الإثنين 2022/01/31

آخر تحديث: 14:53 (بيروت)

حين أزعجَت أمومتي أستاذتي الجامعية

الإثنين 2022/01/31
حين أزعجَت أمومتي أستاذتي الجامعية
increase حجم الخط decrease
ما هي الأمومة؟ أنها الحرب التي تستخدم فيها الأم كل عواطفها وأسلحتها الديبلوماسية والعسكرية، وقد تصل إلى الحرب "اللا أخلاقية"، فقط  لتدافع عن حقها في الأمومة، كما حقها القانوني، وعن حياتها كي لا تنتهي لحظة تضع مولودها. لن أدخل هنا في الحديث عن كمّ الجرعات السلبية التي تتلقاها المرأة خلال الحمل والأشهر الأولى بعد الولادة، والتي تجعل حياتها مستباحة لآراء آخرين يصرّون على ألا يتركوها تكتشف عالمها الجديد.

لا أنكر بأني لم أقع ضحية هذا "الفخ"، حين أنجبت ابنتي يسمى، مع الأسئلة الدائمة: "متى ستعودين لعملك؟ وكيف ستتمكين من المواءمة بين أمومتك وعملك؟ ومن سيهتم بها في غيابك؟" وغيرها...

هذا الفخ يأسر الأم في دوامة الشعور بالذنب، وقد تعمَد إلى جَلد ذاتها مئات المرات، إن شعرت بالتقصير في مهامها وعاطفتها. على مدى عامين صارعتُ نفسي، وصارعتُ أمومتي، فقد كنت أعود للعمل بشكل متقطع. على مدى عامين لم أستمع إلى نشرة أخبار كاملة، ولم أُنهِ قراءة مقال صحافي، ولم أصل إلى خواتيم أي نقاش سياسي قد أدخل فيه مع زملاء أو في مواقع التواصل الإجتماعي.. كلها كانت مُقاطعات برعاية "يسمى". لكن، لا بأس. يمكنني أن أعوّض كل ما فات، لكني لن أستطيع تعويض لحظاتي معها.

تدريجياً، تغلبتُ على هذا الصراع، وعدت إلى حياتي "الطبيعية" كما كانت قبل الولادة، مع رفيقة صغيرة تساعدني في إنجاز مهامي اليومية... على طريقتها. ومن قرارات العودة إلى الطبيعة، كان البدء بدراسة تخصص جامعي جديد. فنظام الدراسة "الأونلاين" كان دافعي الأكبر للعودة للدراسة، إذ يسهّل على الأم والمرأة العاملة تنظيم حياتها بين العمل والدراسة والإهتمام بالطفلة والمنزل.

أثناء متابعتي لإحدى المحاضرات، لم تتقبل الدكتورة الجامعية أن تسمع صوت إبنتي بجانبي حين هممت بإعطائها جوابي عن السؤال الذي طرحته، ووصفتني بأني "طالبة غير جدّية". حينها، أقفلتُ ميكروفون الصوت، من دون أن أخوض معها في جدال، ليس لعدم قدرتي على الرد، بل خوفاً من أن ترسّبني عمداً في المادة، في حال قررتُ الرد على وصفها.

عزيزتي الدكتورة التي أزعجها صوت إبنتي...
أودّ أن أخبرك بأن نساء في العالم الذي تنتمين إليه، حاضرن في أهم المقرات الرسمية والدولية بصحبة أطفالهن، وبأن إمرأة كانت تُرضع ابنها وهي تشارك في إجتماع في الأمم المتحدة. ألم تشاهدي، مثل الملايين حول العالم، رئيسة وزراء نيوزيلندا، جاسيندا أرديرن، حين كانت في بث مباشر عبر فايسبوك تجيب على تساؤلات شعبها، واخترقت إبنتها البث طالبةً منها مرافقتها للنوم؟ بالطبع، استجابت لطلب ابنتها.

عزيزتي الدكتورة،
أنا متأكدة بأنك تنبهرين حين تشاهدين صوراً لأمهات في قاعات الدراسة في دول غربية، أو حين تشاهدين أستاذاً جامعياً يحمل بين يديه طفل طالِبَته ويكمل شرح محاضرته، بل ربما تعتبرينها صورة مشرّفة للعِلم. لكن، هنا في عالمنا، يجب علينا نحن النساء أن نختار بين الأمومة وبين تطورنا الأكاديمي والمهني. والمدهش أن أستاذة جامعية، امرأة أيضاً، هي التي تحشر طالبة من طالباتها في هذه الزاوية! وكيف؟ بالإحراج والمُعايرة! وكأننا، الأمهات العائدات إلى عاديّات الحياة، بالشكل الذي يستطعنه، محلّ اتهام يجعلنا في حالة تبرير دائم، وتأكيد متكرر للوعد بأن شيئاً لن يؤثر في مهامنا وعملنا مع وجود طفل في حياتنا.

عزيزتي الدكتورة،
الأمومة لن تمنعني من إكمال دراستي، ولا من مشاركتي في النقاش خلال المحاضرات. وفي كل مرة ستزعجك يسمى، خلال المحاضرات المقبلة، سأقول لك بأني الأكثر جدية، لكن يسمى أولاً، ومحاضرتك ثانياً، ولن أتأثر بنُعوتك التي لا أجد لها الآن وَصفاً.

عزيزتي الدكتورة "ن.ج."،
سأعود لذِكرِ اسمك كاملاً حين أنهي دراستي الجامعية، وأذكّرك بأني "الطالبة غير الجدّية"، التي تنجز مهاماً عديدة في آن واحد: أستمع لمحاضرتك، أهتم بطفلتي وأسئلتها، وأذني صاغية لكلامك، أغسل الصحون وأحضّر الطعام وأرتّب المنزل، وأنا أنهي محاضرة وأدخل محاضرة أخرى خلال يومياتي، وأضع لائحة بأفكار لتقارير صحافية، ولا أنسى إيجاد الوقت للمزاح في مجموعة العائلة في واتسآب!

عزيزتي الدكتورة،
سأخبرك بأن إبنتي تطبع حروف هذا النص معي، وبأني استجبتُ لطلبها الذي أزعجك. كانت تُريد أن آخذَها "باي"، وخرجنا في ذلك المشوار مثلما طلَبت.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها