الأربعاء 2022/03/09

آخر تحديث: 15:09 (بيروت)

عن هراء "الأم والأخت والشريكة"

الأربعاء 2022/03/09
عن هراء "الأم والأخت والشريكة"
الوزيرة السابقة ندى بستاني.. ضمن هاشتاغ #مشاركتك_نصف_القرار
increase حجم الخط decrease
"طبعاً كلنا عارفين أن المرأة مش محتاجة يوم عالمي.. وكل اللي محتاجاه تسيبوها في حالها"، هي تغريدة مصرية ساخرة في "تويتر"، لكنها خُلاصة ما إزدحمت به منصات التواصل الإجتماعي خلال اليومين الماضيين. فحين قرروا التحدث عن المرأة في يومها العالمي، تناسوا حقوقها المسلوبة، والتمييز الجندري المكرس في القوانين، وتناسوا بأنها تُنازع يومياً سلطة أبّوية ذكورية، وسلطة عادات وتقاليد بالية، وسلطة أرباب عمل..

فمن تصفح وسم يوم المرأة العالمي، أمس، خيّل إليه بأنه يقرأ مسّرحية فكاهية، تبدأ من الإستهزاء والنكات، عن الحالة النفسية التي تُصاحب النساء قبيل الدورة الشهرية، ولا تنتهي بـ"الدعاية المعممة عن المشاكل بين الشريكين بأنها بسبب الهرمونات". فيما المُضحك أكثر هو كمية "القصائد" التي خُصصت للمرأة في يومها "أنتِ السند، والقوة، والأخت، والأم، والشريكة، والتي جُمعت فيها صفات الأنوثة"، كمجرد تعداد للوظائف الاجتماعية التي تشغلها المرأة بُحكم الجنس والتنظيم الأسري، والتي يمكن أن يقابلها فيها الرجل "كأخ وأب وشريك.."، من دون التفاتة إلى قضاياها الفعلية، إضافة إلى تلك التي خُصصت للنصائح الفوقية: "كوني قدوة، كوني قوية.."، مع تشديد بطريركي على وجوب الالتزام "بالنعومة" وعدم التحول إلى "قذيفة ترميها فاشلات"!


لكن، وقبل جعل حيوات النساء وأوجاعهن البيولوجية والنفسية، نُكاتاً، وقبل أن تصفّح الأشعار وباقات الورود الإفتراضية، هل مَن يجيب على أسئلتهن المتوالية على امتداد 365 يوماً؟ ماذا قدّمت المجتمعات العربية، والمجتمع اللبناني على الأخص، للنساء، من فلاحات الأرض إلى الأمّ المدرسة وربّات المنازل، إلى العاملات المسلوبة حقوقهن، والمناضلات بإسم مئات النساء اللواتي قررنّ خوض معاركهنّ بالسكوت والدموع؟


أما المهزلة الحقيقة فهي الصفحات الإفتراضية للأحزاب اللبنانية، والتي غصت صفحاتها الرسمية بكلمات تعظّم دور المرأة. فماذا شرّع الساسة للمرأة من حقوق؟ وأين قانون الحماية من القتل والتحرش والإغتصاب؟ وإن وُجد بعضها، فأين تطبيقها، مع متحرش مثل مروان حبيب لم ينل جزاءه إلا حينما انتقل إلى الولايات المتحدة؟ أنتم الخائفين المهجوسين بالديموغرافيا الطائفية، ما زلتم تحجبون حق المرأة المتزوجة من عربي أو أجنبي في منح جنسيتها لأولادها، وهو الحق الذي سبقتنا إليه دول الجوار العربي، قبل أن نقول الغرب. ثم، أين النساء، سوى القليلات، في كتلكم النيابية والوزارية؟... ولم نتحدث بعد عن الكفاءة والاستحقاق، خارج الولاء الحزبي، اللذين لا تعرفهما معاييركم لاختيار الرجال والنساء معاً.


أما "حُماة الديار"، القوى الأمنية، فهم أيضاً لم ينسوا المرأة في يومها، بل غردوا وأطلقوا الهاشتاغات المعسولة. فهل نجحتم يوماً في إنقاذ امرأة من القتل والعنف على يد زوجها؟ متى تبدأ معاقبة العناصر المتعاملين بفوقية واستخفاف مع النساء في المخافر؟ وإلى المحاكم والمرجعيات الروحية والشرعية... أي معايدة تقدمونها اليوم وفي رقابكم أطفال منفصلون عن أمهاتهم الأجدر بحضانتهم بعد الطلاق؟


وسط كل هذا "التقيؤ" من السُخرية والهذر، وأيضاً من استسهال الإشارة إلى المرأة كموظفة وعسكرية ورياضية وموسيقية (وكأن هذا إعجاز يجب الاحتفاء به!) انبرى ناشطون وناشطات للحديث الفعلي عن المرأة، وللرد على السخرية التي عصفت بالمواقع الزرقاء. فعلاً، إتركوا النساء وشأنهن، إن لم يكن لديكم ما تقولونه فعلاً، ما تعترفون به من معاناة، وما تقدمونه، وما تناصرون به، إتركوا الحديث عن قضاياهن، وّفروا نصائحكم، ونماذجكم المُصطنعة للنسّاء، عن أدوارهن وأسلوب حياتهنّ ومواقفهن. فكما قال واسيني الأعرج: "إنزع فقط ظلّك الثقيل الذي يحجّبها، وسترى إمرأة أخرى، أجمل، وأعظم، وأنبل".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها