الجمعة 2022/01/21

آخر تحديث: 15:10 (بيروت)

نصائح لم يقدمها الحكماء الخالدون لزميلهم نشأت مجد النور

الجمعة 2022/01/21
نصائح لم يقدمها الحكماء الخالدون لزميلهم نشأت مجد النور
كارمن لن تنفعك.. أنت بحاجة لخبراء تسويق حقيقيين
increase حجم الخط decrease
لم يطرأ أي تعديل على الشكل الهندسي الغامض المرسوم في جبهة الحكيم نشأت منذر. لم ينفر من جبهته مثلاً ويتحول إلى كرة ثلاثية الأبعاد تدور حول نفسها، كما قد يحدث في أفلام الخيال العلمي في اللحظات المصيرية، حين يجد كائن ما بوابة الأكوان المتتالية أو يفتح كوة على البُعد الآخر.

ولم يشحب لون الحكيم أيضاً ولم يسقط مغشياً عليه. فقط أغمض عينيه وأعلن أن الله، حبيب قلبه، يحكيه الآن، "بارك الله فيك يا بني".. قال له الله وطلب منه أن يخبر أبناءه العرب أن يستمعوا إلى ما يقوله ابنه نشأت مجد النور. مجد النوووور، ردد نشأت من بعد الله، موصياً بأن نردد اسمه سبع مرات خلال جلسات التأمل.

نعم، في هذه اللحظة التاريخية، ذكّر الله نشأت باسم شهرته الجديد الذي سيحل محل منذر، أي مجد النور، مفسداً على العالمة الفلكية كارمن شماس المفاجأة التي كانت توفرها لآخر الحلقة. له سبحانه حكمة في ذلك لا شك.

نكون، بعد التجول في فيديوهات الحكيم (القديمة بشعر مستعار) والجديدة (من دون الشعر المستعار لحسن الحظ) قد فقدنا قدرتنا على الذهول. فنشأت يمكنه أن يقول كل شيء وأي شيء، وكارمن ستؤكد ما يقوله قبل أن يقوله غالباً، لأنها تعرف الآتي قبل أن يأتي. قد لا نصدق بأن الله، وبعده أو قبله المعلم كمال جنبلاط، وسقراط، وبوذا، والأنبياء وآخرون، اختاروا هذا الشاب البسيط ليجالسوه ويخاطبوه ويراسلوا البشرية من خلاله. فنحن لا نراهم ولا نسمع أصواتهم، وليس لنا إلا أن نثق بهذا الرجل اللبناني العادي حين يقول أن الله يخاطبه. لكن كيف لنا ألا نصدق حالة الهياج التي أصيبت بها "ويني"، كلبة كارمن، إزاء حضور نشأت القوي، فراحت تنعوص ولم تعد تهدأ، هي الهادئة دوماً؟ أو كيف لا نصدق معجزته في تثبيت نور الشمعة بعينيه، بعدما كتم وكارمن نفسيهما في الصالون المغلق عليهما؟

وفيديوهات كارمن ونشأت مضحكة فعلاً، لمن لديه القدرة على تحمل تقريع نشأت المستمر. فنشأت كلما حكى، فاض منه كلام غريب، تُوافق عليه كارمن. لكن، وهذا سؤال جدّي، من أين يأتي نشأت بكل هذه الثقة، مع أنه لا يملك أياً من مقومات أو أدوات زملائه وزميلاته المشعوذين؟ أحمد زكي، في "البيضة والحجر"، رفع السقف عالياً حين جعل أستاذ الفلسفة، المثقف واليساري والقارئ النهم، دجالاً يجيد التلاعب بمشاعر الناس، مخاوفهم وأحلامهم ونقاط ضعفهم. تحت هذا السقف بكثير، يتنافس على الشاشات اللبنانية مجموعة دجالين تقليديين يجيدون ضبط طبقات أصواتهم حين يتفوهون بالترهات. يحكون ببطء وينظرون في نقطة ما، خارج الأبعاد المتعارف عليها فيزيائياً، ويتكلمون. يقيسون كلماتهم ويقتصدون بها ويجعلونها عامة وغامضة.

ميشال حايك، شيخ العرافين اللبنانيين، يُعتبر مرجعاً عظيماً ومدرسة في كيفية  تغليف كلامه الخاوي بجِلد سميك من الوقار والهيبة. حتى علماء الفلك، مثل ماغي فرح وكارمن شماس نفسها، وصولاً إلى قراء فناجين القهوة، لديهم تقنيات تساعدهم على إيهام جمهورهم بأنهم يعرفون ماذا يقولون. ويفضلون أن يرتاح هذا الجمهور إليهم، ويخرج بانطباع إيجابي من الاستماع، حتى يعود مجدداً إليهم.

أما نشأت مجد النور، فتشع منه الساديّة. كلما جرّب أن يكون لطيفاً، لمعت فكرة ما في رأسه فأغضبته، وبدأ بالصراخ علينا، وتهديدنا، والسخرية منا، والاستخفاف بأسئلتنا التافهة. يعيدنا إلى زمن مضى، كان الصحافي فيه يسأل سؤاله ثم يتلطى مختبئاً خلف زميله الجالس أمامه، مرعوباً من الجنرال ميشال عون الذي يفقد أعصابه ويبدأ بالبحث عن الصحافي المسكين كي يهشم رأسه بالتعنيف والنظرات ما دام ليس من منفضة سجائر في متناول يده يرميه بها ليكسر له جمجمته عقاباً على سؤاله.

ميشال عون الجديد هذا، وبدلاً من أن يكون رحب الصدر كالحكماء، مترفعاً عن الصغائر، متفهماً للجهلة من الناس أمثالنا، غافراً  لنا خطايانا في حقّه، فهو لا يكف عن تهديدنا بالكارما التي يوحي لنا بأنه يديرها بالريموت كونترول التي يحملها بيده على شكل صولجان. هذه الكارما ستهلك مصر والمصريين لأنهم سخروا منه، وقد تصيب شخصاً في بيته وأولاده للسبب عينه. وعلى الأرجح أنها أيضاً وراء تزايد عدد الأشخاص المعوقين الذين يرى الحكيم في إعاقتهم نوعاً من العقاب، كما الأمراض التي كلها تُحَلّ بأن نتحول إلى نباتيين.

وفي اللحظات النادرة، حين يقرر أن يطلعنا على بعض الأسرار التي في جعبته، لا يعود يعرف من أين يبدأ وأين ينتهي. ويختلط الحابل في ذهنه بالنابل، ولا نعود نفهم إذا كانت عودتنا إلى الحياة بعد الموت على شكل حيوانات، هي عقاب لنا، أم إرتقاء في الطبقات التي يحكي عنها. ثم نعرف أن الأسد كان نباتياً.. وأنه توقف عن أكل البصل والثوم، لأن رائحتهما تجلب الشياطين.. مع أنه، مثلنا، يحب البصلة، خصوصاً إذا كانت مقلية.. وهكذا..

نشأت كان بحاجة إلى مَن يأخذه مِن يده، غير كارمن. للأسف، لم يقدم أحد من الحكماء الخالدين الذين يجالسون نشأت يومياً، ومن باب الحرص على مستقبل زميلهم الجديد، بضع نصائح ضرورية له: لا يمكنك يا نشأت أن تكون حكيماً وموتوراً في الآن نفسه. عليك، يا حكيم، أن تتحلى ببعض التواضع، خصوصاً أنك ما زلت طريّ العود وشديد الضحالة وفيديوهاتك لم تتخطّ مشاهداتها بضعة آلاف. تواضع قليلاً يا مجد النور. ما إن حملت عصا حتى قررت أن تنزل اللعنة بأرض مصر بأمها وأبيها؟ خذنا بحِلمك يا موسى عصرك. ألم تعلم، وأنت العالم، أنه ليس من الحكمة بشيء، معاداة المصريين في السوشال ميديا؟ جرَّبها حكماء كثيرون قبلك، خرجوا مهشمين.

ثم، والكلام ما زال للحكماء الذين لم يقولوه لنشأت: لا تبالغ يا رجل! نبي دفعة واحدة! أول دخولك صولجان على طولك. حرَّكتَ طائفتين كريمتين ضدك في يوم واحد، هذا والأب عبدو أبو كسم لم يسمع بعد الخزعبلات التي تطلقها بحق مار شربل. لنفترض أنك نجوتَ من دار الإفتاء ودار المشيخة، أين المفر من أبو كسم؟

ثم، لا يمكنك أن تكون قادراً على معجزات تتراوح بين شَقّ البحر الأحمر، وإنقاذ الناس من الأمراض المستعصية، وبعث الطاقة في "ويني" الكلبة وتثبيت نور الشمعة، وحرق المشعوذين، ومزج الأديان الإبراهيمية بالبوذية بالهندوسية بقصص ما قبل النوم بالخرافات، ثم تدعي أنك تملك حلاً لكل شيء. تخصص يا نشأت، فهذا زمن التخصص. إكتسب معرفة عميقة في نوع واحد من الشعوذة، وراكِم فيه. أدرس عميقاً منتجك الذي قدمته وكان سبباً في هذه الموجة العارمة من السخرية منك. ما لم تكن مادة جيدة للسخرية، فلن يسخروا. لا شك أن الخلل فيك كمنتج، ولن تصير مشعوذاً ناجحاً، وتنهال عليك الصدَقات التي تطلبها كل دقيقتين في فيديوهاتك، ما لم تبدأ بتغيير جذري في الماركة برمتها. وكي تنطلق بطريقة صحيحة، فلست بحاجة لنصيحتنا، نحن الحكماء، ولا كارمن شماس تنفعك، هي التي عجزت عن التنبؤ بهذا الفشل الذريع الذي وصلتَ إليه وعلى الأرجح أنها شريكة فيه، ولا الكارما، ولا الحمية النباتية.

أنت بحاجة إلى خبراء تسويق حقيقيين، يزيلون، أول ما يزيلون، هذه الرسوم البلهاء عن جبينك، ويسحبون الصولجان من يدك، ويضعونك داخل بذلة وربطة عنق ويعملون على صناعتك من جديد، من ألِفك إلى يائك. وستنزل لك الكارما من الحنفيات حينها، وتقطفها عن الأشجار.

لا شك أن مهمتهم ستكون صعبة جداً، لكن لا شيء مستحيلاً في عالم البزنس. تذكر يا نشأت يا مجد النور أنه في بداياته كان مثلك. انظر إليه الآن.. صار رئيس جمهورية. 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها