الإثنين 2022/10/31

آخر تحديث: 12:41 (بيروت)

هيا بنا إلى أحلام اليقظة

الإثنين 2022/10/31
هيا بنا إلى أحلام اليقظة
"حلم نهاري مشمس" لوحة ميكي دي غودابوم
increase حجم الخط decrease
هيا بنا إلى النوم! ليست دعوة للكسالى، وإن كان لا عيب في الكسل... المجد له وللعارفين بسرّ الاستمتاع به من دون أن يخسروا شيئاً من حساب "إنجازات الحياة". بل هي دعوة إلى الإكثار مما يسبق النوم، من فسحة التخيل... إلى الإقبال على أحلام اليقظة.

اعتدنا قبول تمجيد السهر حتى الفجر، باعتباره متلازمًا مع الشباب وحب الحياة، إلى جانب تقديس الالتزام بثنائية لا فكاك منها: النشاط نهارًا والاسترخاء ليلًا. وفي هذا شيء من التبسيط بقصد التسهيل، على غرار تبرير أنواع التنميط المختلفة ليصبح تعريف الأشياء بالنسبة إلينا سلسًا.

بهذا المعنى، لن يكون مضيرًا، حصرُ النوم ليلًا، تقريع النائمين نهارًا... رغم أن في ذلك الكثير من الإجحاف، ينزله بلا رادع جمعٌ من المتعالين على النوم أولًا، وعلى الساعين إليه ثانيًا. هؤلاء الذين يشجبونه ويجلدون محبيه، الذين يتباهون بفرط الحركة نهارًا، بغزارة الأفعال وتتاليها بلا توقف سعيًا لحجب تناسل الأفكار أو خروجها من قمقمها، هم محرومون من متع لا تحصى... لعل أمتعها، تعشيق لا حصر له للخيال.

في النوم، أو في الفسحة المتاحة للتخيل قبله، نعيد تركيب العالم من حولنا. نرسم التفاصيل ونلونها. نبني البيوت ونرتبها لتأوينا إلى الراحة التي ننشدها. نعيد تصميم غرف جلوسنا، نبدل الكنبات بأخرى زاهية، خالية من البقع. نعلق على حيطانها اللوحات وصورنا من دون هلع نقر الحائط مثلًا، أو انزعاج من التواء إطار لن نستطيع تصحيحه. في الرحلة التي يأخذنا إليها إغماض العيون، لا غبار، لا تعاسة جراء الظن باستحالة التغيير أو الشعور بالإجبار اليومي على قبول ديمومة قاهرة، سواء للمسائل الشائكة أو التافهة.

عادات الخلود إلى النوم، توفر لنا هامشًا يختلف عن الحيز الذي يقسمه أصحاب الاختصاص إلى مراحل، وعن اختزال النوم، بوصفه فرصة تنشيط مكثفة لأحلامنا، للاوعينا ووعينا وما بينهما.

النوم باعتباره متيحًا للإمكانات، يهبنا هدية نادرة في يومنا، يقدم لنا عطية من عطاياه... إنه الاختلاء بالنفس في حالة استرخاء وترحال عن ضجيج المحسوس، وحِدَّة الملموس...

نمارس التخيل قبل النوم، عادة، كوسيلة تسهل الانزلاق إلى عالم السبات. يُرحَّب به كوسيلة للترويح عن النفس وتحسين المزاج في اليوم التالي، وغالبًا في المتخيَل، في هذه السيناريوهات التي نبدل فيها أي تفصيل تسرب من عقلنا ولا يناسب المنشود من هذا التخيل، نعيد ونغير فيها ونكرر إلى أن نجد الحلول أو ننام...

في أيامنا هذه، محظوظ مَن لا يزال قادرًا على التمسك بهذا "الخروج" ولو لمرة واحدة في يومه قبل النوم.

لكن هذا واجب، ومثله، التمسك بأحلام اليقظة. فهي ليست حاجة مهمة للتوازن النفسي فقط، بل ضرورة لإبقاء ديناميات التغيير في واقعنا الرتيب، نشطة. معظمنا خسرها أو تساهل في التفريط فيها، لحساب آلة الضغط الكبرى.

هيا بنا إلى استعادة هذه الفسحة نهارًا، لاستنشاق الهواء الوافد مع أحلام اليقظة... لضخ الدم في الذاكرة وتمرين عضلاتها. نحن مدعوون لتذكر اللجوء إليها، مثلما نتنبه إلى ضرورة الاغتسال بعد تعرق مباغت. علينا أن نضرب موعدًا مع هِبة ما قبل النوم في نهارنا، على الأقل مرة واحدة، أو كلما ناسَبنا.

يجب السعي إلى هذا الإغماض، إلى السفر في مساحة خارج المتوفر، لتنشيط قدرتنا على استبصار الممكن، لتبسيط عُقد الأوهام والمخاوف التي لا نجد وقتًا للتعامل معها نهارًا بذريعة ضغط الواجبات، ونخشى الاسترسال فيها ليلًا خوفًا من الوقوع أسرى الأرق. علينا اقتطاع أوقات من يومنا، لتفكيك المخاوف التي تأكلنا مثلما ينقضّ الضجيج على أفكارنا البسيطة والخاصة... نحتاج ترحالًا شبيهًا بالذي يلجأ إليه المساجين في محبسهم.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها