الخميس 2017/09/21

آخر تحديث: 18:35 (بيروت)

إلى خطيب منبر عاشوراء..

الخميس 2017/09/21
إلى خطيب منبر عاشوراء..
increase حجم الخط decrease
فضيلة الشيخ،  
أمّا وقد حان وقت صعودك الى المنبر، مقرئاً للسيرة الحسينية، منتحباً وناصحاً ومذكراً بالفضائل والمأثورات، لا بدّ أن نتذكر معاً بعضاً من مآسينا اللبنانية، تلك التي لم تستطع فضيلتك أن تخرج بعضاً منها، بسبب "المداراة" و"المراعاة"، ولم نستطع أن نطالبك بما لا طاقة لك فيه. 

فضيلة الشيخ، 
الحاضرون أمامك صنفان: محروم لا حول له ولا قوة، يكتفي بالاستماع الى سيرة عاشوراء، وتاريخ الظلم فيها، ليبكي تلك المأساة، وينصرف الى همه ومظلوميته في بلد يكرس سيرة الظلم اليومي بحق مواطنيه. 

أما الصنف الثاني، فهم المتخمون بالسلطة والنفوذ، الذين ينتمون الى الحسين "من زاوية بكائية"، وينتحبون واقعة الظلم معنا، وينصرفون بعدها الى الامعان بغيّهم. وأنت، لا حول لك ولا قوة على مواجهة مكتسباتهم من السلطة التي يطمحون لحمايتها، ويؤمنون استمراريتهم بافتعال الحزن سبيلاً لاعلان الانتماء لهذا الجيل من المسحوقين في البلاد. 

أعرف، يا فضيلة الشيخ، أي مأزق أنت فيه. فأنت تحتاج أيضاً لأن تجاري السلطة، منعاً لاقصائك عن منبرها، وليس منبر الحسين في هذا الوقت. 

أتفهّم موقفك الذي عبّرت عنه في وقت سابق بالقول انك لا تستطيع تجاوز "الانتظام العام"، بتحويل التذكير بسلوك الحسين الآيل للخروج على الحاكم الظالم، الى دعوة عملية للخروج على السلطة، حينما قارب انقطاع الكهرباء لثلاثة أيام عن عشرات القرى قبل سنوات، وقتل طفل أمام باب المستشفى لفقدانه ما يسمح له بتلقي العلاج، او انقاذه، استطراداً. 

ليس أمامك، يا فضيلة الخطيب، الا الاكثار من الدعاء. قل "اللهم اشفِ مرضانا"، وأكثر منها. ليس أمام رواد مجلسك إلا ترداد الدعاء، بالنظر الى ان فقدانهم القدرة على الخروج على السلطة، والمطالبة بتأمين العلاج لهؤلاء المحرومين. 

أكثر من دعائك "اللهم اوفِ دين كل مديون". لا سبيل لهؤلاء المديونين إلا الدعاء معك، بعد أن ارتهنوا للمدارس الخاصة التي يمتلكها نافذون في السلطة، وباتت خياراً الزامياً للبسطاء على ضوء تدهور التعليم الرسمي، بأمر من السلطة. 

قل: "اللهم اقضِ حوائجنا"، وسيردده الحاضرين من المحرومين بقلب صافٍ، طمعاً بأن يفتح أزلام السلطة ملفات الشكاوى أمام محاكمهم، عوضاً عن التذلل لدى الحاكم وأعوانه. 

اكثر من دعاء: "اللهم ردّ كل غائب". سيردده خلفك العجائز والاطفال بخشوع، أملاً بأن يعود والدهم أو ولدهم الى ديار الحرمان هذه، بسلام وطمأنينة لمستقبل البلاد. 

ليس امامك، يا خطيب المنبر، إلا الدعاء. شأنك شأن هؤلاء الذين يريدون من المناسبة، فرصة لرفع الظلم الجمعيّ، ويتأملون، عاماً بعد عام، بأن يتبدل سلوك النافذين القائم. 

لكن السلطة "مغرية"، يا فضيلة الشيخ، وسلوكها واحد، منذ الأزل الى "يوم يبعثون". كذلك البسطاء. وأنت، إن واظبت على البكاء، من غير قناعة بتحدي الحاكم، فإن مجلسك لن يغير حتى بشقيقين يواظبان على حضور مجلسك منذ 30 عاماً، في كرسيين متجاورين، وما زالا متخاصمين ويحجبان السلام عن بعضهما، منذ سنوات طوال. 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها