خط الحجاز يعود: الربط البري بين السعودية وسوريا ينطلق

دمشق - رهام عليالخميس 2025/10/30
علم سوريا خريطة (غيتي)
سوريا تعود إلى خريطة النقل الإقليمية (غيتي)
حجم الخط
مشاركة عبر

في خطوة تاريخية من شأنها إعادة رسم خريطة النقل والتجارة في المنطقة، أعلنت المملكة العربية السعودية عن تنفيذ الربط البري بين العاصمة الرياض ودمشق.

المسار يذكّر بمشروع خط الحجاز الشهير، الذي كان يوماً شرياناً حيوياً للحركة الاقتصادية والثقافية بين الجزيرة العربية وبلاد الشام، ويأتي الإعلان في توقيت حساس يعكس الطموحات الاقتصادية السعودية لتعزيز التكامل الإقليمي وفتح آفاق جديدة أمام التجارة والاستثمار، كما يظهر رؤية استراتيجية تهدف إلى تعزيز الروابط التجارية والبنية التحتية بين الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

رحلة خط الحجاز لم تعد مجرد ذكرى تاريخية، بل تتحول اليوم إلى فرصة اقتصادية مستقبلية تحمل إمكانات ضخمة للنقل البري والتجارة العابرة للحدود.

 

خط الحجاز.. جسر التجارة البري 

ويشير الباحث الاقتصادي أدهم قضيماتي في حديثه مع "المدن"، إلى أن مشروع الربط البري بين الرياض ودمشق ليس فكرة جديدة، إذ سبق أن طُرح من قبل الجانب التركي والطرف السوري بهدف إنشاء شبكة خطوط برية تربط تركيا شمالاً بالأردن والدول الخليجية، وليس السعودية وحدها. ويعتبر قضيماتي أن للمشروع بعداً اقتصادياً ضخماً، بالنظر إلى الإمكانات الهائلة التي يوفرها في نقل البضائع وتعزيز التجارة البينية.

ويضيف أن نجاح المشروع يتطلب دراسات دقيقة وخطط لوجستية متكاملة لضمان أن تكون الطرقات الدولية المخدمة عالية الكفاءة، ما يستلزم تمويلاً ضخماً، تنفيذًا دقيقًا، وتجهيز الممرات والمناطق التي سيمر منها الخط. وبحسب توقعاته، من المرجح أن يبدأ الخط عملياً خلال فترة تتراوح بين سنتين إلى أربع سنوات.

كذلك، يوضح الباحث الاقتصادي أن تنفيذ المشروع سيكون مقسماً على مراحل، بحيث تغطي كل مرحلة الدول التي يربطها الخط (تركيا، الأردن، سوريا، ودول الخليج)، مع احتمالية توسعة المشروع مستقبلاً ليصل إلى ربط دول أوروبا بالخليج. مؤكداً أن هذا الخط قد يتحول إلى بديل استراتيجي في أوقات الأزمات البحرية، مستذكراً أزمة كورونا حين تعطل جزء كبير من النقل البحري والحاويات. 

بالتوازي يلفت قضيماتي إلى أنه لو كان خط الحجاز مجهزاً آنذاك، لخفف الضغط على الناقلات البحرية وتخزين الحاويات، وساهم في استمرار حركة التجارة بين الدول بسلاسة أكبر.

 

الأثر الاقتصادي لمشروع الربط البري

ويمثل مشروع الربط البري عبر خط الحجاز نقلة نوعية في تعزيز التكامل الاقتصادي الإقليمي. ووفقًا لتقرير صادر عن اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا)، من المتوقع أن يؤدي تحسين البنية التحتية للنقل البري إلى خفض تكاليف التجارة بنسبة تتراوح بين 5.4 في المئة و17.2 في المئة، ما يسهم في زيادة حجم التجارة البينية بين الدول المرتبطة عبر الممر اللوجستي.

وتشير الدراسات إلى أن تطوير ممرات النقل الإقليمية يمكن أن يحسن التوازن التجاري، خصوصاً في الدول التي تعتمد بشكل كبير على النقل البري. من جهة أخرى، تُظهر البيانات أن السعودية استثمرت 6.4 مليار دولار في مشاريع إعادة الإعمار في سوريا، تشمل البنية التحتية والاتصالات، مما يعكس التزامًا قويًا بتعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين.

 

أنقرة تدخل على خط الإحياء التاريخي

في السياق، أكد وزير التجارة التركي عمر بولات حرص بلاده على إحياء طريق الشرق الأوسط التاريخي الذي يمر عبر سوريا والأردن، بالتنسيق مع حكومة دمشق. وأوضح أن الممر سيسهم في تعزيز حركة التجارة بين أوروبا ودول الخليج عبر مسار بري متكامل يمتد من تركيا جنوباً حتى شبه الجزيرة العربية.

ويأتي هذا التنسيق في إطار التعاون الاقتصادي المتنامي بين أنقرة ودمشق، وضمن رؤية مشتركة تهدف إلى تحويل الطريق التاريخي إلى ممر تجاري عصري يعيد ربط الشرق بالغرب، ويختصر المسافات الزمنية والتكلفة اللوجستية لحركة البضائع. ويُنظر إلى المشروع كـمكمّل استراتيجي لخط الحجاز التاريخي ومحور رئيسي في شبكة النقل الإقليمي الجديدة التي تسعى دول المنطقة لتفعيلها.

 

شراكة تعيد سوريا إلى قلب التجارة الإقليمية

من جهته، يؤكد الباحث الاقتصادي في شركة كرم شعار للاستشارات ملهم الجزماتي أن زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع إلى المملكة تمثل منعطفاً استراتيجياً للاقتصاد السوري، إذ تُرسي أسس مرحلة جديدة من التعاون العربي القائم على المشاريع الاقتصادية القابلة للتنفيذ، لا على الخطابات السياسية. 

فالزيارة، كما يقول الجزماتي، "لم تكن بروتوكولية بقدر ما جاءت تتويجاً لمسار متكامل من الانفتاح الإقليمي على سوريا بعد سنوات من العزلة الاقتصادية"، وهو ما تعكسه تصريحات كبار المسؤولين السعوديين، وعلى رأسهم وزير الاستثمار السعودي الذي أكد قرب تنفيذ مشروع الربط البري، في إشارة واضحة إلى جدية المملكة في التطبيق العملي.

ويرى الجزماتي في حديثه مع "المدن"، أن المشروع يُعد من أهم المشاريع الإقليمية ذات التأثير الاقتصادي المباشر، إذ سيشكّل ممرًا استراتيجيًا يربط الخليج ببلاد الشام وتركيا وأوروبا عبر الأراضي السورية. إعادة تفعيل هذا المسار تعني إعادة سوريا إلى موقعها الطبيعي كعقدة وصل تجارية بعد أن فقدت هذا الدور خلال سنوات الحرب.

وعلى المستوى اللوجستي، يوضح الجزماتي أن المشروع سيحدث تحولاً في حركة التجارة الإقليمية من خلال خفض تكاليف النقل وزمن الشحن مقارنة بالطرق البحرية عبر قناة السويس، ما سينعكس مباشرة على تنافسية الصادرات الخليجية. كما سيُنعش قطاع النقل البري والترانزيت السوري الذي كان يشكل قبل عام 2011 أحد أهم مصادر الدخل القومي، إذ سيساعد في إعادة تشغيل الشركات العاملة في النقل والخدمات اللوجستية ويوفر آلاف فرص العمل في مجالات الصيانة، الضيافة، والإمداد.

أما على الصعيد الإقليمي، يؤكد الجزماتي أن الربط سيخلق سلسلة إمداد تجارية جديدة بين الخليج وشرق المتوسط، ويمهّد لقيام منطقة عبور اقتصادية تمتد من الخليج إلى البحر المتوسط، ما يجعل المشروع بديلاً فعّالاً للممرات البحرية المهددة بالتقلبات الجيوسياسية.

ويشير إلى أن العائدات السورية من رسوم العبور والضرائب الجمركية ستكون أحد أهم مصادر النقد الأجنبي المستدام، كما ستدفع نحو تأهيل البنية التحتية للنقل – من طرق وجسور ومرافئ برية – بالشراكة مع الشركات الخليجية، ما يفتح الباب أمام استثمارات كبيرة في مجالات البناء، التمويل، التأمين، والخدمات اللوجستية.

ويختم الجزماتي بالقول إن المشروع، إلى جانب كونه اقتصاديًا، يحمل أبعاداً سياسية متكاملة، إذ يشكل بوابة لإعادة دمج سوريا تدريجياً في النظام الاقتصادي العربي والدولي. فالشراكة مع السعودية، بما تمتلكه من ثقل مالي واستثماري إقليمي، ترسل إشارات طمأنة للأسواق الدولية بأن سوريا تدخل مرحلة من الاستقرار والانفتاح الاقتصادي، ما قد يفتح الباب مستقبلاً أمام تخفيف العقوبات وعودة البلاد إلى الخريطة الاستثمارية في الشرق الأوسط.

 

الجهود الثلاثية لإحياء خط الحجاز

سلطت "المدن" الضوء على الاتفاق الثلاثي بين سوريا وتركيا والأردن لإحياء خط الحجاز التاريخي في 20 تشرين الأول الجاري، ضمن تقرير بعنوان: "خط الحجاز التاريخي يتحرّك بجهود ثلاثية: انطلاق نحو المستقبل!"

أشار التقرير إلى تفاصيل اجتماع وزراء النقل في الدول الثلاث في عمّان، الذي انتهى بالاتفاق على استكمال 30 كيلومترًا من المسار داخل الأراضي السورية بدعم تركي مباشر، وتكليف الأردن بدراسة الإمكانيات الفنية لتشغيل وصيانة القاطرات الخاصة بها حتى دمشق.

كما تم بحث تعزيز الربط الإقليمي من خلال ممرات نقل جديدة تربط تركيا بالبحر الأحمر عبر ميناء العقبة، فيما تناول التقرير الجهود السورية لإعادة تأهيل البنية التحتية للخط، وإمكانية أن يصبح المشروع منافسًا لقناة السويس في بعض أنواع الشحن البري-البحري.

 

Loading...

تابعنا عبر مواقع التواصل الإجتماعي

إشترك في النشرة الإخبارية ليصلك كل جديد

اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث