الثلاثاء 2019/12/31

آخر تحديث: 16:04 (بيروت)

بابا نويل: هذا كل ما أريده منك هذا العام

الثلاثاء 2019/12/31
بابا نويل: هذا كل ما أريده منك هذا العام
increase حجم الخط decrease

في نهاية كل عام نتذكّر المحبّة. نضع شجرة خضراء في زاوية البيت.. ونأمل ألّا ينسانا بابا نويل هذا العام.

لقد كنت ولداً لطيفاً. أشذّب شجرة البيت وأنام باكراً. كنت أنتظر نهاية العام كي أكتب له لائحة طويلة بما لم يستطع والديّ تأمينه لي. أحدهم ضحك عليّ حينما أخبرته أنّ بابا نويل يعيش في فرنسا.. كنت لا أعرف شيئاً.. وجدت في تلك الكذبة التي قصّوها عليّ، حقيقة السعادة المطلقة. كان ذلك كذباً محسوساً كما يسمّيه كونديرا، أمّا الحقيقة المطلقة وراء كلّ شيء، فقد كانت الفقر. 

كنا أطفالاً لطفاء.. ولم ينظر الينا أحد.. كنا نريد أن نمتلك العالم، لكنّنا كنّا فقراء.. والسماء كانت شاقة وعالية.. حين استعصى على والديّ تأمين الطلبات، ارتدت ابنة عمّي التي تحبّنا زي بابا نويل وابتاعت لنا بعض الأشياء. لكن سرعان ما فقد كل ذلك بريقه. فهمت أنّ ابنة عمّي ليس بابا نويل ولا حتّى زوجته. كانت الحقيقة أقسى مما يمكننا احتماله.

البارحة رأيت مشهداً لرجل غاضب يحمل فأساً داخل احد المصارف. جلّ ما يريده فقط ان يحصل على أمواله. كان المشهد غير بعيد عنّي.. فقد تذكّرت آخر مرة طلبت فيها لعبة في عيد الميلاد. حينها كان بابا نويل لا يزال يحبّنا أنا واخوتي. حينها في احدى الّليالي طلبت منه فأساً كبيراً ودرعاً. استيقظت باكرا قرب والديّ وكان الفأس مستلقياً الى جانبي، كانت سعادتي عارمة حينذاك. لوّحت بالفأس وكأنّني الحسين. ضربتُ به كلّ شيء حتّى اخوتي. بعدها مرّت السنوات وانكسر الفأس وما عاد بابا نويل يزورنا. شعرت بذنب كبير، ظننت أنّني لم أكن ولداً طيّباً بما فيه الكفاية كي يزورني، ما كان يجدر بي ضرب اخوتي. 

لاحقا قالوا لي أنّ بابا نويل لا يزور الفقراء.. لكنّي لم أتوقف عن تشذيب شجرتنا.. لم أتوقف عن الإنتظار.. لأنّي وفي خضم كلّ هذا الإنهيار، أعلم أنّ الأغنياء هم من سرقوا هداياي.. وفي هذا الميلاد المجيد، سأستردّها.

الرجل الذي يحمل فأسه لم يكن أنا، وانّما كان شخصاً غاضباً مثلي: يريد هداياه لهذا العام.. استيقظ باكرا فوجد فأسه الى جانبه.. حمله مثل الحسين وتوجّه به ليضرب كل من كانوا سبباً في تعاستنا جميعاً. أولئك الذين يحتجزون بابا نويل وأموالنا..الذين يقدمون صناديق محشوة بمعلّبات الفول والأرزّ للفقراء سيقولون: هكذا نرفع الذنب عن أنفسنا. وحينما أقاموا في ساحة الشهداء عشاء فخماً للفقراء، تذكّرت ملصقاً لستالين يضعه سلافوي جيجيك في غرفته مصحوباً بشعار "مرحبا بالرفاهيّة". هؤلاء الديكتاتوريّون يريدون تعليب السعادة ومن ثم اعطائنا ايّاها على شكل "إعاشة"..ونحن بالمقابل علينا أن نشكرهم على خيرهم هذا.

يقول جيجيك: السعادة ما هي الّا نفاق، أي أن نحلم بما لا نريد. في المصارف باتوا يخفّضون سقف الحلم، يعطوننا أقلّ مما نطلب (النكهة والجودة والرفاهيّة) ويتوقّعون منّا أن نكون سعداء.. بعضنا شكرهم بالفعل، وبعضنا حمل فأسه في وجه نفاقهم التام. 

في وجه حيتان المال هؤلاء علينا أن نطلب ما لا نحلم به.. نريد الحريّة الكاملة. تلك الحريّة التي لا تحكمنا فيها سياسات مصرفيّة متكبّرة. التي تحرّر بابا نويل من سلطة الصراع الطبقي وتعيده الينا. أريد في هذا العام ألا أدفع فلساً واحداً مقابل أدوية الإنفلونزا..الإنفلونزا التي تحوم حولنا جميعاً، التي تسبب الأمراض والسرطانات والموت.

أريد أن أستيقظ في يوم يكون كل الفقراء مجتمعين فيه على أبواب المصارف ويضربونها بالفؤوس، لأنهم تعلّموا في قراهم كيف يقطعون الأشجار، أمّا الأغنياء فيكونون قد تحوّلوا الى حطب رفيعِ نتدفأ عليه في الشتاء.
عزيزي بابا نويل، هذا كل ما أريده منك هذا العام.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها