الخميس 2020/02/13

آخر تحديث: 18:17 (بيروت)

راديو جميل

الخميس 2020/02/13
راديو جميل
جميل حيدر يحمل الراديو منذ ستين عاماً (المدن)
increase حجم الخط decrease
(*) بين جميل أحمد حيدر، والراديو، شغف ممتد منذ أكثر من ستة عقود. أصبح المذياع الذي يتأبطه بيسراه، ويشده إلى اذنه للاستماع إلى خبر مهم، أو الاستمتاع بأغنية لفيروز أو صباح أو نصري شمس الدين أو فريد الأطرش، جزءاً لا يتجزأ من يوميات جميل، المجبولة بغضب دفين على الحياة.

لطالما كان جميل، بصير القلب والإحساس، رغم فقدانه بصره. كان يقطع اكثر من 400 متر من منزل جدّيه (حسين بحسون ومنيرة زيدان) في الطرف الشرقي للقرية، للاستماع الى كل جديد من العالم في منزل عائلة فلسطينية من آل أبو طوق سكنت منزلاً قرب مسجد بلدته "طيردبا"، وكانت تقتني مذياعاً أحضرته مع مفاتيح العودة من فلسطين.

يكتنز جميل، في ذاكرته، كمّاً هائلاً من قصص وحكايات أشخاص عايشهم جيلاً تلو الآخر. مضى منهم كثيرون إلى ربهم، وآخرون يحرص على بقاء جسور التواصل معهم، من الجنسين. فينبههم الى أعياد زواجهم، وولادات ابنائهم وحتى أحفادهم، ويضرب معهم مواعيد لسهرات الأنس وعصرونيات الشاي الأحب إلى قلبه.

في مطلع الستينات من القرن الماضي، ابتاع ستة من أبناء بلدته، يحفظ أسماءهم، راديوهات  كبيرة، ثمن كل منها 250 ليرة لبنانية، كانوا يدفعونها بالتقسيط وما زال واحد منها موجوداً في منزل أثري (المرحوم السيد أحمد رضا) اشتراه من المرحوم منيف مرعي حمادي.

ولأن الشيء بالشيء يذكر، فإن صوت مذياع حمادي، المصوبة إبرته على إذاعة "لندن"، كان يطن في أذن جميل الذي يبعد منزله عن منزل حمادي في حي الوعرة نحو 300 متر. فيتبع الصوت للوصول الى منزل صديقه متلمساً التراب بقدميه بخطوات تشبه سير السلاحف، يوم لم تكن السيارات والدراجات تعاكسه كما تفعل اليوم، وقبل أن تصدمه دراجة، منذ أكثر من عشر سنوات ليعزف منذ تلك الحادثة عن اصطحاب الراديو خارج المنزل كونه يشوش على حاسة سمعه.

حب جميل للراديو دفعه الى جمع 25 ليرة على مدى فترة طويلة، ليبتاع بها أول جهاز راديو من جاره المرحوم محمد فقيه، في منتصف ستينيات القرن الماضي. فواكب عبر هذا المذياع، وأجهزة راديو أخرى كان يشتريها أو يتلقاها هدايا، نكسة العام 1967 التي تؤرقه وكأنها حدثت اليوم، من دون أن يسجل غضباً على المذيع المصري الشهير أحمد سعيد الذي كان يذيع بصوته عبر "صوت العرب" بيانات الجيش المصري.

كثيرون من جيل جميل، ومنهم من ترك البلدة الى بيروت أو هاجر سعياً وراء لقمة العيش، ما زالوا يذكرون تلاوة الأخبار التي كان يحفظها جميل ويبثها ويرددها بصوت جهوري بين بيوت القرية التي كانت في بقعة محصورة جداً. وكان يتقصد إذاعة أخبار تزعج من لا يلتقي معهم في السياسة في ذلك الزمن. فيقول مثلاً إن "عطوفة" أحمد بيك فاز على "وحش" بعلبك صبري حمادي، وخسارة زعماء البص في انتخابات 1972.. في إشارة الى آل الخليل الذين كانوا يقطنون المنطقة. لكن أحداً لم يُعادِ الشاب جميل، على هذه الخلفية التي لم تخلُ من الدعابة.

لم يستسغ جميل الذي تخطى الثانية والسبعين، فكرة الزواج، رغم أنه اعتاد رؤية جمال النساء في نبرة الصوت ومصافحة اليدين. حتى الراديو الذي عشقه، بات مملاً، وما عاد الاستماع اليه حالياً سوى سبيله لتمرير الوقت. لكنه لا يغفل في الوقت عينه أن هذا الجهاز، خزّن في ذاكرته معلومات عن كل عواصم العالم ومساحات الدول وقدرات الجيوش واقتصادات العالم.

(*) كُتب هذا النص بمناسبة اليوم العالمي للإذاعة، والمحتفل به في 13 شباط/فبراير من كل عام، وهو التاريخ الذي اختير تزامناً مع ذكرى إطلاق إذاعة الأمم المتحدة العام 1946. 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها