن علناً، من دون أن يملي عليهن أحد ذلك، بحيث أنهن شاركن في إشهار فرارهن بالتخلص من معتقلهن الإرتدائي، وعبر إبرازه كحيلةٍ، واصلن ممارستها إلى حين استنزافها في سياق الخروج من أرض الموت.

بذلك، لا يعدّ البرقع الأسود، الذي يغطي المرأة في المناطق الداعشية، علامة على سيطرة التنظيم، بل على العكس ربما. فتَحتُه هناك ثياب ملونة، وما هو سوى خدعة، تعتمدها المرأة كي لا تُقتل، وكي تحضّر فرارها من المتحكمين بها. على هذا النحو، كل امرأة من النساء اللواتي ظهرن في صور جاك شاهين، لم تعلن تحررها من "داعش" فقط، بل انها، عندما خلعت الأسود، قالت أمرين: الأول، إن الغاية من خدعتها الإرتدائية قد تحققت، والثاني، أن النساء الموجودات على الأرض "الداعشية" يلبسن البرقع تمهيداً لخلعه في وقت لاحق. وكلما اشتدت سلطة "الدولة الإسلامية" على النساء، تشتد الألوان تحت ردائهن الأسود، لتظهر مع انتقالهن من الموطن الداعشي إلى موطن غيره.

في هذا المجال، من الممكن القول أن النساء يخفين تحت براقعهن الموطن الذي يصلن إليه عند خروجهن من الموطن "الداعشي". وفي حين إخفائه، يعمدن إلى تشييد ألوانه، التي تحملهن إلى أرضها. وبالتالي، هناك فعل مقاوِم في فعلهن الإخفائي، الذي يشترط ارتداء البرقع، والظهور عليه، ثم ممارسة لبسه كحيلةٍ سوداء، تعاينها "داعش"، بلا أن تنتبه إلى ما يجري تحتها من ألوان.

فالمرأة تخفي موطنها غير "الداعشي" تحت أسودها، الذي تقدمه للسلطة، محاولةً إقناعها بأنها ملتزمةً بقانونها. وبالفعل نفسه، تشرع في التمهيد لإعلان ذلك الموطن الملوَّن، الذي ينكشف عند الإنتقال إلى أرضه.

النساء اللواتي نزعن ملاءاتهن السّود، غيَّرن معنى ارتدائه تحت سلطة "داعش"، بحيث أنه صار يعبِّر عن حيلةٍ إخفائية بعدما كان غطاء إجبارياً. فتحتُه، ثمة موطن ملوِّن، ينشق عن الموطن الأسود، ويظل مستتراً حتى يظهر في أرضه. وعلى سطحه، ثمة فخ عيني منصوب لـ"داعش" كي تطمئن لسيطرتها، فلا تعير انتباهها إلى ما يضمره، ويمهده، أي الخروج من أرضها، والتخلص برشاقة من رداء قانونها.

لقد أجبرت "داعش" النساء على إرتداء السواد. لكن النساء أخذن هذا الرداء، وحوّلنه من علامة خضوعهن، إلى ثوب يعينهن على الخروج منه، بحيث بات يتألف من منفذ تحتي، سرعان ما تتغلب ألوانه على الأسود، وتبرز بحرارتها الإحتفائية. من "الإخفاء تحت" إلى "الإحتفاء على الملأ"، يستوي درب المقاومة النسائية.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها