الجمعة 2022/11/25

آخر تحديث: 11:16 (بيروت)

التسوق.. مفترق الخيارات الصعبة

الجمعة 2022/11/25
التسوق.. مفترق الخيارات الصعبة
"تسوق الواجهات" - جودي ريو
increase حجم الخط decrease
أنهيت علاقتي بعادة الذهاب إلى المحال للتسوق، منذ أكثر من عشر سنوات. لم أكن يومًا من محبيه، لم أفهم يومًا ماذا يعني بالنسبة للفتيات الضَّجِرات على نحو خاص، الذهاب إلى "السوق" لكسر الرتابة وقتل الملل.

لطالما رسخ في بالي، منذ سن يافعة، أن الذهاب إلى السوق من دون القدرة على الشراء هو ضرب من ضروب تعذيب الذات، صنف من المازوشية، على أبناء وبنات الطبقة المتوسطة وما دونها، تجنبها قطعًا.

أكثر ما كان يصيبني بحيرة غير المكترث، هو التجول في السوق القريب من منزل صديقتي، وكنا في سنوات المرحلة المتوسطة في المدرسة. تأخذني صديقتي التي رسمت خطوط المراهقة بشكل مختلف عني، للسير في شوارع رُصَّت فيها المحال جنبًا إلى جنب. تصحبني معها كي لا تتجول بمفردها، وكي لا تبدو ابتسامتها علامة خبل غير مبرر لو صادفت الشاب الذي صبَّت عليه شغفها آنذاك.

كنت المَحرَم الملول. أهتم لاهتمامها، وأفرح لفرحها، وتصيبني عدوى حماستها حينما تشد على يدي لتضبط انفعالها عند رؤيته. وأفرح أيضًا لأنها تقدم لي حصرية المتابعة، متعة مشاهدة فيلم رومانسي، من قلب الشاشة، من وراء العدسة وبين الممثلين. تمنحني عجيبة السير في خيال المتحابين... لكن حبذا لو شاءت الصدف جعل اللقاء محتملًا في مكان آخر غير السوق.

لو تُركت لمزاجي، لما ذهبت إلا مضطرة. اعتمدت سلوكًا محددًا في التسوق. أذهب فقط لشراء ما أحتاجه فعلًا لمناسبة بعينها، أو ببساطة لو حلَّ الموسم وينقصني بعض الأساسيات من ملابس لم تعد مناسبة، سواء اهترأت أو لم تعد تلائم مقاسي. غالبًا اهترأت... فالاحتمال الأخير انتفى منذ أن توقفت عن النمو طولًا وثبت وزني تقريبًا. تدخل اعتبارات أخرى في اعتماد ما هو صالح وما هو غير ذلك. قد أبقي على كنزة أو قميص نوم لأكثر من عشر سنوات في حالة نشطة، وقد أضع لباسًا آخر في حالة سبات لا قيامة منه إلى حينٍ أقرر منحه حياة أخرى مع صاحب النصيب.

والحالة النشطة حسب تعريفي، هي المواظبة، بحُبّ، على ارتداء هذا الثوب أو تلك الكنزة في سياق دورة الأيام العادية. والاعتبارات تقنية، جودتها ومدى لياقتها، وأيضًا نفسية، فلنقل فقط، إنها كسبت موقعًا في قلبي.

لذا، ذهابي إلى السوق قليل، وجولاتي في السوق خاطفة، وعليه يصبح التخطيط لذلك، أمر أساس. أُغيرُ على محل واحد انتُقي مسبقًا بعد سؤال واستفسار عن المكان الأفضل الذي يمكن أن أجد فيه ما أبحث عنه. متى دخلت إلى المحل لا أضيع وقتًا. أذهب مباشرة إلى القسم المخصص لعرض ما أريد. ولو صودف أني مدفوعة إلى القيام بجولة على الرفوف، أفعل ذلك بعين راصدة وجاهزة لاقتناص الغرض. طير جارح يريد التقاط الفريسة والتحليق مجدًدا إلى العالي البعيد، لا يطاله هناك أحد، ولا يزعجه ضجيج الشارة وابتهاج إشباع رغبات الاقتناء.

لكن حتى هذا السلوك المُعتمِد على الاقتناص، لم يعد ممكنًا، أو أني قدرت أنه أصبح مرهقًا مع تغير الظروف. وجدتني منذ أكثر من عشر سنوات، أنتهز فرصة التسوق "أونلاين"... كم بدت لي تجربة مريحة إلى أبعد حدود، إذ تعفيني من ضجيج المتاجر الكبرى، والاضطرار لمحادثة الباعة في المحال الصغيرة. لا أحتاج للانتظار، ولا للتعارك مع نفسي داخل مقصورة القياس... وتمنحني فرصة البحث عما أريد في الخانة المخصصة لذلك، إما أن أجد ما أريد أو لا. سلاسة تستحق التبجيل، لا يتعب نظري من رؤية ما لا أحتاجه، ولا أجدني مضطرة للتفكير في شراء ما لا طائل منه. وتتيح لي من خلال حركات بهلوانية على عقارب الساعة، الاحتفاظ بدقائقي الثمينة في كيس من قماش... أكمش منها ما يمنحني وقتًا لقضاء راحة مستحقة، أو حتى للقيام بلا شيء إن كان ذلك ممكنًا، لوقوف بلا هدف يسرقني في المطبخ، دقائق قليلة لشرود مطلوب...

لكن عطايا التسوق الافتراضي، منحتني فرصة لم أكن لأجرؤ على انتهازها سابقًا... أن أطيل التفكير مُدقّقة في الغرض الذي أنوي شراءه، وأن أقلب كل أفكاري بشأنه في رأسي إلى أن أستقر على اعتباره الأنسب والأفضل، وأن حاجتي له حقيقية، وأنه ضروري ولازم ومفيد وسعره لن يخرم الجيب. كيف كان لي فعل ذلك في المحل وأنا تحت المرصاد؟ عيون الباعة مواربة، لكنها في الحقيقة شاخصة تنتظر رصد تلكؤي لتهجم عليّ بعروض المساعدة وفرض أذواقها وخياراتها. مستحيل!

لكن هنا، في "مولات الأونلاين"، لي كل الوقت لتقليب الخيارات في رأسي، لأنقر وأقول: مستعدة لتحمل النتيجة. حتى لو كان ذلك من باب الكذب. قد لا أكون مستعدة لتحمل النتيجة لكني جهزت نفسي للأسوأ، قمت بالتمرينات الذهنية المناسبة وخضت في تمثيل السيناريوهات المفترضة في رأسي، وأصبحت واثقة من أنه لو حلت المصيبة، لدي ما يلزم من رد فعل من نوع الطبيعة الثانية للتعامل معها.

غير أن الأقدار شاءت أن ترميني مجددًا لمواجهة مصيرية. ذهبت إلى أحد المحال مضطرة. وقبلت على مضض إهدار ساعتين على الأقل، واسيتُ نفسي قائلة، سأذهب وأعود سيرًا، وهذا جيد. دخلت المتجر متوجسة، لكن الحظ أسعفني أن المعاطف معروضة بالقرب من المدخل والمرآة إلى جانبها مباشرة. يا لحظّي الجميل، ضحكت بصوت مسموع، لا حاجة للذهاب إلى غرفة القياس! أرتديه فاحصة في المرآة... طوله، مناسب، الأكتاف، الأكمام، علامات الصح في كل مكان، جيد ممتاز!

كشفتني فرحتي... توجهت صوبي السيدة العاملة في المحل قائلة: جميل جدًا، وقد يناسبك هذا اللون أيضًا، مشيرة إلى معطف آخر في يدها... ابتسمت، استدرت ورحت متجولة بين المعاطف المعروضة كلها...

لم تتركني وشأني قالت لي، أنت مترددة.
رميت خجلي جانبًا وأجبتها بشيء من التحدي، كيف عرفت؟ هل أنت مترددة؟
ردّت بصوت قاطع: لا أريد أن أكون كذلك بعد الآن. اشتريت قبل قليل مرتبة للسرير في غضون خمس دقائق فقط، هكذا ببساطة، وانتهيت.
دهشت قائلة: ممتاز! لو كنت تحسنين الخيار وبسرعة أيضًا...
فردّت بارتباك: الآن، أنا نادمة...

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها