الجمعة 2015/05/01

آخر تحديث: 15:49 (بيروت)

إليسا تغنّي "موطني": اتفاق تفاهم

الجمعة 2015/05/01
إليسا تغنّي "موطني": اتفاق تفاهم
increase حجم الخط decrease

كان يمكن لغناء إليسا نشيد "موطني" (إبراهيم طوقان – محمد فليفل) أن يمرّ مرور الكرام لولا أن الفنانة أعلنَت أكثر من مرة قربها السياسي من حزب "القوات اللبنانية" وزيارتها لرئيسه. هنا مكمن الجدل. لا في نطق المغنيّة المخفّف لحرف الطاء، أو أخطائها في الكلمات وتشكيلها، أو المستوى الفني للنسخة التجارية من النشيد (والذي يزكّي لحنه، أصلاً، المزاج التعبوي المرتبط غالباً بهذا النوع من الأناشيد).

بأي حال، ليست هذه النسخة المخفّفة الوحيدة من النشيد. في "يوتيوب" وحده أكثر من نسخة، واستخداماته تتعدّد بين الأناشيد الحزبيّة وإعلانات كرة القدم والمغنين الشباب وكورالات المدارس. لكنّ ردّ الفعل على غناء إليسا انطلق من مغالطة أساسية، وهي التعامل مع نشيد فلسطيني سابق، وليس مع ما أصبح النشيد الوطني لدولة العراق في مرحلة ما بعد الغزو الأميركي. ليس هذا ذمّاً للاستخدام الأخير. إنها فقط إشارة إلى أنّه ما من جديد في نزع السياق وإعادة الاستخدام. ففي العراق، ورغم كونه نشيداً لدولة ما بعد الاحتلال، استعيد النشيد مرة أخرى في مواجهة تمدد "داعش". ويمكن هنا استعادة ذلك المشهد من فيديو يوتيوب حيث يقف عراقيون في الكنيسة منشدين النشيد كاملًا بأصوات نيئة وبلا إضافات موسيقية.

النشيد إذًا، سبق أن انتُزع من السياق الفلسطيني أكثر من مرّة. وقبل أشهر مثلاً، قامت مغنيتان تتبنيان موقفًا اعتذاريًا من النظام السوري، بغنائه، مع تخفيف لحني وتقطيعات شعرية، من دون أن يثير عملهما لغطًا سلبيًا.

أما في الموقف السياسي لإليسا، والذي يتم تصديره على أنه مناقض لفكرة غناء النشيد، فهذه فكرة لا تُعدّ متماسكة وليست جديدة على الانتاج الفني اللبناني. والمثال الأقرب إلى الذهن هو ماجدة الرومي، التي لطالما أنكرَت حكاية أصلها الفلسطيني، واتخذَت موقفًا لبنانويًا، مع الحفاظ على الالتزام والانتشار العروبيين لأغانيها، لتأخذ تتنقل بين سعيد عقل اللبناني، ومحمود درويش الفلسطيني ("حاصر حصارك لا مفر"، مثلاً! والتي أُطلقت كأغنية خلال "حرب التحرير" بين ميشال عون والجيش السوري في لبنان العام 1989-1990)، و"سمراء النيل" (جورج جرداق - الكلثومي)، و"قانا" (هنري زغيب - اللبنانوي)، و"سيدي الرئيس" (حبيب يونس - الحراس أرزيّ/عوني).

أما على الضفة الأخرى من الانتاج الفني، الموسوم غير تجاري (وهو بالمناسبة تجاري على طريقته)، فمثير للاهتمام أن نجد معظمه الملتزِم بالقضايا العربية وقد تبنى موقفًا مساندًا للدولة العربية الاستبدادية وجيشها. لم يبدأ ذلك بتصديق جوليا بطرس لبشار الأسد، بأنه لا معتقلين لبنانيين في سجون النظام السوري، ومن ثمّ غنائها "أطلق نيرانك لا ترحم" على إيقاع الحرب السورية.. ولا بدأ بخالد الهبر (المريع في لفظه) مشيرًا للمؤامرة المستمرة، ولا بخطاب زياد رحباني الاعتذاري للنظام السوري، ولم ينتهِ بمديح تانيا صالح للبوط العسكري.

ليست هذه أمثلة اعتراضية تبرئ إليسا، باتهام آخرين. بل للقول بأنه لا سبب مقنعًا لكل هذه الفجيعة المتمدّدة، وللتذكير بأن كل هذه المواقف لم تمنع حاملي لواء الفن الملتزم من مواصلة انتاجهم ولم تهشِّم سياقية إنتاجاتهم القديمة... وهي لن تمنع إليسا، بالطبع، من غناء الأغنية في سهرات الفنادق والمهرجانات.

قد يقول قائل أنّ الأمر مختلف مع إليسا، فنحن نتعاطى هنا مع مغنية تجارية لم تغنّ أغاني وطنية يومًا (ولا حتى التجاري منها)، لتهشّم فجأة نشيدًا أيقونيًّا أنتج لفلسطين عبر استغلاله تجاريًا، فيما المغنيّة لا تخفي مساندتها السياسية لمن تورّط في أحداث راح ضحيتها فلسطينيون. والحال أن هذا التهشيم يطاول صورة المتورّط أكثر منه النشيد، ليثبت في الفنّ خيارًا اتّخذه المتورّط نفسه بعد العام 2005. فمَن "يُصنّف" مع فلسطين في السياسة، متحالف مع مَن "نظّف" المخيمات ذات يوم، أو مع مَن قام بتوزير متورّطين آخرين في المجزرة نفسها، أو مع مَن يكمل اليوم "تنظيف" مخيمات جديدة.

والنظرة المتفحّصة في الأغنية، وبعد مشاهدة الفيديو كليب الخاص بها، المنفّذ على عجل، بما فيه من مشاهد سياحية للبلدان، وللعنف الداعشي والإسرائيلي معًا، تظهر المزاوجة الواضحة بين اللبنانوية السياحية والعروبة النكبوية، وهي مزاوجة ليست جديدة، بل تكاد تشبه رِدّة إلى خطاب تسعيناتي، ومعادله الحالي في السياسة: الحرب على الإرهاب.

ليست هذه مقالة عن إليسا، ولا عن النشيد الفلسطيني. هذه مقالة عن السياق اللبناني لاتفاق تفاهم بين "القوات اللبنانية" والسُنّة اللبنانيين/العرب، وهو بالطبع ليس أول التفاهمات في لبنان ما بعد 2005.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب