نشرت مجلّة "ذي إيكونوميست" مقالاً تناول الخلاصات المرتقبة للقاء الرئيس الأميركي دونالد ترامب والرئيس الصيني شي جين بينغ، وتداعياته على الأسواق الماليّة في العالم. المقال لحظ التداعيات الإيجابيّة للقاء المرتقب، كما بدا في مؤشّرات البورصة وأسعار الذهب. غير أنّه، في الوقت نفسه، خلص إلى أنّ نتائج اللقاء لن تتجاوز حدود الهدنة المؤقّتة بين التكتلين الاقتصاديين، بدل أن تكون معاهدة مستدامة تسوّي الخلافات المزمنة بينهما.
الرهان على المودّة الشخصيّة
صرّح دونالد ترامب مشيراً إلى أنّه يكن "الكثير من الاحترام للرئيس شي"، فهو "يحبّني كثيرًا، على ما أعتقد، ويحترمني". بهذه العبارات، يسترجع المقال رهان الزعيم الأميركي على الجاذبيّة والكاريزما من أجل "كسب الموقف"، عندما يلتقي نظيره الصيني يوم غدٍ الخميس.
سيكون هذا الاجتماع أهم لقاء سياسي يشهده العالم في الوقت الحالي. فالرجلان لم يجلسا معاً منذ العام 2019. والأسواق تتوقّع ودًا وانفراجًا. فقد أغلق مؤشّر S&P 500 الأميركي للأسهم الممتازة عند مستوى قياسي في مطلع هذا الأسبوع، وانخفض الذهب إلى مستويات تقل عن 4000 دولار للأونصة، ما يدل على انخفاض مخاوف المستثمرين من مستويات عدم اليقين.
كان الشهر الماضي قاسيًا على القوّتين العظمتين، بسبب خلافهما التجاري. ففي 9 تشرين الأوّل فرضت الصين قيودًا واسعة على تصدير المعادن النادرة، وهي عناصر أساسية في صناعة كلّ شيء: من الإلكترونيات الاستهلاكية إلى المعدات العسكرية. وردًّا على ذلك، هدّد ترامب بفرض تعرفة إضافية بنسبة 100% على الواردات الصينية، ابتداءً من 1 تشرين الثاني (بالإضافة إلى الرسوم الباهظة القائمة أصلًا). ويُضاف إلى ذلك إدراج الشركات الصينيّة على القوائم السوداء، وتحميلها رسوم الموانئ، والخلاف حول تجارة فول الصويا.
إن مجرد حدوث هذا اللقاء يُعدّ دليلًا على النتائج الإيجابيّة لأعمال وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت، ونائب رئيس الوزراء الصيني هي ليفِـنغ، خلال مشاوراتهما في ماليزيا خلال عطلة نهاية الأسبوع. لقد أسهمت تلك المشاورات في تخفيف حدّة هذه الخلافات وتقريب وجهات النظر، تمهيداً للقاء والاتفاق المنتظر.
لكن رغم كل هذه الأجواء الإيجابيّة، يعتبر المقال أنّ أي اتفاق سيُعلن، لن يكون على الأرجح معاهدة، بل هدنة ظرفيّة موقّتة.
ثلاثة مستويات للمفاوضات
ستكون هناك ثلاثة مستويات من الصعوبة في المفاوضات.
بخلاف ما يعتقد كثيرون، الجزء الأقل صعوبة من التفاوض سيرتبط بالرسوم الجمركية، وهي مجال واضح يمكن إحراز تقدم فيه. فهذه الرسوم باتت تضغط بشكلٍ سلبيّ على التجارة بين البلدين، إذ انخفضت مثلاً صادرات الصين إلى أميركا بنسبة 27% على أساس سنوي في أيلول.
بحسب وزير الخزانة الأميركي، لم يعد التهديد بفرض رسوم إضافية بنسبة 100% مطروحاً بشكلٍ فعلي. كما سيجري على الأرجح تأجيل شريحة أخرى من الرسوم، كان من المقرر أن تدخل حيّز التنفيذ في 10 تشرين الثاني. وقد تُلغى حتى رسوم أخرى بنسبة 20% على السلع الصينية، وهي رسوم كانت قد فُرضت لمعاقبة البلاد على دور شركاتها في تجارة الفنتانيل. وبعد كل هذه التنازلات الأميركيّة، ستبقى هناك رسوم أميركيّة فعّالة تتراوح نسبتها بين 20% و30%، على السلع الصينية، وفقًا لجاوبِـنغ شينغ من بنك ANZ الأسترالي.
مقابل بعض التخفيف في الرسوم، ستلتزم الصين على الأرجح بشراء كميات كبيرة من فول الصويا الأميركي، بعد أن أمضت السنوات الماضية في تحويل مصدر مشترياتها الرئيسي إلى البرازيل. مع الإشارة إلى أنّ فول الصويا شكّل العام الماضي أكبر صادرات أميركا إلى الصين، بقيمة نحو 12.6 مليار دولار. ويستفيد من هذه التجارة بشكلٍ أساسيّ مزارعو الغرب الأوسط الأميركي، وهم فئة تميل إلى دعم ترامب.
في العادة، تستخدم الصين فول الصويا لتعزيز البروتين، في أعلاف الحيوانات. لكن هذا العام، تجنّبت الصين شراءه من أميركا، ما أضرّ بالمزارعين الأميركيين. ولذلك، ستكون موافقة الصين على شراء فول الصويا الأميركي تنازلًا رخيصًا من جانب شي، فالصين ستحتاج إلى فول الصويا الأميركي في نهاية العام على أي حال، حين تُستنزف الإمدادات من مصادر أخرى.
قد تشمل التفاهمات الأخرى رسوم الموانئ. حيث يمكن للبلدين أن يتفقا على التراجع عن الرسوم الإضافية، التي فرضها كلّ منهما على سفن الطرف الآخر. كما يمكن للصين أن تمنح موافقتها على انتقالٍ سلس للنسخة الأميركية من تيك توك، إلى مُلّاك أميركيين. كلا الأمرين سيكونان عرضين سهلين يمكن لشي تقديمهما لترامب، ما سيمنح ترامب مكاسب سياسيّة في الداخل.
مستويان أصعب من المفاوضات
المستوى الثاني والأصعب من المفاوضات سيتعلّق بالضوابط المفروضة على تدفّق السلع والملكية الفكرية ورأس المال بين البلدين.
تُعدّ المعادن النادرة مثالًا على هذه القضية الشائكة. وزير الخزانة الأميركي يعتقد أنّ بكين ستؤجّل تطبيق نظامها الجديد، الذي فرض قيوداً على تصدير المعادن النادرة من الصين. لكنّ الصين لم تعلّق على هذه المزاعم بعد. ومن غير المرجّح أن تتخلّى الصين تماماً عن هذا النظام، بالنظر إلى هيمنتها على سوق المعادن النادرة، التي تدخل في صناعة السلع التكنولوجيّة الحسّاسة.
وفي المقابل، تتوقّع الصين من أميركا، على الأرجح، أن تُخفّف ضوابطها على التصدير هي أيضًا، ومنها تلك التي تمنع الشركات الأميركيّة من بيع أشباه الموصلات المتقدّمة للصين.
أي اتفاق يُبادل وصول أميركا إلى المعادن النادرة بوصول الصين إلى أحدث الشرائح الإلكترونية، سيكون انتصارًا لشي.
المستوى الثالث والأصعب في صناعة أي اتفاق يتعلّق بالملفّات الجيوسياسيّة. يريد ترامب أن تُنهي روسيا الحرب في أوكرانيا، ومن الممكن أن يكون للصين دور في المساعدة على ذلك. أما شي، فيسعى لدفع ترامب لتغيير موقفه من تايوان، عبر القول بأنه "يعارض" استقلال الجزيرة التي تحكم نفسها ذاتيًا (السياسة الأميركيّة الحالية تكتفي بعدم دعم فكرة الاستقلال).
التجارب السابقة
إذا تمّ التوصل إلى اتفاق يشمل أسهل مجالات التفاهم، فقد يمهّد ذلك الطريق أمام زيارة ترامب للصين مطلع العام المقبل. وعندها فقط قد يجري التعامل مع بعض النقاط الأصعب. وربما تكون الهدنة مناسبة للطرفين على أي حال. فقد تُعطي الصين مثلًا وقتًا لإيجاد موظفين، لإدارة نظامها الجديد لضبط تصدير المعادن النادرة. وقد تستعدّ أميركا لطرق أخرى للردّ على الصين، كالنظر في تقييد تدفّق قطع غيار الطائرات أو البرمجيات المتقدمة المستخدمة في تصميم الشرائح الإلكترونية.
تشير التجارب السابقة إلى أن أيّ صفقةٍ تُبرَم بين القوتين العظميين قد لا تدوم طويلًا. فقد انهارت عدة هدن هذا العام. وعام 2020، توصّل زعيما البلدين إلى اتفاق تجارة مرحلي، وهو الاتفاق الذي تزعم الولايات المتحدة الأميركيّة عدم تقيّد الصين به حاليًا.
كل ذلك لا يدعو إلى التفاؤل باتفاق مستدام يشمل أصعب القضايا التي تواجه أميركا والصين.
