وصل الرئيس السوري أحمد الشرع، إلى العاصمة السعودية الرياض، في زيارة رسمية تهدف إلى تعزيز التعاون الاقتصادي والاستثماري بين سوريا والمملكة العربية السعودية. ويشارك الشرع في النسخة التاسعة من منتدى مبادرة مستقبل الاستثمار، الذي يجمع كبار المستثمرين والشركات العالمية في العاصمة السعودية.
وعلى هامش حضوره للمؤتمر، استقبل وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان الرئيس الشرع في مقر إقامته بالرياض، بحضور وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، في خطوة تعكس الأهمية الكبيرة التي توليها الرياض ودمشق لتطوير العلاقات الثنائية، وتعزيز الشراكات الاقتصادية والاستثمارية.
صندوق إيلاف الاستثماري
وكان وزير الاستثمار السعودي خالد الفالح، قد كشف أمس الاثنين في الرياض، أن المملكة بصدد إطلاق صندوق إيلاف الاستثماري بهدف تعزيز التمويل الاستثماري في سوريا، الدولة التي تأثرت بالحرب طيلة السنوات الأربعة عشر الماضية.
وأوضح الفالح أن وزارة الاستثمار السعودية تعمل على تمكين إنشاء عدد من الصناديق الاستثمارية في مختلف القطاعات ودعمها، مشيرًا إلى أن صندوق إيلاف سيكون برأس مال كبير، ويديره فريق متخصّص لاستكمال المتطلبات التنظيمية لإطلاقه، بالشراكة بين القطاع الخاص السعودي ومستثمرين إقليميين ودوليين أعلنوا استعدادهم للمساهمة.
في هذا السياق، أكد خبراء اقتصاديون أن إطلاق الصندوق يمثل فرصة استراتيجية لدعم الاقتصاد السوري، خصوصًا في مجالات البنية التحتية، الطاقة، الصناعة والخدمات، مشيرين إلى أن نجاحه يعتمد على قدرة الحكومة السورية على توفير بيئة استثمارية مستقرة، وقواعد تنظيمية واضحة لجذب المستثمرين.
ويفتح صندوق إيلاف الباب أمام تحسين التعاون المصرفي والمالي بين البلدين، بما في ذلك تسهيل التحويلات الاستثمارية وإدارة المشاريع المشتركة بشفافية وكفاءة، ويأتي هذا التطور في وقت يسعى فيه الطرفان إلى تعزيز العلاقات الاقتصادية العربية بعد سنوات من التوتر والعزلة المالية لسوريا.
سوريا نحو النهضة الاقتصادية الإقليمية
من جهته، يرى المستشار الاقتصادي ورئيس مجلس النهضة السوري، عامر ديب، أن زيارة الرئيس الشرع إلى منتدى مبادرة مستقبل الاستثمار (FII) في الرياض تمثل لحظة فارقة في مسار الاقتصاد السوري، معلنًا أن هذه الزيارة تعكس دخول سوريا إلى "مرحلة النهضة الاقتصادية الإقليمية من أوسع أبوابها".
ويوضح ديب في حديثه مع "المدن"، أنّ المملكة العربية السعودية، صاحبة أحد أقوى الاقتصادات العربية وأكثرها تنوعًا، نجحت بواسطة رؤية 2030 في تحويل بنيتها الاقتصادية من الاعتماد على النفط إلى اقتصاد استثماري متكامل يعتمد على المعرفة والطاقة المتجددة والسياحة والبنية التحتية الذكية، وهذا ما يجعلها نموذجًا عربيًا للتنمية المستدامة ويفتح الباب أمام شراكات مستقبلية واسعة مع دول المنطقة، وفي مقدمتها سوريا التي تمتلك فرصًا واعدة في مجالات الطاقة والنقل والزراعة والخدمات اللوجستية.
ويؤكد ديب أن "التفاؤل وحده لا يكفي"، موضحاً أن مرحلة الانفتاح تحتاج إلى إصلاحات هيكلية حقيقية داخل سوريا لضمان تحويل النوايا والتفاهمات إلى نتائج اقتصادية ملموسة، "فالتكامل الاقتصادي لا يُبنى بالتصريحات؛ بل بالمؤسسات والإجراءات والشفافية"، وفق وصفه.
وعن البعد السياسي للزيارة، يعتبر ديب أنها ترسل رسائل عميقة، أولها أن سوريا تعود إلى الساحة الدولية بوصفها شريكاً في التنمية، لا بوصفها مستقبلاً للمساعدات، وثانيها أن السعودية تربط بين الحلول السياسية والتنمية الاقتصادية، معتبرةً أن بناء الاستقرار الإقليمي يمر عبر التعاون وليس العزلة.
كذلك، يضيف ديب أن البنية التحتية في سوريا ما زالت بحاجة إلى إعادة بناء شاملة تشمل الطرق والمصانع والأنظمة الإدارية والمصرفية والتشريعية، موضحًا أن نجاح أي استثمار يتطلب بيئة قانونية ومؤسساتية شفافة قادرة على حماية الحقوق وتسهيل الإجراءات.
ويشير إلى دور وزارة الطاقة في تقديم التسهيلات والدعم للمشاريع الخارجية والداخلية، ويؤكد أن تحويل مذكرات التفاهم إلى مشاريع تنفيذية يحتاج إلى جهود كبيرة لبناء ثقة المستثمرين العرب والأجانب عبر إصلاح إداري ومصرفي متكامل.
ويقول ديب: إن سوريا تتمتع بموارد كبيرة في قطاعات متعددة تشكل قاعدة جذب للاستثمارات الخليجية، خصوصًا السعودية، مثل الطاقة المتجددة (الشمسية وطاقة الرياح)، الزراعة، التحول الرقمي والبنية التحتية الذكية، وإعادة الإعمار والبناء، مع التأكيد أن تحقيق هذه الإمكانات يحتاج إلى خطة وطنية شاملة، وشراكات استراتيجية طويلة الأمد.
ويختم ديب بالتأكيد أن زيارة الرئيس الشرع تؤكد تحول سوريا من دولة تبحث عن المساعدات إلى شريك فاعل في التنمية الإقليمية، وأن أي تحالف اقتصادي متين بين سوريا والسعودية يحمل أبعادًا سياسية واسعة، مشددًا على أن الاقتصاد هو اللغة الأصدق في بناء الثقة بين الدول، وأن هذه الزيارة تمثل خطوة أولى نحو مرحلة جديدة من التكامل العربي الحقيقي، حيث يكون الاقتصاد جسر السياسة والتنمية عنوان المستقبل.
الزيارة الثالثة إلى السعودية
شهدت العلاقات السورية-السعودية دفعة جديدة مع الزيارة الثالثة للرئيس الشرع إلى المملكة منذ توليه الحكم، في خطوة استراتيجية تهدف إلى إعادة فتح سوريا اقتصادياً ودبلوماسياً على مستوى العالم العربي والمجتمع الدولي.
كانت أولى هذه الخطوات في شباط، حين التقى الرئيس الشرع الأمير محمد بن سلمان في الرياض، حيث أكّد الجانبان أهمية استقرار سوريا وتسريع جهود إعادة الإعمار، بما يعزز من فرص الاستثمار والتعاون التجاري بين البلدين.
وجاءت زيارة أيار لتؤكد هذا المسار؛ إذ جمع اللقاء ولي العهد السعودي بالرئيس الشرع والرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، حيث أُعلن عن دعم واشنطن لإعادة إعمار سوريا وتخفيف العقوبات الاقتصادية، وهذا ما يفتح الباب أمام حركة استثمارية وتجارية محتملة بين الخليج وسوريا.
