إنّ هذا النص لا علاقة له بالواقع، والأحداث التي تدور فيه من وحي الخيال ولا تمتّ إلى الحقيقة بصِلة. وفي حال تشابهت الأحداث أو الشخصيات أو الأسماء (لا أسماء فيه فعلياً) مع أخرى من الواقع، فهو من باب الصدفة المحضة.
اليوم، مات زعيم. نُكّست الأعلام حداداً. بَثّت قنوات التلفزيون والراديو، التي لم يعد أحد يستمع إليها، خطابات قديمة قيل إنها تاريخية، وأناشيد وطنية. نُقلت مجريات التعازي في بيت العاصمة على الهواء، فكان المعزّون يظهرون وفوداً تلو الأخرى أمام المشاهدين. حملت تلك المشاهد الأسى إلى الناس، حتى أن بعضهم أخذ يرتعش في منزله، تأثراً. لم يكن أحد ينتظر نبأً مماثلاً، فالرجل كان لا يزال في ريعان شبابه السياسي ولو أنه أقبل على الثمانين. أطلّ مراسل إحدى القنوات ليشرح للمشاهدين بعضاً من المعلومات التي توافرت حول هذا الموت الرهيب والظالم.
في المغطس
مات الزعيم، بشكل مفاجئ. بحسب الرواية الإعلامية، عثر عليه خدمه وحرّاسه في حوض الاستحمام، بلا نفَس ولا حركة. في يده اليمنى، جهاز تحكّم من بُعد. كان الجهاز مغلّفاً بطريقة تجعله مقاوماً للماء، حتى أنه لو ترك فيها، طفا على سطحها من دون أن يتعطل. وفي اليد اليسرى، سيجارة "تريجورير سليمز بلاك". وإلى جانب المغطس، طاولة صغيرة تحمل كأساً ذاب ثلجها. كانت جثته باردة، تماماً كالماء المنقوع فيها، ولو أنّ رذاذ الماء وبخاره الساخن كان ما زال يتساقط على المرآة المواجهة للمغطس. لم تحدّد أسباب الوفاة بعد، مع استبعاد لفرضية الميتة الطبيعية. قيل إنه قضى مغدوراً، بلا أثر لأي عراك أو دماء.
تعليق خبيث
على الأرجح، قضى الزعيم مسموماً. أشيعت في الأوساط والمجالس، نكتة سمجة. تعليق خبيث يقول إن الزعيم، على الأقل، مات نظيفاً في حوض الاستحمام. أكدت السلطات أنه سيتمّ تشريح الجثة للتدقيق في أسباب الوفاة، ليصار بعدها إلى إجراء التحقيقات اللازمة وكشف كامل الملابسات. ولم يستبعد بعض الجهات أنّ يكون الزعيم تعرّض لعملية اغتيال منظّم بحِرفية عالية، في زمن المؤمرات على الوطن ونظامه. وكانت سبقت موته، عملية اغتيال معنوي على أيدي حاقدين وعملاء سعوا إلى تشويه صورته ووسم مسيرته وحياته بالفساد. فتعرّض لحملة مدبّرة بإتقان صورته إبليساً في وطن جحيم.
منصّة التشريح
على منصّة التشريح، رقد الزعيم مغطّى بشرشف أبيض. نزعوا خاتمه الذهبي من خنصر يُمناه، حلقوا بعضاً من شعر صدره. وضعوه على مجسم بلاستيكي رفع صدره إلى الأعلى، وبدأت المرحلة الأولى من التشريح. عمل طبيب على تشريح الرأس. فأحدث شقاً من خلف الأذن اليسرى إلى الجهة المقابلة، مروراً بقبّة الرأس. في الوقت نفسه، حمل متخصّص آخر مشرطاً وباشر العملية في وسط الجسد. خطّ شقّين، من أعلى الجسم نزولاً، ومن أسفل الكتفين إلى الصدر. التقى الخطّان، فنزل بهما الطبيب بشكل مستقيم إلى الجانب الأيسر من السرّة. كأنّ الطبيب رسم على الجثة حرف Y. Y؟ سؤال أخير لا بد منه.
استكشاف صادم
باتت الجثة جاهزة للمرحلة الثانية من التشريح. أمسك الطبيب مقصّين وعمل على فتح تجويفة الصدر. رفع جانباً منها، فابتعد لا إرادياً عن الجثة. ارتعش جسمه وانتفض في أرضه. ملأت رائحة العفونة المشرحة. لم يدرِ أنه فتح لتوّه بئراً من نطف. تحت الجلد الخارجي، وجد طبقات سميكة من اللحم المهترئ. فتحوا الكيس التاموري المحيط بالقلب، فوجوده مضمحلاً منكمشاً بحجم جوزة. مضلّع مثلها، لكن مدبّب. نزعوا القلب، ومنه نزلوا إلى الرئتين. لم يجدوا فيهما شُعَباً بل ورود شوكران سامة. وأكملوا باتجاه بالبطن والأحشاء والأعضاء الداخلية، وكانت ليفاً بلون قاتم. فتح الطبيب الآخر الرأس، فخرجت منه طاقة لزجة وسائل سميك وغليظ.
النعوة
لم يفهم الطبيبان شيئاً. تركا الجثة كما هي. المقّصات مغروسة فيها. استأذنا الحارسين على باب المشرحة، وخرجا. في وقت لاحق صدر بيان أذيع عبر وسائل الإعلام كافة، وجاء فيه: ننعي إلى شعبنا وأمّتنا وكل العالم، القائد والمعلم والمفكّر والشاعر والضابط والرمز والصانع والبطل، الأخ الزعيم الشهيد. اسشتهد الزعيم مسموماً على يد الغدر والعدوان، أبناء الشياطين. فما عجز عنه الرصاص والتفجير والتقسيم والحصار، تمكّن منه سمّ خبيث زرع في عروق الزعيم، فكلّل مسيرته السياسية بالشهادة. وفي تلك المسيرة، ما تمنّى غير الشهادة. نواجه اليوم تحدياً جديداً، كما دائماً، نخوضه جنباً إلى جنب وكتف على آخر، برصّ الصفوف وشدّ عزيمة وحدتنا وعيشنا المشترك. على درس الشهيد سنبقى ونكمل المشوار، ومنه نأخذ العِبر والدروس لمسيرة أكثر إشراقاً ونوراً.
استمرّت إذاعة النعوة، ثلاثة أيام. وفي اليوم الرابع، نُظّم حفل تأبين مهيب، حضره عشرات الملايين في الساحات وعلى شاشات التلفزة. لكن في تلك المجالس، استمرّ التداول بالنكتة السمجة نفسها: على الأقل، مات الزعيم نظيفاً في حوض الاستحمام.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها