بين إعلان تعرفة جديدة وطرح مناقصة لتوريد 6 مليون عداد مسبق الدفع، جاءت التحركات الحكومية في ملف الكهرباء متسارعة وواضحة. فالفترة المقبلة ستعتمد على تفعيل الشراكة مع القطاع الخاص، الذي يعني بالضرورة رفع يد الدولة، ولو على نحوٍ نسبي، عن دعم هذا القطاع الحيوي.
وتوزعت تسعيرة الخدمة الكهربائية الجديدة وفقاً للكيلو الواط الساعي، وفق وزارة الطاقة، على أربع شرائح: الشريحة الأولى: حتى 300 كيلو واط ساعي خلال دورة شهرين، وهي تخصّ أصحاب الدخل المحدود وهي تسعيرة مدعومة من الحكومة بنسبة 60 في المئة من سعر التكلفة ويبلغ سعر الكيلو الواط 600 ليرة سورية.
أما الشريحة الثانية فتبدأ من أكثر من 300 كيلو بسعر 1400 ليرة سورية للكيلو، وهي تخصّ أصحاب الدخل المتوسط والمرتفع والمشاريع الصغيرة.
في حين خصّصت الشريحة الثالثة بتسعيرة 1700 ليرة للكيلو لشريحة المعفيين من التقنين وتشمل المؤسسات الحكومية، الشركات، المصانع التي تحتاج إلى الكهرباء على مدار الساعة.
أما الشريحة الرابعة فهي للمعامل والمصانع ذات الاستهلاك الكهربائي العالي مثل معامل الصهر وغيرها ويبلغ سعر الكيلو الواط فيها 1800 ليرة سورية.
لا خصخصة للقطاع
ومنذ الوهلة الأولى، تبدو التسعيرة التي لا تزال وفق نظام الشرائح كبيرة جداً مقارنةً بأحدث تعرفة أصدرها النظام السابق، التي تمت بداية العام 2024. فعلى سبيل المثال بلغت تعرفة الشريحة الأولى التي كانت من (1 - 600) كيلو واط ساعي 10 ليرات في الدورة الواحدة، في حين ارتفعت وفق التسعيرة الجديدة إلى 600 ليرة للكيلو الواط الواحد.
كما أن فكرة العدادات مسبقة الدفع معروفة في الشمال السوري منذ قيام حكومة الإنقاذ السابقة باستجرار الكهرباء التركية إلى إدلب، وهو الأمر الذي يؤشر إلى أن وزارة الطاقة تسير في الاتجاه نفسه الذي يعتمد على شركات القطاع الخاص لتوزيع الخدمة، لكن مع الاحتفاظ بدور مركزي حكومي يشرف على طرق التوليد والاستجرار وآلياتهما، ويدعم الشريحة الأوسع من المشتركين وهي شريحة ذوي الدخل المحدود.
المتحدث الرسمي باسم وزارة الطاقة السورية أحمد السليمان أكد لـِ "المدن" أن الوزارة تعمل على تنفيذ خطة إصلاح شاملة لقطاع الكهرباء تهدف إلى تحسين الخدمة وضمان استمراريتها. لافتاً إلى أن اعتماد نظام الشرائح سيكون منصفاً يراعي الفئات محدودة الدخل ويضمن بقاء الدعم موجهًا لمستحقيه، بحيث يتراوح بين اعتماد شرائح مدعومة بالكامل للمواطنين من ذوي الدخل المحدود، إلى جانب شرائح أخرى تُحسب وفق الاستهلاك الفعلي، بما يحقق العدالة في توزيع الدعم ويحافظ على استدامة المنظومة الكهربائية.
وحول مناقصة الوزارة المتعلقة بتوريد عدادات مسبقة الدفع، أشار إلى أن إطلاق مناقصة لتوريد العدادات الذكية يأتي ضمن برنامج متكامل لضبط الفاقد الكهربائي والحد من السرقات وتحسين الجباية، وهو إجراء إصلاحي وتقني بحت، يهدف إلى تطوير منظومة التوزيع ورفع كفاءتها.
ومن جانب آخر، نفى السليمان وجود أي ارتباط بين هذه المناقصة وأي توجه من الدولة نحو خصخصة قطاع الكهرباء، مؤكداً أن الوزارة ستبقى الجهة المسؤولة عن الإنتاج والتوزيع والإشراف على الشبكة العامة على نحوٍ كامل.
وبخصوص تعرفة الكهرباء وموضوعيتها، أوضح أن الآلية الجديدة للتسعير تعتمد على الاستهلاك الفعلي بالكيلو واط الساعي بما يتناسب مع كلفة الإنتاج والتوزيع، مع الحفاظ الكامل على الدعم للفئات المستهدفة. لافتاً إلى أن منظومة العدادات الذكية ستسهم في وقف الهدر والفاقد الكهربائي تدريجيًا، بحيث لا يتحمّل المواطن أي أعباء ناجمة عن السرقات أو الخسائر الفنية في الشبكة.
إصلاحات جذرية لرفع نسبة التشغيل
إلى ذلك، تعمل وزارة الطاقة بالتوازي مع مشروع التعرفة الجديدة على تحسين البنية التحتية للكهرباء عبر تأهيل المحولات والشبكات، وتطوير خطط الصيانة والتوزيع، إلى جانب إدخال مشاريع جديدة للطاقة المتجددة والاستثمار في التوليد والتوزيع بهدف زيادة الإنتاج ورفع كفاية الخدمة، وفق ما يضيف السليمان.
وأكد أيضاً أن الوزارة ستبدأ فور تطبيق التعرفة الجديدة بحزمة إصلاحات جذرية تهدف إلى رفع نسبة التشغيل إلى أعلى مستوى ممكن في المدى القريب، بما يضمن استقرار التغذية الكهربائية وتحسين واقع الخدمة تدريجيًا دون الاعتماد على المنح الخارجية الموقتة.
وأشار إلى وجود توجه لدى الوزارة لفتح باب الاستثمار المنظّم في قطاع الكهرباء ضمن أطر قانونية واضحة وتحت إشراف مباشر من الدولة، وذلك لتوسيع الإنتاج وتحسين البنية التحتية وتسريع تنفيذ المشاريع الاستراتيجية.
وألمح إلى أن هذا التوجه يأتي في إطار تفعيل الشراكة مع القطاع الخاص الوطني بما يخدم المصلحة العامة، ويعزز كفاءة المنظومة الكهربائية من دون أي مساس بملكيتها أو إدارتها العامة.
ريف دمشق.. التحديات كبيرة جداً
كنموذج عن البرنامج الحكومي لتوفير الخدمة الكهربائية، تسير كهرباء محافظة ريف دمشق ضمن برنامج تقنين محدد، لكنه مليء بالتحديات بسبب تهالك البنى التحتية لهذا القطاع جراء الحروب السابقة التي خاضتها معظم مناطق الريف من جهة، ولعدم كفاية إنتاج الطاقة لتقليص فترات التقنين من جهة أخرى.
ومؤخراً أعلنت شركة كهرباء ريف دمشق توحيد برنامج التقنين في جمیع المناطق السكنیة بالمحافظة، حیث تُوزّع الکمیات المخصّصة للشرکة توزيعاً متناسباً بین المناطق، وفق وضع برنامج تغذية یعتمد على 2 ساعة وصل مقابل ساعات قطع تتراوح بین 4 إلى 6 ساعات أو أکثر قلیلاً، وذلك تبعاً للحمولات المرتبطة بدرجات الحرارة وأوقات الذروة.
مدير التشغيل في الشركة العامة لكهرباء محافظة ريف دمشق محمد يونس أكد لـِ "المدن" استمرار العمل ببرنامج التغذية الحالي إلى حين ازدياد كميات التوليد لعدم إمكانية تثبيت وقت محدد لتغذية المناطق، إنما تُغطّى تباعاً. وأضاف أن توفير التغذية الكهربائية على مدار 24 ساعة مرتبط بازدياد التوليد الطاقة الكهربائية، وإعادة تأهيل للشركات الكهربائية المدمرة ومحطات التحويل. لافتاً إلى وجود تحديات كبيرة تواجه شركة كهرباء ريف دمشق على نحوٍ خاص، وتتمثل بتعرض عدد كبير من مكونات المنظومة الكهربائية للتدمير، بالتوازي مع تهالك ما بقي منها وانتهاء العمر الفني لها. مؤكداً الحاجة الماسة إلى توفر كمية كبيرة من المواد لإعادة تأهيل المنظومة الكهربائية.
ومن اللافت، انتشار ظاهرة الاستجرار غير المشروع للكهرباء في المناطق المنكوبة من الريف الدمشقي نتيجةً طبيعية لعدم وجود عدادات كهربائية. وحول مكافحة هذه الظاهرة، أشار يونس إلى أن الملف تعمل عليه مديرية مراقبة الشبكات التي تقوم بدورها بتسيير دوريات الضابطة العدلية لقمع عمليات الاستجرار غير المشروع، إضافة إلى تحفيز المواطنين تحفيزاً دائماً على المبادرة بتقديم طلبات الاشتراك لغير المشتركين في الخدمة الكهربائية، وبالتالي، التوقف عن الاستجرار على نحوٍ غير مشروع.
