الأربعاء 2013/10/30

آخر تحديث: 04:56 (بيروت)

الخوف من تمثال

الأربعاء 2013/10/30
الخوف من تمثال
increase حجم الخط decrease
في الشريط الذي بث الثلاثاء على يوتيوب ويصور تحطيم إسلاميين لتمثال السيدة مريم العذراء، في اليعقوبية في ريف إدلب شمالي سوريا، العديد من المعاني التي تختزل ملامح من الصراع الدائر حول الثورة السورية، أولها أن الفيديو روّجته قناة "عرين الأسد" على "يوتيوب"، ما يؤكد أن المصلحة الأكبر لوجود الإسلاميين وممارساتهم هي للنظام، هذا إذا لم نرد تصديق رواية أن النظام نفسه هو "داعش" وأخواتها.
أقل ما يمكن قوله إنه لقاء مصالح فريد بين النظام الذي سوّق لرواية "ثورة السنّة"، والإسلاميين الذين يعيشون في هذا الحيز الذي خلق بفضل ثورة الشعب السوري.
لا جدوى من القول إن الشريط ملفق، كما علق ناشطون افتراضيون، فقد شهدت البلاد من قبل اختراقات من قبيل تحطيم تمثال المعري، أو الاعتداء على ناشط سلمي، أو صحافي، أو امرأة، وصولاً الى أعمال القتل على الهوية، أو خطف ناشطين أو رجال دين كما حدث للأب باولو الذي ما زال قيد الاختطاف حتى الساعة. ولكن اللافت في الفيديو أنه أُعد للعرض، ولم يصوّر خلسة، ففي لحظات الشريط الأولى نسمع ونرى إشارة البدء بالتصوير لإسلامي يقف بمواجهة الكاميرا ويمسك بتمثال للسيدة مريم العذراء بين يديه فيما يبدو التمثال بحجم طفل.
التناقض سيد المشهد، حيث ضخامة وعدوانية وشراسة الشيخ المتأسلم بزي أفغاني على تعارض واضح مع ألوان تمثال السيدة الوديع، الصغير والصافي والملون بالأبيض والسماوي. لم يتردد الرجل بعدما أعطى إشارة البدء للكاميرا في تحطيم التمثال المصنوع على ما يبدو من مادة الجص.

في مرات سابقة كنا نفهم أن الاعتراض الأساسي لهؤلاء المتأسلمين هو على وجود التماثيل من أساسها، وهو أمر أثار إشكالات محدودة على مرّ السنوات الأربعين الفائتة. صحيح أن أحداً لم يجرؤ على الاقتراب من تماثيل حافظ الأسد، إلا في مرات نادرة، إلا أن فن النحت وصناعة التماثيل قوبل دائماً باعتراض الناس، إلى حد أن النظام نفسه كان يراعي ذلك، يراعي فن النحت ويضع له الحدود وهو النظام العلماني، فيما يملأ البلاد طولاً وعرضاً بتماثيل العائلة الحاكمة. كانت تلك العوائق أحد أسباب تراجع فن النحت في البلاد. لكن ليس من الواضح، مع فيديو تحطيم تمثال السيدة إن كان الاعتراض خصوصاً على فكرة التمثال، بل ما يمثله، حيث يلقي الرجل المتأسلم خطبة يقول فيها "لن يعبد في أرض الشام سوى الله"، وهو يغفل عن أن السيدة ذكرت في القرآن، بل إن سورة بحالها تحمل اسمها، من دون أن يدفعه ذلك إلى أي نوع من التقدير.

ليس الاعتراض هذه المرة على التمثال، بل على وجود دين آخر يشاركهم الأرض ذاتها. لا يتردد الرجل في القول "لا نرضى بغير دين محمد بن عبدالله"، ولعله يؤجل معركة التمثال إلى زمن آخر. مع أن ما يدفعه إلى تحريم التمثال لن يردعه عن تحريم الصورة أساساً، وتحريم الظهور التلفزيوني الذي يبدو أنه سيظل يستخدمه كنوع من "الجهاد".

يربح النظام مجدداً من تصرف "الإسلاميين"، وتخسر الثورة من صورتها التي تأسست على المطالبة بالعدل، والوحدة الوطنية وسواهما من قيم. مع أن شريط تحطيم التمثيل كان سبباً بتضامن واسع من قبل الثوار والناشطين للتعاطف مع التمثال المهيض الجناح، ومع أشقائهم في الوطن. ولعل فيديو التحطيم كان الأقل تداولاً على صفحات الناشطين الفايسبوكية، فما جرى تداوله أمس هو تراتيل كنسية بصوت فيروز. كان ذلك نوعاً من الرد.

3az-2.png

increase حجم الخط decrease