سوريا على خريطة الكابلات البحرية: ممرّ رقمي بلا مردود

دمشق - رهام عليالاثنين 2025/10/27
سوريا (Getty)
سوريا ممر للكابلات بلا فائدة محلية (غيتي)
حجم الخط
مشاركة عبر

رغم هشاشة البنية التحتية المحلية، تمتلك سوريا موقعاً جغرافياً بالغ الأهمية في شبكة الكابلات البحرية العالمية، فالساحل السوري، ولا سيما ميناء طرطوس، يستضيف نقاط هبوط رئيسية لأنظمة كابلات مثل Ugarit وAletar وBerytar، التي تربطها بدول الجوار كقبرص ولبنان ومصر. 

وُضعت هذه الأنظمة منذ سنوات، فيما تُظهر الخرائط الحديثة أن سوريا ليست معزولة رقمياً بل ممراً فعلياً لتدفق الإنترنت بين الشرق الأوسط وأوروبا، لكن المفارقة أنّ هذا الدور "الممرّي" لم يتحوّل بعد إلى استفادة استراتيجية تُترجم في سرعة أو جودة خدمة الإنترنت للمستخدم السوري.

 

مشاريع مُعلَنة

وخلال العامين الأخيرين، ظهرت إعلانات عن مشاريع كابلات بحرية جديدة، أبرزها Ugarit-2 وSilkLink، إضافة إلى مشروع Alasia بالتعاون مع شركاء دوليين. 

وعدت هذه المبادرات برفع السعة وتحسين الاعتمادية عبر وصل سوريا بقبرص ودول شرق المتوسط، فمشروع SilkLink يخطط لتمديد شبكة ألياف ضوئية بطول نحو 4500 كيلومتر، لربط المدن الكبرى مثل دمشق وحلب، مع توفير نقطة هبوط للكابلات البحرية في طرطوس.

أما في أيار 2025، فقد أعلن وزير الاتصالات السوري عبد السلام هيكل عن إطلاق الجيل الخامس من الاتصالات تجريبيًا في دمشق، مؤكدًا أن الحكومة تعمل على تحويل سوريا إلى مركز إقليمي للاتصالات والبيانات.

 

اتفاقية "ميدوسا": نافذة إلى الإنترنت العالمي

وفي تطوّر يُعدّ الأبرز منذ أكثر من عقد، وقّعت وزارة الاتصالات السورية اتفاقية مع شركة Medusa Submarine Cable System الإسبانية لإنزال أول كابل بحري دولي في ميناء طرطوس، يربط سوريا مباشرة بشبكة الاتصالات العالمية دون الحاجة إلى وسطاء.

يمتدّ هذا الخط من البرتغال مرورًا بعدة مرافئ في البحر المتوسط وصولًا إلى الساحل السوري، ما يجعل المشروع خطوة تاريخية في إعادة دمج البلاد ضمن الخريطة الرقمية الدولية.

وبحسب وزارة الاتصالات، يشكّل الكابل البحري الجديد رافعة استراتيجية لتحديث البنية التحتية وكسر العزلة الرقمية التي فرضتها الحرب والعقوبات، إذ يتيح تنويع مسارات الربط الدولي وتقليل الاعتماد على المسارات البرّية الطويلة وغير المستقرة.

كما يُتوقع أن يسهم المشروع في رفع سرعة الإنترنت، وخفض زمن الاستجابة إلى نحو 30–35 ملي ثانية، وتقليل تكاليف نقل البيانات عبر توفير مسارات أقصر وأكثر موثوقية.

ويهدف الكابل أيضًا إلى توفير بنية تحتية رقمية متطورة تدعم القطاعين العام والخاص، وتفتح المجال أمام الاستثمار في الخدمات السحابية، والتعليم عن بعد، والتجارة الإلكترونية.

ويرى مراقبون أن الاتفاقية مع "ميدوسا" قد تُعيد رسم موقع سوريا على الخريطة التقنية في شرق المتوسط، عبر تحويلها من مجرّد ممرّ للكابلات إلى جسر رقمي بين آسيا وأوروبا يعزّز قدرتها التنافسية ويواكب مشاريع إقليمية مشابهة في مصر وقبرص.

 

بيئة الاستثمار الرقمي بين الفرص والعوائق

في حديثه مع "المدن"، يرى رجل الأعمال فيصل العطري، أن موقع سوريا الجغرافي يمنحها فرصة نادرة لتكون ممرًّا رقميًا بين آسيا وأوروبا، لكن البيئة الاقتصادية والتشريعية الحالية لا تزال بحاجة إلى تطوير عميق لتواكب هذا الطموح. فالبنية التشريعية، بحسب العطري، "غير ملائمة بعد لاستقطاب الاستثمارات في مجال البنية التحتية الرقمية"، غير أنه يشير إلى أن هذا الواقع "ليس قدرًا ثابتًا"، إذ تعمل الوزارات المعنية على تعديل القوانين بما يتماشى مع متطلبات المرحلة المقبلة، خصوصًا مع اكتمال دورة مجلس الشعب الجديدة.

وعن أبرز العوائق التي تواجه مشاريع الكابلات البحرية والضوئية في سوريا، يلفت العطري إلى أنها تتعلق بغياب الأطر القانونية الواضحة التي تنظم الاستثمار في هذا القطاع، موضحًا أن البلاد تفتقر حتى الآن إلى تشريعات تنظم المرور البحري للكابلات، وآليات الترخيص، والتعاون الدولي في مدّ الكابلات عبر الأراضي والمياه الإقليمية السورية.

أما على المستوى الأوسع، فيؤكد العطري أن "الموقع الجغرافي وحده لا يكفي لتحويل سوريا إلى ممر رقمي إقليمي"، فهناك تحديات إضافية مثل العقوبات والعزلة الدولية، إضافة لضعف الثقة بقدرة البلاد على حماية البنية التحتية الحيوية، وضرورة تحقيق الاستقرار الأمني والسياسي والتشريعي. 

ويرى رجل الأعمال أن "الاستقرار والسمعة هما العاملان الحاسمان في أي مسار نحو التحول الرقمي"، داعيًا إلى بناء بنية تحتية رقمية مفتوحة (Open Access Infrastructure) تسمح بمشاركة القطاعين العام والخاص في تطوير هذا القطاع الحيوي.

 

طريق الحرير يعود رقمياً

من جانبه، يقول الخبير الاستراتيجي في الاتصالات ومراكز البيانات المهندس خالد الحمصي: "إن موقع سوريا الاستراتيجي ضارب في القدم، فقد مرّ عبر أراضيها طريق الحرير من الشرق إلى الغرب، ثم قوافل التجارة من الجنوب إلى الشمال وبالعكس".

ويشير الحمصي في حديث لـ"المدن"، إلى أن تطور الحضارة غيّر شكل التجارة، فأصبح تدفق البيانات والإنترنت شكلاً جديداً من أشكالها، ما يجعل من الطبيعي أن تعود الممرات التاريخية إلى الواجهة، وأن تكون سوريا مجدداً على رأسها، بشواطئها القريبة من أوروبا وتركيا، وموقعها المجاور للجزيرة العربية والعراق ومصر. كذلك، يعتبر الحمصي أن "السواحل السورية مؤهلة لأن تكون نقطة وصول مثالية للكابلات البحرية القادمة من أوروبا، فيما يمكن أن تشكّل أراضيها ممراً لخطوط أرضية تصل إلى العراق وتركيا ولبنان ودول الخليج عبر الأردن".

يتكرر الحديث عن أن الموقع المميز لا يكفي وحده، فيؤكد الحمصي أن سوريا تواجه تحدياً كبيراً بسبب تردي البنية التحتية وتعرّض أجزاء واسعة منها للدمار، ما يتطلب استثمارات ضخمة ووقتاً طويلاً لإعادة بناء شبكة ألياف ضوئية أرضية تشكّل العمود الفقري لمرور البيانات، إضافة إلى مراكز بيانات ونقاط تحويل على امتداد البلاد، فضلاً عن تمديد الكابلات البحرية وإنشاء محطات ربط على الساحل السوري.

وهنا يتوقف نجاح هذه المشاريع على ثلاثة شروط وفقاً لـ الخبير الاستراتيجي في الاتصالات: أولها ضمان الأمن والاستقرار في كامل الأراضي السورية؛ ثانياً، إبرام اتفاقيات مجدية مع دول الجوار لمرور الكابلات الأرضية؛ وثالثاً، إيجاد شركاء استراتيجيين لتمديد وتشغيل وصيانة الكابلات البحرية. 

وفيما تبرز ضرورة تأمين مسارات بديلة لضمان استمرارية تدفق البيانات في حال الأعطال أو الصيانة، يرى الحمصي أن الخطوة الأهم لاحقاً هي "الاستثمار الأمثل في هذه الشبكة عبر تأسيس مراكز بيانات بمعايير دولية، حتى تتحول سوريا من مجرد ممر إلى مركز رقمي إقليمي موثوق".

 

كيف استفاد الجوار؟

بينما تكتفي سوريا بلعب دور "ممرّ صامت"، تبنت دول مجاورة استراتيجيات أكثر جرأة، فـمصر مثلاً، تحوّلت إلى عقدة عالمية أساسية عبر استثمارات ضخمة في مراكز هبوط جديدة، كان أحدثها مشروع IEX في حزيران 2024. 

أما قبرص، فقد عززت مكانتها كبوابة أوروبية بفضل مشاريع مثل Alasia بالشراكة مع شركات دولية، ما أتاح لها تقديم خدمات عبور موثوقة للأسواق الإقليمية. 

وهذا يعكس مفارقة واضحة: بلد يمر عبره الإنترنت إلى العالم لكنه يبقى معزولاً عن فوائده الحقيقية، وبينما تُظهر خرائط الكابلات موقعاً استراتيجياً، تروي الانقطاعات اليومية قصة هشاشة، وتكشف المقارنات مع الجوار فجوة استثمارية كبيرة.

Loading...

تابعنا عبر مواقع التواصل الإجتماعي

إشترك في النشرة الإخبارية ليصلك كل جديد

اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث