بالفيديو: الزيتون في الشمال السوري... جفاف وغلاء وشح

حلب- رجاء عبد الحميدالأربعاء 2025/10/29
زيتون شمال سوريا (المدن)
موسم الزيتون في سوريا شحيح (المدن)
حجم الخط
مشاركة عبر

على أطراف مدينة عفرين في ريف حلب الشمالي، تبدو أشجار الزيتون هذا الموسم شحيحة الإنتاج مقارنة بالسنوات الماضية، أغصان نحيلة تحمل بضع حبات متناثرة.

يقول أبو محمود، فلاح ستيني يقف أمام أرضه: أشجاري هذا العام لم تعطِ إلا جزءاً بسيطاً من المعتاد، كل ما حاولنا قطافه بالكاد يغطي التكاليف. يبتسم بمرارة ويضيف: صرنا نقطف باليد، ما في داعي للسلالم ولا للعمال، فالموسم انتهى قبل أن يبدأ.

تمثل هذه الحالة واقعاً مشتركاً في أغلب حقول الزيتون في إدلب وريف حلب، حيث يعاني الفلاحون من انخفاض الإنتاج بشكل حاد نتيجة الجفاف، وارتفاع تكاليف الزراعة، وانتشار الآفات، ما ينعكس مباشرة على الأسعار في الأسواق المحلية.

زيتون شمال سوريا (المدن)

موسم ناقص وأسعار تشتعل

بحسب تقديرات محلية حصلت عليها "المدن" من مديريات الزراعة في إدلب وحلب، تراجع إنتاج الزيتون هذا العام بنسبة تتراوح بين 40 و60 في المئة مقارنة بالعام الماضي.

السبب كما يراه المزارعون لا يقتصر على الجفاف الطويل، بل يمتدّ إلى ارتفاع أسعار الأسمدة والمبيدات وغياب خدمات الري.

يقول عبد الله الأسعد، صاحب معصرة في بلدة معرة مصرين في ريف إدلب: منذ بداية الربيع كنّا نعلم أن الموسم لن يكون بخير، الأشجار عطشى، والفلاحون أنهكهم الغلاء، ولم تعد هناك قدرة على التقليم أو الرشّ. النتيجة واضحة: الزيتون قليل والزيت أقل.

في المعاصر، ارتفعت كلفة العصر إلى نحو تسعين ألف ليرة سورية للتنكة الواحدة، بينما يتراوح سعر الزيت في الأسواق بين 750 و850 ألف ليرة سورية، أي أكثر من ضعف سعره في 2024. ويؤكد أصحاب المعاصر أن الخوف اليوم ليس من الكساد، بل من الندرة.

أما في ريف حلب الشمالي، فيقول الفلاح خالد عواد إن الأشجار متعبة مثل أصحابها، فالمواسم الوفيرة باتت ذكرى وأن زيت الزيتون البلدي غاب عن موائد الطعام لدى الكثير من الأهالي فاستبدلوه بالزيت النباتي بسبب ارتفاع الأسعار.

زيتون شمال سوريا (المدن)

المعاصر بنصف طاقتها

وفي جولة لـ"المدن" على عدد من المعاصر في ريف حلب أظهرت أن معظمها يعمل بنصف طاقته. ففي معصرة الخير في ريف مدينة عفرين، لا تتجاوز كميات الزيتون الواردة يومياً 30 في المئة مما كانت عليه العام الماضي.

يقول صاحبها محمد ديب: صرنا نعمل يوماً ونغلق يوماً آخر، فالكميات قليلة جداً، وبعض العمال لم يجدوا عملاً هذا الموسم

 

خسارة في الحقول والأسواق

تشير بيانات صادرة عن دوائر الزراعة في شمال غرب سوريا إلى أن إنتاج الزيتون خلال موسم 2024 بلغ نحو 215 ألف طن في مجمل مناطق إدلب وريف حلب، بينما لا يُتوقّع أن يتجاوز هذا العام 110 آلاف طن، بانخفاض يقارب النصف.

أما إنتاج الزيت فقد تراجع من 41 ألف طن العام الماضي إلى أقل من 23 ألف طن هذا الموسم.

بناءً على ذلك، يقدّر أن متوسط ما يحصل عليه الفلاح من كل هكتار قد انخفض من 600 كيلوغرام من الزيتون إلى ما دون 300، فيما ارتفع سعر "تنكة الزيت" بنسبة تجاوزت 120 في المئة.

تقديرات الباحثين الاقتصاديين تشير إلى أن الأسرة السورية في هذه المناطق تستهلك وسطياً 40 إلى 50 ليتراً من الزيت سنوياً، ما يعني أن الإنتاج الحالي لن يغطي سوى نصف الاحتياج المحلي تقريباً.

ومع ارتفاع أسعار الوقود وصعوبات النقل، يتوقع أن تتجاوز الأسعار حاجز المليون ليرة سورية للتنكة الواحدة قبل نهاية الشتاء، لتتحول زجاجة الزيت من مادة أساسية إلى سلعة كمالية في كثير من البيوت.

تُظهر المقارنة بين العامين أن خسارة الشمال لم تقتصر على الكمّ، بل على روح الموسم ذاته. فما كان مناسبة ريفية تحتفي بالعطاء، صار اليوم موسم قلقٍ ومعادلات حسابية معقدة.

الزيتون الذي كان رمز الثبات في وجه الحرب والجفاف، وذاكرة الأرض التي لا تزال تقاوم الخسارة عاماً بعد عام، فيما يأمل الفلاحون مطراً متأخراً لعله يعيد إلى حقولهم الحياة والعطاء.

Loading...

تابعنا عبر مواقع التواصل الإجتماعي

إشترك في النشرة الإخبارية ليصلك كل جديد

اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث