الأربعاء 2014/10/01

آخر تحديث: 16:17 (بيروت)

من هم الأصدقاء؟

الأربعاء 2014/10/01
من هم الأصدقاء؟
كورنيش بيروت بعد مطر ربيعي (تصوير: مي شيجينوبو)‎
increase حجم الخط decrease

حسنا، أواجه صعوبة في كتابة نص عن الأصدقاء. أبدأ الكتابة، كل مرة، من وصف حلم بصورة واحدة. في الحلم أنظر من بعيد إلى أصدقائي وهم في مكان ما، مكشوف، وكأنما هم مشغولون بإعداد مائدة لبنانية. كأنه يوم أحدٍ ربيعي، وكأنني أنظر إليهم بلا نظاراتي الطبية، فلا أميّز وجوههم.

أبدأ في كل مرة هكذا، وأنتهي هنا. لا أجد ما أقوله أكثر. بداية هذا النص، في المقابل، تحتمل حيلة ما للإستمرار فيه، وأحسّ بتلك الحماسة الطفولية الحلوة التي تصيب من يحبّون الكتابة، إذ تأخذهم الفكرة صوب ما يبحثون عنه.

قد أقول إنهم كالكتابة، لكنه استسهال في الخيال لا متعة فيه. سأجرب، كما في الإنشاء، أن أسأل وأحاول الإجابة عن السؤال: من هم الأصدقاء؟

إذ أسأل، أرى وجوهاً كثيرة تأتي بلا ترتيب. هؤلاء هم إذن، أول الوجوه التي تخطر في البال، الذين أشعر برغبة مفاجئة في سماع صوت واحدة منهم، أو الذهاب لا إرادياً في استرجاع ما أمكن من ذكرى حماقات عادية، كسُكر ينتهي بتجوال على غير هدى، ورقص على رصيف الكورنيش. حماقة خاصة، فيها بكاء ربما، أو ضحك كثير. نميمة على شخص نتشارك في كرهه، ويمكننا أن نكرر بلا ملل قصة واحدة تضحكنا، ونظل نضحك عليها، ونضحك.

سأقول إنهم رفاق الحماقات الصغيرة. تلك التي لا تؤذي، والتي تقطب أيامنا لتصنع منها العمر الذي راح. لكنهم أكثر من ذلك. قد يكونون الذين يستمعون إليك تحكي قصة ما، وبينما تروي، تدلك إشارات ما إلى أنك رويت عليهم، من قبل، القصة نفسها. وبينما يغمرك امتنان جميل لأنهم يحبونك حد الإدعاء بأنهم لم يسمعوها منك من قبل، لا ترى أنهم لا يدعون اهتماماً مجاملاً بما تقول، بل هم مستمتعون حقاً بقصتك التي حكيتها من قبل.

تجيد الحكي معهم. هم الذين لا تعرف متى صاروا كذلك. الذين لا تبادلهم الإعتراف بالصداقة على غرار الإعتراف بالحب. وكثرتهم، فيها من التسامح ما لا يجعلها خيانة.

قد يكونون المتسامحين معك، من دون أن يدروا أنهم كذلك. لا يرون فيك ما يراه آخرون عيوباً. يعجزون تلقائياً عن الحكم عليك. بعكس أولئك الذين قد يكونون أنت أيضاً في أحيان كثيرة، وهم ليسوا بأشرار، لكنهم ببساطة ليسوا أصدقاءك، بل تجارب لم يكتب لها النجاح، وتنتهي بلا أضرار دائمة. تزول من حيواتهم، ويزولون من حياتك بتلقائية تلاشي الأشياء التي لا حاجة إليها، بتلقائية ضياعها لأن أحداً لم يعرها اهتماماً.

الباقون لك من الناس هم من يخطرون في بالك في لحظة حاجة ماسة إليهم، وفي لحظة ضجر، عابرة أو مقيمة، وفي لحظة رغبة عميقة برفيق يقلل من وحشة الوقت وغرابة الداخل الخاوي. هم الذين تخجل من أن تخبرهم بأنك تحبهم، لكنهم يعرفون، وأنت تعرف.

هم الذين، بينما تنكسر نصفين، وتعجز عن الوقوف، تجدهم وقد سندوك قبل الوقوع، من دون فضول السؤال عما بك، من دون أن تحس بأنهم يحملون عنك انكسارك كي تقدر على البقاء. هم الذين يصغون إليك تغني، ويصغون إليك وأنت تبكي. هم الذين تحب نفسك في وجودهم. الذين تشعر بامتنان لوجودهم. قد يكونون الذين يجعلونك تحب نفسك وتقدّرها. قد لا يكونون كل هذا، وقد يكون النص أخذني الى حيث لا أريد وحمّلته أكثر مما يستطيع.

لا. هو يذهب إلى خاتمته وما زال هناك ما أقوله. سأجرب مرة أخرى أن أجيب عن السؤال: من هم الأصدقاء؟

سأقول إنهم الذين رأيتهم في الحلم. لم أميز عددهم ولم أرَ وجوههم. ومع ذلك، فقد رأيتهم كلهم، وكان الحلم ليكون قاسياً لولاهم، كالحياة. إنهم هؤلاء الذين يردون الآن إلى بالي، وأنا أنهي هذا النص الذي أهديه إليهم. إنهم الذين يمرون في خاطرك وأنت تقرأ وتتخيل الحلم، لا ترى وجوهاً واضحة، لكنك كلما أمعنت النظر، أتى إلى عينيك وجه جديد. ومع أنك لا ترى أحداً منهم، فأنت تراهم.. وتراهم يبتسمون لك، وأنت بدورك تبتسم. هم الإبتسامات. هم تبادل الإبتسامات.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها