الأربعاء 2019/11/20

آخر تحديث: 16:34 (بيروت)

كيف نربي أطفالنا على إيقاع الثورة؟

الأربعاء 2019/11/20
كيف نربي أطفالنا على إيقاع الثورة؟
أمام مدخل الجامعة الأميركية في بيروت (عباس سلمان)
increase حجم الخط decrease
احتفلتُ بعيد ميلاد ابنتي، الخامس عشر، في خيمة الثورة. طلبتُ من أصدقائي أن يأتوا إلى الخيمة لكي يبرهنوا لعائلتي أنني أعمل فعلاً، وأن غيابي ليس إهمالًا. أتت الرفيقات محملات بميغافون وهتافات ربطت بين عيد ميلاد ابنتي وبين الأوضاع الثورية في البلد. بكينا، أبوها وأنا، نحن وننظر إليها بقلق على ما يحمل المستقبل لنا جميعاً من مفاجآت.

يقولون أن الشخصي سياسي، وأن الثورة تبدأ في البيت. أي ثورة لا تضع على رأس أولوياتها إعادة تنظيم علاقتنا بأطفالنا ستبقى ثورة ناقصة.

ليس هناما هو أقوى من الضنى لكي يتحول الزمن إلى مادة ملموسة نختبرها كلما نظرنا إلى أولادنا يكبرون.

في الثورة، ينفصل الزمن عن مساره ولم تعد تستوعبه الساعات أو الروزنامات.
أما الأطفال، فيكبرون على إيقاع لا يأبه بالثورة أو زمنها.
هذا الإيقاع لا يأبه بالثورة، لكن فحواه خاضع لها ومآلاته تتشكل على إيقاعها.

منذ يومين وصلتني رسالة من ابنتي، عبر "واتسآب"، تطلب مني إذناً للتظاهر أمام وزارة التربية. بكيتُ فرحاً ممزوجاً بغضب. ها هي وآلاف التلاميذ غيرها يغيرون الإيقاع المحدد لهم من قبل الراشدين ويطالبون بالانخراط في الثورة.

هذه هي معضلتنا الكبيرة، نحن الأمهات الثائرات: نرغب في الثورة وزمنها المنشق عن ديمومة التاريخ، لكننا ننظر إلى أطفالنا ونخاف من تأثير الزمن الثوري في مسارهم في الحياة. فحتى إن لم يكن الأهل من الثوار، ينفلت زمن الطفولة من سلطة الأهل وينضوي تحت عبثية الزمن الثوري ومفاجآته اليومية.

فننظر، نحن الثائرات، إلى الثورة من خلال أطفالنا. نجدها لعنة لا بد من خوضها لأننا نحبهم ونريد لهم مستقبلاً أفضل مما كُتب لنا. نفتخر بهم ونشكرهم لأنهم أرجعوا الروح إلى الثورة، لكننا نغار عليهم من الثورة الغول، الملتهمة للوقت، والتي تعطي القليل القليل في المقابل. لعنة غول الوقت نفسها، ما يجعلنا نحتفل بهم بيننا في الشارع، لعنة كان لا بد منها إذا كنا جديين في مغامرة التغيير هذه.

منذ أن بدأ الحراك تشقلب وضع البيت. أكاد لا أرى ولديّ حتى عندما أتواجد في المنزل.
لا أراهما، فلا أنا ولا هما خاضعون للأوقات المتفق عليها بيننا سابقاً. قد أنام متأخرة من القلق، ولا استيقظ إلا متأخرة. أو أرجع إلى البيت منهكة، فأنام قبل أن أتأكد من أنهما غسلا أسنانهما وناما. قبل أن أترك البيت صباحًا، أعطيهما وظائف مدرسية وأعيّن لهما أعمالاً منزلية. أرجع إلى البيت لأكتشف، من دون مفاجأة، أنهما بالكاد نفّذا ما طلبته منهما. أصحبهما معي مجبرَين إلى الشارع، فيتذمران من كثرة البشر ويرتابان في وضع استثنائي لا يفهمانه. يخافان عليّ كلما سمعا الكبار يتحدثون عن عنف الشارع والقلق العام. يطلبان مني أن أعدهما بأني سأرجع "صاغ" إلى البيت، ويرتعبان من طول غيابي عنهما. أقول لهما غداً ستفتح المدرسة، فيضبطان الساعة، وإذ بهما يستيقظان ليكتشفا أن اليوم أيضاً إضراب.

علّمتني الثورة بأن المسؤول عن لعنتنا هي السلطة، وفشلها الذريع في صناعة سياسة عادلة، لكن يظل السؤال عالقاً: كيف نربي أطفالنا على إيقاع الثورة؟ التلاميذ أجابوا في الشارع. فرض التلاميذ أنفسهم علينا، وطالبوا بحقهم في الوجود في بلد لا يحسب لهم حساباً أصلاً.

التلاميذ وضعوا السؤال عن المدرسة في قلب الثورة، حيث يجب أن يكون، وسبقوا أساتذتهم في جعل المدرسة جزءاً لا يتجزأ من نظام لا بد من تغييره.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها