الصين وأميركا: اتفاق على الرمال

ترامب وتشي (غيتي)
العلاقة بين البلدين ستظل محكومة بالتشنج وعدم اليقين (Getty)
حجم الخط
مشاركة عبر

نشرت صحيفة "ذا إكونوميست" مقالاً تناول خلاصات القمّة التي جمعت الرئيس الأميركي دونالد ترامب والرئيس الصيني تشي جين بينغ. ورأى المقال أنّ اللقاء، والنتائج التي أسفر عنها، يفترض أن يدفع الأسواق إلى تنفّس الصعداء، لكنّ العلاقة بين البلدين ستظل محكومة بالتشنّج وعدم اليقين في المستقبل، بالنظر إلى غموض العديد من بنود التسوية الراهنة. 

 

ترامب متفائل… ولكن

منح ترامب تقييمه الخاص للاجتماع: إثني عشر من أصل عشر. كان الرئيس الأميركي يتحدّث بنبرة متفائلة كالعادة، بعد أن التقى شي جين بينغ في بوسان، كوريا الجنوبيّة، يوم أمس الخميس. وعلى العالم أن يشعر بارتياح مماثل بالفعل، بعدما تبيّن أنّ أكبر اقتصادين في العالم لا يرغبان في الانفصال عن بعضهما البعض، كما لا ينويان الدخول في سجال حول وضعيّة جزيرة تايوان. أي من هذين المآلين، كان يمكن أن يفرضا تكلفة باهظة على آسيا والعالم. 

ومع ذلك، يبدو أن الاتفاق بين الطرفين لا يزال غامضاً ومؤقتاً، ما يعني أن أهم علاقة بين أكبر اقتصادين ستظل قائمة على الرمال. إذ حتّى تاريخ كتابة هذه السطور، لا تزال تفاصيل ما جرى الاتفاق عليه في بوسان غير واضحة. وعلى ما يبدو، كان الاتفاق في معظمه بمثابة إعادة السيوف إلى غمدها، ما يجعله مجرّد تهدئة مؤقّتة لا معاهدة مستدامة. 

وافقت الصين على تأجيل فرض بعض القيود على صادراتها من المعادن الأرضيّة النادرة، لمدّة عام. أمّا أميركا، فستبقي على تعليق التعرفة الجمركيّة بنسبة 100%، التي كانت تنوي فرضها على السلع الصينيّة المستوردة. كما ستؤجّل واشنطن حظر التصدير، من أراضيها إلى الشركات الفرعيّة التابعة لشركات صينيّة مدرجة على لوائح الحظر الأميركيّة. 

في الوقت نفسه، تراجع الطرفان عن المواجهة المتعلّقة بالشحن البحري، والتي كان يمكن أن تدفع كلّ منهما إلى تحميل شركات الطرف الآخر رسوماً إضافيّة على استخدام الموانئ. ومرّة جديدة، ستعود الصين إلى شراء فول الصويا الأميركي، فيما يبدو أن ترامب أصبح منفتحاً على تصدير بعض أشباه الموصلات إلى الصين، وإن لم تكن الأكثر تقدماً. 

 

براغماتيّة ترامب

كان من الممكن أن يكون الاتفاق أسوأ بكثير، بالنظر إلى العداء الذي يُكنّه بعضُ المسؤولين في واشنطن تجاه الصين. فهؤلاء كانوا يريدون -على وجه السرعة- أن تفصل الولايات المتحدة علاقاتها الاقتصاديّة، عن أكبر منافس جيوسياسي لها. لكن ترامب، من خلال هذه القمّة الأولى من نوعها منذ 2019، أظهر أنّه يقدّر العلاقة التجاريّة مع الصين، بما يمنعه من التفريط بها. لكن في الوقت نفسه، لم يُضحِّ ترامب بتايوان مقابل مبيعات فول الصويا.

لكن في الوقت نفسه، ولسوء الحظّ، أظهرت القمّة أيضاً مقدار الخلل القائم. فمن ناحية، سيُبقي الاتفاق على تعرفةٍ جمركيّة أمريكيّة بنسبة 47% على السلع الصينيّة. وفي عالم ما قبل ترامب، كان ذلك يُعتبر مستوى غير طبيعي من الحمائيّة التجاريّة. كما أنّ شروط الاتفاق مؤقّتة، بشكلٍ صريح، من حيث إنّ الكثير من بنود هذا التفاهم ستُراجَع بعد عام. 

وفي جميع الحالات، يرى ترامب أنه يملك صلاحيّة توجيه ضربات جمركيّة هنا، أو وضع حواجز تجاريّة هناك، في أي وقت، وعلى نحوٍ غير مقيّد، بشأن أي قضيّة وضد أي بلد. وهذا ما يهدّد بعودة النزاع بين الصين والولايات المتحدة إلى المربّع الأوّل، في أي لحظة.

 

مصادر لنزاع جديد محتمل

ثمّة مصدر آخر محتمل لنزاع جديد بين الطرفين. فالصين، وبخلاف كل دولةٍ أخرى، تعادل الولايات المتحدة، وربما تتفوّق عليها، في بعض المجالات. 

لقد جاءت قمّة بوسان بعد مسيرةٍ ملكيّةٍ للرئيس ترامب، على امتداد دول آسيا، حيث أغدق عليه الزعماء واحداً تلو الآخر الثناء والهدايا، بما في ذلك كرة غولف ذهبيّة وتاجٍ مقلّد. وقدّمت اليابان وماليزيا وكوريا الجنوبيّة جميعها تنازلات، بما يشمل تسهيلاتٍ في وصول أميركا إلى أسوقها، وتعهداتٍ باستثمار مئات المليارات من الدولارات في الولايات المتحدة. إنّ الاعتماد على الولايات المتحدة في الأمن والتجارة، أجبر الدول الآسيويّة على التراجع.

لكن الصين مختلفة عن تلك الدول الآسيويّة، فهي قادرة على تحمّل الضغوط الأميركيّة. وهي تمكّنت من الرد في مجالاتٍ تُعدّ الولايات المتحدة فيها هشّة، كما جرى حين حرمت بكين الشركات الأميركيّة من استيراد المعادن الأرضيّة النادرة من الصين. وبعد أن أدركت الصين طبيعة النظام التجاري الجديد، الذي أرساه ترامب، بات مشروع بكين أن تصبح أكثر قدرة على الصمود. 

 

كلّ ذلك يجعل قمّة بوسان الصينيّة الأميركيّة مجرّد استراحة في النزاع التجاري بين الطرفين، وليس الخاتمة. إذ لا بدّ أن يندلع الخلاف التجاري من جديد بين الطرفين، في ظلّ الشكوك المتبادلة التي تلتهمهما. ولكن الخبر الجيّد الآن، هو اعتقاد الطرفين بأنّ لديهما ما يربحانه من التهدئة في الوقت الراهن.

Loading...

تابعنا عبر مواقع التواصل الإجتماعي

إشترك في النشرة الإخبارية ليصلك كل جديد

اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث