السبت 2022/01/08

آخر تحديث: 12:33 (بيروت)

"المناهبة".. الجذر الأعظم للفساد اللبناني

السبت 2022/01/08
"المناهبة".. الجذر الأعظم للفساد اللبناني
increase حجم الخط decrease
ينبغي الحذرُ ممّن يقدّمون الفسادَ اللبنانيَّ على أنّه عِلّةُ النكبةِ الجاريةِ وعلى أنّهُ أيضاً عِلّةٌ لنفسِهِ يكفي لعلاجِها عزلُ الفاسدينَ وإحلالُ آخَرينَ في مواقِعِهم: آخَرينَ يعرضون أنفسَهُم على أنّهم خلاصةُ الفضيلةِ ولُبابُ النَزاهةِ وقد يكونون هم أنفُسُهم من يُسَوِّقون هذا التشخيصَ البائسَ لمحنةِ البلاد.

والحالُ أنّ وضعَ ذوي الاستقامةِ (وإن كانوا مستحِقّينَ هذه الصفةَ) في مواضِعِ أهلِ الفَسادِ، من غيرِ مساسٍ بالشروطِ المؤسّسيّةِ لترعرُعِ الفسادِ وازدهارِه، لا يعدو أن يكون مدخلاً إلى الإفسادِ المُرَجَّحِ لغيرِ الفاسدين.

والحالُ أيضاً أنّ أنواعَ الفسادِ وأحجامَهُ شهدَت تقلّباً في مدى تاريخنا المعاصِرِ ولكن ظلّت حمايةُ القوى الطائفيّةِ المتقابلةِ لأهلِ الفسادِ فيها، وذلك لِقاءَ ضُروبِ امتِيازٍ أو انتفاعٍ يخُصّها بِهِ هؤلاءِ، هي  الجذرَ المستدامَ لنُمُوِّ الفسادِ وازدِهاره. 

الحالُ أيضاً أنّ الفسادَ، بمعناهُ الشائعِ، أي اتّخاذَ السلطةِ أو الصلاحيّةِ العامّةِ وسيلةً للانتفاعِ الخاصِّ، قد صحِبَ مسارَ الدولةِ اللبنانيّةِ كلَّهُ ولَم يفضِ إلى حالاتٍ تقاسُ بالمحنةِ الحاليّة. وإنّما ينبغي البحثُ عن الجذرِ الأعظمِ لهذه المحنةِ في ما دعوناهُ "المناهبةَ"، وهذه تشتملُ على الفسادِ التقليديّ ولكن تفيضُ عنه من كلِّ جانب. فإنّ أصلَها وجودُ قوى طائفيّةٍ، أنشأت الحربُ أهَمّها، يتعَذّرُ الاستغناءُ عن أيٍّ منها في الحُكْمِ تحتَ طائلةِ الإخلالِ بالمبدإ الطائفيّ وشلِّ يدِ السلطة. وهو ما منحَ كلّاً من هذه القوى (ومَنَحَها مجتمعةً) قدرةً لا تُرَدُّ على التباري في الإنفاقِ العامِّ، معوّلةً فيه على الاستدانةِ المفرطةِ أوّلاً ومستمدّةً منه ريوعاً متنوّعةً تعزّزُ بها ركائزَ نفوذِها من غيرِ استبعادٍ لمراكمةِ الثرواتِ العائليّة.

فإذا وُجِدَ من لا يُريدُ الإقرارَ بتأصُّلِ النكبةِ الجاريةِ في الطورِ الذي بلغَهُ النظامُ الطائفيُّ غداةَ الحربِ وينحو إلى اختصارِ الوضعِ القائمِ بالصِراعِ بين الرذيلةِ والفضيلةِ، وذلك، مَثَلاً، بحُجّةِ أنّ الظرفَ العامّ لا يسمَحُ بالتَعَرُّضِ للنظامِ الطائفيِّ، فليكُن معلوماً أنّ هذا النوعَ من الكلامِ هُراءٌ وحديثُ خُرافةٍ وأنّهُ لا طائلَ تحتَهُ إِلّا أن يستأنفَ حَمَلَتُهُ، وهم مدرّعونَ بدعوى الفضيلةِ، سيرةَ فسادٍ لا يُبقي ولا يَذَر...

(*) مدونة نشرها الباحث أحمد بيضون في صفحته الفايسبوكية.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها