الأربعاء 2015/12/16

آخر تحديث: 16:29 (بيروت)

إيقاف برنامج "من الآخر".. النظام السوري يقمع نفسه!

الأربعاء 2015/12/16
إيقاف برنامج "من الآخر".. النظام السوري يقمع نفسه!
increase حجم الخط decrease
عندما لا يجد النظام السوري أحداً ليقمعه فإنه يقمع نفسه. بهذه الطريقة، انتهى عرض برنامج "من الآخر" على شاشة الفضائية السورية الرسمية، بعد قرار من "مجلس الوزراء السوري" بإيقاف البرنامج نهائياً. وإن كان المنع يمر مرور الكرام في كواليس الإعلام القمعي، إلا أن سبب المنع هذه المرة يبدو غير مفهوم. 


حادثة المنع المستهجنة للوهلة الأولى، تأتي من سلطة عليا، وليس من وزارة الإعلام التي تكون قراراتها المماثلة شفهية في العادة. كما أن العلنية ونشرها بهذه الكيفية عبر وسائل الإعلام السورية والعربية الموالية، مرفقة ببيانات صادرة عن أصحاب البرنامج، تؤدي إلى اعتقاد برغبة النظام نفسه في إيصال رسائل محددة من هذا القرار، بالاتفاق ربما مع اصحاب البرنامج أنفسهم الذي كان تباكيهم على "البرنامج الحر" مسرحياً إلى أبعد حد.

وكتب جعفر أحمد، معد ومقدم البرنامج في "فايسبوك" مفسراً سبب المنع بامتعاض المسؤولين السوريين من جرأة البرنامج و"نقده للسلطة": "أزف لكم استشهاد برنامج من الآخر، على عكس الافلام العربية هذه المرة، مات البطل، لكن هل يموت صوت الناس، هل يموت الصوت الذي جعل الحكومة تشعر لأول مرة منذ عقود أن هذا الإعلام للناس". وأضاف: "من الآخر لن يموت، لان الناس حفظت اسمه وشارته، وباتت تردد جملته الشهيرة حكومتي اللطيفة ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع وهو يعلم، هل تعلمين؟ اتمنى ان تعلمي".

من المستغرب أن توقف الحكومة السورية برنامجاً قد يكون الأول في الاوساط الشعبية التي تبالغ بمديحه، كونه يمرّر معلوماته للناس عبر طريقة "امتصاص الصدمات" غير المباشرة. والمتابع للحلقة الأخيرة التي استضافت أربعاً من معارضي الداخل، يلاحظ مبالغة غير مسبوقة من "إعلامي" في السخرية من ضيوفه وتلميع صورة النظام حتى في القضايا التي كان ينتقدها شخصياً طوال 14 شهراً من البث.

ربما كان الأجدى بالنظام، من وجهة نظر متخيلة طبعاً، تقديم وسام شرف للمذيع الذي أبدع في مستوى التشبيح المخيف الذي أدار به الحلقة، وهزأ فيها من جميع قوى المعارضة الداخلية والخارجية والمسلحة على حد سواء. وإن كان التضامن في الحالات المماثلة بحق زملاء يواجهون القمع، أمراً مستحباً، إلا أن إيقاف البرنامج "المسرحي" بكل ما يقدمه كبوق للسلطة وادعاءات بالديمقراطية على الشاشة أمام السوريين، هو نعمة يجب شكر النظام عليها من منطلق تخليص الجمهور من كم الرادءة التي حملتها حلقاته المختلفة، حتى لو تحقق ذلك بطريقة قمعية.

لطالما ظهر معارضو الداخل على الشاشات الرسمية منذ 2011، ولطالما أراد النظام القول أنه ديمقراطي ويرعى المعارضين إعلامياً، ويتجلى ذلك في تغطيته لمؤتمر المعارضين في دمشق الأسبوع الماضي، والذي يعتبر تمهيداً لطرح معارضة الداخل في أي حوار مستقبلي كبديل "وطني" لمعارضي الخارج مع "شواهد" تاريخية عن "فعاليتها السياسية" يقوم النظام بصناعتها وتسويقها عبر قنواته الرسمية.

بالتالي لا تشكل استضافة المعارضين بحد ذاتها سبباً لقرار المنع، بل كيفية التعامل معهم في البرنامج بشكل يعاكس أفكار النظام الحالية في هذا التوقيت بالتحديد مع ارتفاع مستوى الحديث عن حلول سياسية برعاية دولية. إذ ظهر جعفر أحمد بثوب رجل المخابرات المفتخر في وجه ضيوفه بانتمائه لحزب "البعث"، وكأنه في جلسة تحقيق تتأرجح بين الوطنية والتخوين، فيما اصطف المعارضون الأربعة أمامه جنباً إلى جنب في مشهد إقصائي من الناحية البصرية.

أداء الحلقة كان مشوشاً، حيث قدمت معلومات متناقضة بين الحوار وبين التقارير المصورة وحتى ضمن الحوارات نفسها. وبما أن الإعلام هو مرآة للسياسة في الأنظمة الشمولية، يمكن تلمس تشوش مماثل لدى النظام سياسياً في أعلى المستويات القيادية فيه، تجاه فكرة ماهية المعارضة والموقف منها في ظل المتغيرات الدولية الحالية، وهي نقطة يمكن ملاحظها في التصريحات السياسية الرسمية تجاه هذا الموضوع منذ أيلول/سبتمبر الماضي.

ومن هذه النقطة، وكعقرب يلسع نفسه عندما تحاصره النيران، يأتي المنع كنوع من العقاب لأحمد الذي تطاول على أعضاء المعارضة الداخلية التي يرعاها النظام في الفترة الأخيرة ويسوقها للمجتمع الدولي الغربي على أنها معارضة مستقلة، فيما أظهرها البرنامج على أنها شرذمة مأجورة ترغب في أن تكون جزءاً من النظام وليس معارضة له، ويعبر هذا بوضوح عن الحصار الخانق الذي يعيشه النظام من حلفائه قبل أعدائه.

قد يكون ضيوف الحلقة، قد خرجوا في إطار حديثهم عن الخط السياسي المسموح به على فضائية رسمية، وكان أداء أحمد الاستفزازي "المثير للاشمئزاز" هو الطريقة التي دفعت بهم إلى الانفعالية في الحديث ضد النظام نفسه وضد حلفائه الإيرانيين والروس، رغم أنهم لم يتفوهوا بكلمة تسيئ للخطوط الكبرى كالجيش السوري وشخصية الأسد، إلا أن مهاجمة حزب البعث ورموزه والصفقات المشبوهة للنظام كانت أكبر من أن تمرر للجمهور عبر شاشة رسمية، ما استدعى العقاب.

منذ أيلول/سبتمبر الماضي، وقبيل التدخل العسكري الروسي، يتداول الناشطون أنباء غير رسمية حول قرارات شفهية بمنع البرامج الجدلية والجريئة على الشاشات الرسمية، وتكريس خطاب أكثر هدوءاً موجهاً لمواطني الداخل، وفعلاً توقفت حدة البرامج الرسمية بشكل ملحوظ حتى حلقة "من الأخر"، ويبدو ذلك نوعاً من التماهي مع الحليف الروسي المباشر، من ناحية طريقة التفكير، بطريقة تعكس الهيمنة الروسية "غير المباشرة" على الأداء الرسمي السوري في مختلف المجالات.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها