الإثنين 2022/06/20

آخر تحديث: 13:32 (بيروت)

معضلتنا.. نحن والمنظمات الدولية

الإثنين 2022/06/20
معضلتنا.. نحن والمنظمات الدولية
هنا قُتل عامل فلسطيني برصاص القوات الإسرائيلية، أثناء محاولة عبوره حاجزاً أمنياً في قلقيلية بالضفة الغربية (غيتي)
increase حجم الخط decrease
"هي حقوق نتمتّع بها جميعنا لمجرّد أنّنا من البشر، ولا تمنحنا إيّاها أي دولة". تطالعك صفحة الأمم المتحدة بهذه الجملة، تحت خانة الإجابة عن سؤال "ما هي حقوق الإنسان؟"...

إجابة كاذبة... غالبًا، هذا ما سيتبادر إلى ذهنك. فعلى مدى عقود من تفاعلك مع قضاياك الإقليمية، رسخ في بالك عكس ذلك تمامًا. صرتَ تعلم أن ما قد يبدو بديهيًا في الشطر الأول من الإجابة، يُدحضُ بالكامل في شطرها الثاني. ليس صحيحًا أن هذه الحقوق لا تمنح من أي دولة. أنت تعلم أن جهةً واحدة تمنح أحقية الاعتراف لهذه المجموعة أو تلك، بحقوقها الإنسانية والسياسية. فلماذا تؤرقنا الأمم المتحدة بذلك؟ لماذا توهمنا أن السعي في هذا الطريق مُجدٍ؟

إذن، لا يعود مستقيماً القول بأننا جميعاً نتمتع بحقوق الإنسان لمجرد أننا من البشر. فما تعرفه من دون تنميقٍ أو تدليس، هو أن أي جماعة تصارع من أجل انتزاع حقوقها الإنسانية أو السياسية، لن تحظى بها أو لن تُدعمَ لتحصيلها، ما لم تكن دولة بعينها راغبة في ذلك لقضاء حاجة أو تحقيق غاية. ربما على الأمم المتحدة أن تعدِّل الإجابة، لتصبح مثلًا: "نحصل عليها ما لم تمانع الولايات المتحدة".

وهكذا، تبدو الأمم المتحدة مثل أمٍّ تخفي عن أطفالها قلةَ حيلتها، فتردُّ على طلبهم شراء لوح الشوكولا الفاخر، بالقول إن هذا الصنف لذيذٌ جدًا لكن تناول الشوكولا يضرُّ بصحة أسنانهم. تتسلح الأم بالكذبة البيضاء، والأطفال لا يصدقون، لكنهم يكتمون شكوكهم. نحن والأمم المتحدة، ومعنا منظمات حقوق الإنسان، لا نصدق ما تورده الهيئة الدولية في موقعها. نكتم أحيانًا، ونعترض أحيانًا أخرى على واقع أن الولايات المتحدة هي من يعطي صك حقوق الإنسان لهذا الشعب أو ذاك، لهذه الشريحة أو تلك، وفق مصلحتها المتغيرة حسب المستجدات، ووفق سياستها عمومًا. نفعل ذلك للتلهي أو لهضم المأساة.

أحيانًا، تندفع الأمم المتحدة إلى المحاولة رغم كل شيء. تصرُّ لجنة حقوق الإنسان التابعة لها على إصدار تقارير تدين إسرائيل، وهي تعلم أن تفعيل تقريرها أو توصياتها، واقعيًا، بلا أفق. فلا هواء خارج الفضاء الأميركي الإسرائيلي، والبريطاني، إذ تحافظ لندن على دورها التحاقًا بركب الحنين المتجه إلى الضفة الأخرى من الأطلسي. خلصت اللجنة في أحدث هذه التقارير، إلى أن "إنهاء الاحتلال الإسرائيلي المستمر، كما التمييز ضد الفلسطينيين، ضروريان لوضع حدّ للنزاع ووقف دوامة العنف المستمرة".  وهنا يأتي الرد من واشنطن مشابهًا إلى حد بعيد ما نسمعه من أي سلطة عربية تعليقًا على تقرير حقوقي دولي يطالبها بتحسين سجلها الحقوقي: الانحياز. فبقول الخارجية الأميركية إن التقرير لا يقلل من مخاوف واشنطن بشأن ما سمّته، بلا حياء، نهجًا منحازاً من جانب واحد، بدت وكأنها لجأت إلى خدمة كاتب البيان نفسه لدى السلطات المغربية مثلًا. إذ ردَّت الرباط على تقرير منظمة العفو الدولية، الصادر في وقت قريب، بشأن خمس ناشطات صحراويات بوصفه "انحيازًا سياسيًا صريحًا". وهذا البيان يشبه بيانات كثيرة صدرت في وجه المنظمات الحقوقية، من مصر ولبنان ودول عربية أخرى، يجد المواطن نفسه فيها، مستهتَراً به في أحسن حال، ومسحوقاً بأكثر من حال.

الكل يراشق حقوق الإنسان، ويرمي اللعنة على المنظمات الناشطة في مجالها. وهذا الكل أيضًا، يهلل لها متى لاءمته ويستند إلى تقاريرها لإثبات "حق".

لكننا لسنا وحدنا أمام هذه المعضلة. لسنا وحدنا من يعاني ازدواجية احتضان تقارير حقوق الإنسان. المنظمات الدولية أيضًا. الفارق أننا تعايشنا مع الحال. نعرف أن السلطات تحب منظمة العفو الدولية "آمنستي"، حينما تدين نظام الآبارتهايد الذي تنتهجه إسرائيل، وتصمُّ آذانها عن المطالبات بمنح الفلسطينيين حقوقهم على أراضيها. تذوب وداعةً في موضوعية ومشروعية ما تستند إليه التقارير الدولية لنجدة مضطهد في أصقاع الأرض كافة، لكن ولهَها يستعيد رشده حينما يكون الحديث عمن تبقيهم، هذه السلطات نفسها، في السجون، من دون تهمة وازنة ولا محاكمة عادلة.

المنظمات الحقوقية مسكينة، أصابها مسٌّ من جنون. لم تَعقَل بعد. لا تعرف كيف تدفع عن نفسها تهمة الانحياز، ولا كيف تنقل توصياتها ومطالباتها إلى حيز التنفيذ. لم تحترف السياسة بعد، لتواجه الازدواجية. المنظمات الحقوقية والتعفف السياسي، معضلة أخرى.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها