الثلاثاء 2025/06/10

آخر تحديث: 14:14 (بيروت)

سلام: نُعِدّ إصلاحات وجودية لبناء لبنان الثالث

الثلاثاء 2025/06/10
سلام: نُعِدّ إصلاحات وجودية لبناء لبنان الثالث
سلام: أي مجتمع لا يمكنه الاستمرار بالاعتماد على عمل الأفراد لتعويض الفشل المؤسساتي للدولة (مصطفى جمال الدين)
increase حجم الخط decrease
يشهد لبنان تحديات اقتصادية وسياسية واجتماعية هائلة، فاقمتها نتائج الحرب الإسرائيلية الأخيرة. ولم يعد البلد قادراً على الاستمرار على ما عليه وسط هذه الضغوط، وأصبح من الضروري معالجة هذا الوضع والخروج من الأزمة وإعادة بناء ما تهدّم على المستويات كافة. وفي هذا السياق، عُقِدَ في بيروت، مؤتمر "إعادة بناء لبنان: إطار الاستثمار وفرص الأعمال وحلّ النزاعات"، برعاية رئيس الحكومة نواف سلام الذي أكّد على أنّنا "في لحظة محورية في تاريخ البلد. ولبنان يواجه تحديات سياسية واجتماعية وسياسية، وقد أرهقتنا سنوات من الفساد". إلاّ أنّ مسار التعافي وإعادة البناء قد انطلق، ولبنان "بحاجة إلى العدالة والإصلاح والحوكمة الرشيدة". وفي كلمته، أشار سلام إلى أنّ "هذا المؤتمر دليل على نهوض بيروت المستمر، ونهوض لبنان كمركز يُرسَم فيه المستقبل".

الانطلاق من الواقع
ولإعادة البناء على أسس صحيحة، لا بدّ من إجراء توصيف دقيق للواقع. وعليه، عَرَضَ سلام لما يمرّ به لبنان، قائلاً إنّ هناك "انهياراً شبه تام للقطاعين المالي والمصرفي، وتمّ فرض قيود صارمة على السحب والتحويل. وهناك أزمة غير مسبوقة نتيجة سوء السياسات النقدية". وأضاف أنّ "الليرة خسرت 89 بالمئة من قيمتها، وتراجعَ الإنتاج المحلّي بأكثر من 60 بالمئة". ولذلك، "تفشّت البطالة واليأس، وتمّ استنزاف الرأسمال البشري، ودفع الشباب إلى الهجرة بحثاً عن الاستقرار والفرص". وكشف سلام أنّه "حتى شهر آب 2020، بلغ الفشل المؤسساتي ذروته، وحصل تفجير مرفأ بيروت". وأخيراً "أتت الحرب الإسرائيلية لتفاقم الأوضاع الاقتصادية والانسانية وتحدث أضراراً في البنية التحتية. ويقدّر البنك الدولي كلفة إعادة الإعمار بأكثر من 11 مليار دولار".

خطة النهوض
وإذا كان بعض الأفراد قد وجدوا آلية للتأقلم أو الخروج من الأزمة، إلاّ أنّ "إعادة بناء الدولة لا يمكن أن يقوم فقط على صمود الأفراد". وبحسب سلام "لا يمكن لصمود الأفراد أن يحلّ محل مسؤوليات الدولة. وأي مجتمع لا يمكنه الاستمرار بالاعتماد على عمل الأفراد لتعويض الفشل المؤسساتي للدولة".

ولذلك، أكّد سلام أنّ "الحكومة تعمل على وضع رؤيتها للنسخة الثالثة من لبنان. فالنسخة الأولى كانت مرحلة الاستقال، والنسخة الثانية بعد الحرب الاهلية، والتحوّل الآن في بدايته نحو لبنان الثالث". ومن المهام الأساسية للحكومة هي "استعادة سيادة الدولة على كامل أراضيها، وإطلاق الإصلاحات الضرورية".
وفي استعادة السيادة والأمن والاستقرار، أشار سلام إلى أنّ "البيان الوزاري نصّ بشكل واضح على أنّ الدولة هي الجهة الوحيدة المخوّلة حمل السلاح، ووحدها تملك خيارات الحرب والسلم". وأضاف أنّ لبنان "ملتزم بتنفيذ القرارات الدولية وتطبيق اتفاق وقف إطلاق النار".
وعلى المستوى الأمني، تطرّق سلام إلى "تعزيز الإجراءات الامنية في المطار، ومكافحة التهريب واعتقال المعتدين على اليونيفل". وبالتنسيق مع السلطات السورية "أقمنا لجاناً مشتركة لمكافحة التهريب وترسيم الحدود. ونعمل على ضمان العودة الآمنة للنازحين". وأيضاً، قال سلام "نبذل جهوداً دبلوماسية لضمان وقف الاعتداءات الإسرائيلية وتحقيق الانسحاب من لبنان، بما في ذلك الانسحاب من المواقع الخمسة التي تحتلّها إسرائيل".
وشدّد سلام على أنّ "استعادة السيادة الكاملة هو أمر جوهري لأنها تضمن أن يعيش كل لبنان بأمان تحت سلطة واحدة وثقة كاملة بالدولة. كما أنّها أساسية لاستعادة ثقة المجتمع الدولي وتشجيع المستثمرين والزوّار على العودة. فلبنان المستقر والآمن شرط أساسي لجذب الاستثمارات والفرص".

المزيد من الإصلاحات
ولتعزيز سبل الخروج من الأزمة، أشار سلام إلى أهمية ضمان استقلالية القضاء. وفي السياق، تطرّق سلام إلى "إقرار الحكومة مشروع قانون استقلالية القضاء الذي يساهم في خلق مناخ ملائم للاستثمار". ورأى  أنّ "استقلال القضاء ركيزة أساسية لمكافحة الفساد، وسبيلاً لجعل بيروت مركزاً للتحكيم الدولي". على أنّ هذا التحكيم وإن كان "إجراءً خاصاً يعتمد على إرادة الأطراف المتنازعة، إلاّ أنّه لا يمكن أن يكون فعّالاً إلاّ بقدر ما يكون النظام القانوني قوياً في البلد".

فبرأي سلام "يختار الأطراف بلد التحكيم لأنهم يتطلّعون إلى منتدى عادل ومحايد ومستقل. لذلك، نسعى لأن تكون بيروت مركزاً للتحكيم، ولأن نعيد تعريف لبنان من بلد تنشأ فيه النزاعات إلى بلد تُحَل فيه النزاعات سلمياً".
كما تطرّق سلام إلى "إعادة هيكلة المصارف واستعادة الودائع والعمل على قانون عادل لتوزيع الخسائر وتحقيق العدالة للمودعين والحدّ من الاقتصاد النقدي وإعادة دمج لبنان بالنظام المصرفي العالمي"، وهذا الأمر يحتاج إلى إصلاحات بنيوية "تنبع من مصلحتنا بإرساء الاستقرار بالعدالة والمجتمع وتمهّد الطريق للتفاوض مع صندوق النقد الدولي والاتفاق الشامل معه".
وحظيت الخدمات العامة والبنية التحتية بحصّة من كلمة سلام، فأشار إلى إطلاق "آليات شفّافة ومعايير متينة لتعيين الموظفين العموميين، وبدأنا بإرساء هيئات تنظيمية مستقلة للكهرباء والاتصالات والنفط والغاز والطيران. فمرافق لبنان عانت لسنوات من الفساد وسوء الإدارة، ولبنان لديه قدرات لوجستية هائلة لم تُستَغَل بعد".
وعن افتتاح مطار رينيه معوّض في القليعات، قال سلام إنّنا "نمضي لافتتاح مطار القليعات العام المقبل. ومن شأن ذلك لعب دور أساسي في تسهيل حركة الشحن والسفر. كما نولي اهتماماً لتطوير البنى التحتية للمرافىء، خصوصاً في طرابلس. ونعدّ خطّة للنقل العام وخطة لشبكة الطرقات بمختلف المناطق. ونركّز على تعزيز خدمات الكهرباء والاتصالات، إلى جانب تنفيذ استراتيجية وطنية لدعم الصادرات".

نظرة جديدة
ولمواكبة التطوّر، تضع الحكومة أمامها العمل في مجالات التحوّل الرقمي والذكاء الاصطناعي. وهذا ما أشار إليه رئيس الحكومة متحدثاً عن "تحديث الحوكَمة عبر التحوّل الرقمي. فلبنان أمام تحدٍّ ليس فقط على مستوى التعافي من الركود والشلل، بل أيضاً أمام تحدي القفز نحو المستقبل. ولدينا فرصة للولوج إلى عصر جديد من الحوكمة تقوم على الذكاء الاصطناعي، لبناء دولة قائمة على التكنولوجيا". وعرجَ سلام على خطط "إطلاق الهوية الرقمية ورقمنة السجلاّت العامة وتفعيل المنصات الرقمية وتجربة الذكاء الاصطناعي في الدولة. ولمواكية التحوّل الرقمي، سنؤسس وزارة مخصصة لتكنولوجيا المعلومات والذكاء الاصطناعي".

وذهب سلام نحو الفضاءات العامة، معتبراً أنّ الحكومة "تلتزم إعادة ما يعود للناس، وتنشيط المساحات المشتركة. وعلى المستوى البيئي، ألغينا مراسيم بيئية تتعلّق بتخلّي الدولة عن مساحات على الشاطىء، وألغينا تراخيص لمقالع، كانت الحكومة السابقة قد أصدرتها".
وعلى المستوى الثقافي، قال سلام "جرى ترميم مواقع تاريخية، وتحويل مكتبة بيروت العامة إلى مركز ثقافي محوري. فضلاً عن افتتاح مدينة كميل شمعون الرياضية". وتسهم هذه الأمور في "إعادة السياح العرب إلى موطنهم الثاني لبنان". أمّا على المستوى الاجتماعي، فأكّد سلام "العمل على تقوية شبكة الحماية الاجتماعية وتحسين الخدمات للفئات المهمّشة، بدءاً من تأمين التمويل الإضافي لبرنامج أمان الذي يخدم أكثر من 1800 شخص من المتضرّرين". وأشار إلى أنّ لبنان يستعد لـ"تنظيم مؤتمرَين دوليين أحدهما لإعادة الإعمار والآخر لتحفيز الاستثمارات".
ولم تغب عن باله مسألة الحريات العامة وتجاوز الطائفية وتعزيز المواطنة، حيث قال: "آن الأوان لتطبيق اتفاق الطائف بلا تأخير، وبناء دولة مدنية حديثة، وهذا يعني ضمان الحريات العامة وخصوصاً حرية التعبير. وفي هذا الاطار، أصدرتُ قراراً بإلغاء مذكرات التفتيش الصادرة بلا إذن قضائي". كما أكّد سلام التزامه بـ"اللامركزية الموسّعة وإنشاء مجلس شيوخ وتشكيل لجنة وطنية لدراسة سسبل الخروج من النظام الطائفي".

وخلص سلام إلى أنّه "قد يظن البعض أنّ هذه الإصلاحات سياسية بحتة، لكنها إصلاحات وجودية لبناء نظام أكثر استقراراً بالنسبة للفرد والدولة، وهذا أساساً لنظام مستدام أقلّ عرضة للانهيار وأقلّ قابلية لاستخدامه كغطاء للفساد والمصالح. فهدفنا بناء دولة صامدة تشجّع الاستثمار طويل الأمد". ودعا سلام المجتمع الدولي لـ"الاضمام إلينا لدعم مسيرة التحكيم في لبنان والمساهمة بالنهوض وتحقيق الاستقرار الاقتصادي وخلق فرص عمل ورفع الانتاجية واستعادة ثقة المستثمرين في الامكانات طويلة الأمد في لبنان".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها