الإثنين 2022/10/17

آخر تحديث: 17:35 (بيروت)

آلو رضوى… هذا الرجل يثرثر أكثر!

الإثنين 2022/10/17
آلو رضوى… هذا الرجل يثرثر أكثر!
لوحة: جان دوبوفيه
increase حجم الخط decrease
ما إن أنزل من بيتي ذاهبة إلى العمل، كل صباح، حتى يوقفني أبو نزار الدكانجي كي يسألني عن الطقس. لا أدري مَن قال له إني عالمة فلَك، أو أني أعرف أكثر منه. ولا أدري، حتى، ما يهمه في الطقس وهو يقضي نهاراته داخل دكانه، ولن تتغير مشاريعه إن كان الطقس ماطراً أو حارّاً، إن تساقط الثلج أو قامت عاصفة ولم تقعد.

أحياناً كثيرة أرد عليه باقتضاب، بكلمة واحدة مثل: شمس، أو برد، أو شكلها بدها تشتي، وأحياناً أخرى أتلبّس مذيعات "إم تي في" وأخبره بصوت مغناج تفاصيل مرهقة لن تفيده، فأقارن الطقس بين مناطق لبنان من أقصى الشمال إلى الجنوب، مستخدمةً كلمات مثل كتلة هوائية، منخفض جوي أو صافي متل قلبك (أضيفها كنوع من الغلاظة).

يقاطعني دائماً، مهما كان جوابي، قائلاً عبارة اللبنانيين المشهورة: لبنان سويسرا الشرق.. ولك عمي، البلد الوحيد اللي بتكون بالجبل وبعدها بنصف ساعة بتصير جنب البحر.

أضحك في سرّي إذ أفكر بأبي نزار الذي لم يزُر في بحراً ولا نهراً. لا جبل ولا حتى تلة. أتساءل من أين حفظ هذه الجملة التافهة. ولماذا، إن كنا أساساً في الجبل، سنهرع إلى البحر، والعكس. أفكر بهذا كله فيما أنتظر السيرفيس إلى جانب الدكان.

يكمل أبو نزار حديثه اليومي، بعد أن ينتهي من المقدمة المناخية الضرورية لافتتاح أحاديث أخرى: فطّسونا بريحة الزبالة، ما بتعرفي حدا ست نسرين يجي يشيل هالزبالات؟ على القليلة من جنب الدكان؟ كله هيدا أمراض عمي، سَلَطانات (سرطانات) مكدسة!

أنظر إلى أبي نزار بدهشة، وأتساءل: من أين يأتي بحماسه وخوفه على صحته؟ كيف لم يقتحم اليأس عظامه كما اقتحمني؟ أرسم ابتسامة وأجيب: كل واحد ينظف جنب بيته وشغله، عمي. إنسَ أنك في بلد. أُشطُف بالماء والصابون... لعله ينظف البلد.

يوقف سائق سيرفيس سيارته المخلخلة، ويسألني أين أذهب. أهمّ بالقول: إلى جهنم، لكني أتمالك نفسي وأقول: ساحة النجمة، بـ30 ألف بس، كل يوم بروح بهالسعر. تنفع دائماً هذه الجملة السحرية كي يقبل السائق بخفيض التسعيرة، مقدار خمسة آلاف ليرة، تيمّناً بباقي السائقين.

يهز السائق رأسه موافقاً، فأودّع أبا نزار بابتسامة عريضة وأغلق باب سيارة الأجرة على نقّ السائق الفوري: والله ما بتوفّي يا بنتي، تنكة البنزين بـ700 ألف، وإيجار السيارة 500 ألف في اليوم. أبدأ نهاري الساعة السادسة صباحاً، وأنتهي الساعة العاشرة، ويااا دوب. مقضينها عدس ورز، عدّست بطننا. وهم في بيوتهم مقضينها دجاج ولحم وسمك.. ويغمزني في المرآة الأمامية كي أفهم عليه مَن يقصد بـ"هُم".

يذكّرني بتسمية الناس مرض السرطان (أو السَلَطان على قَول أبي نزار)، "هيداك المرض"، خوفاً منه، وأشعر فعلاً بأن مقاربة السائق ذكية. السياسيون والمسؤولون أشبه بـ"هيداك المرض". فأستغلّ جُملته، كأني أصبحت معه فريقاً (الشعب) ضد القوى الظالمة الغاشمة.

أشعر بانسحاق وتدني الوضع فعلاً، مع بدء تصبب جبيني بالعرَق. الحر شديد وأشعر بالألم من مسمار دخل في فخذي من مقعد سيارته الفارطة. أجيبه بصوت عالٍ وكأني على منبر: يجب أن نتحد ضدهم، حالي متل حالك خيي. الله لا يوفّق العدوّين. أعطيه الـ30 ألف ليرة خلال خطابي، كي لا يطالبني بفرق الخمسة آلاف، وأترجّل من طوشته.

أصل إلى العمل، يستقبلني مديري بابتسامة هادئة، على غير عادته. يسألني عن أحوال الطقس. أأعطيه رقم "أبو نزار"؟! فلن أكرر كلامي مرتين في اليوم! لكني أعيد ما حفظته وقلته للدكانجي. يقاطعني مديري بلا مبالاة، يعطيني مهام اليوم. يخبرني أنه يفكر في الهجرة والهجّ من هذا البلد. أتناول سندويش الزعتر من حقيبتي، آخذ لقمة كبيرة، أمضغها، وأضيف فيما أبتلع اللقمة: نعم. نعم أستاذ يجب أن تهاجر، أقصد أن نهاجر؛ البلد لم تعد لنا. أصبحت "لهُم". يهز رأسه موافقاً، وأنا أضحك في سرّي على تكرار الجُمل والتعابير والضمائر.

كل يوم، أكمل عملي بطريقة آلية وأفكر بالاتصال برضوى الشربيني وتنبيهها إلى أن الرجال يتذمرون أكثر من النساء. والله. يجب التوقف عن القول بأن النساء ثرثارات. منذ الصباح، وكل صباح، لا أسمع إلا همهمة رجال. والحاجة إلى الفضفضة. أو الطبطبة. أرجو أن توصل رضوى شكواي إلى رئيس الأمم المتحدة. وإن اتصل بي كي يتأكد من مزاعمي، سأباغته وأبدأ حديثي عن الطقس: إنه سيء جداً عزيزي، سيء كحالنا.
 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب