خط الحجاز التاريخي يتحرّك بجهود ثلاثية: انطلاق نحو المستقبل!

دمشق - رهام عليالاثنين 2025/10/20
468401268.jpg
هل يعود خط الحجاز التاريخي (غيتي)
حجم الخط
مشاركة عبر

بعد أكثر من ثلاثة عشر عاماً من التوقف، تشهد حركة النقل البري بين تركيا والأردن عبر الأراضي السورية عودة لافتة، بالتوازي مع تحريك ملف خط الحجاز التاريخي الذي ظل لسنوات محوراً رمزياً للربط بين بلاد الشام والحجاز.

ففي اجتماع ثلاثي جمع وزراء النقل في سوريا وتركيا والأردن في العاصمة الأردنية عمّان في أيلول الفائت، اتفقت الدول الثلاث على خطوات عملية لإحياء السكة الحديدية التاريخية واستئناف حركة الشحن البري بين أنقرة وعمّان، بعد انقطاع دام أكثر من عقد.

 

اتفاق ثلاثي لإحياء السكة التاريخية

خلص الاجتماع إلى تفاهم حول استكمال 30 كيلومتراً ناقصة من مسار الخط داخل الأراضي السورية، بدعم تركي مباشر، مع تكليف الأردن بدراسة الإمكانات الفنية لتشغيل وصيانة القاطرات الخاصة بها حتى دمشق.

وشمل النقاش أيضاً ممرات النقل الجديدة التي تعزز ربط تركيا بالبحر الأحمر عبر ميناء العقبة، في خطوة من شأنها إعادة تنشيط حركة التجارة الإقليمية وتوفير بدائل لوجستية أكثر كفاءة للبضائع والمسافرين.

 

من التاريخ إلى المستقبل

تعود جذور سكة حديد الحجاز إلى عهد السلطان العثماني عبد الحميد الثاني، الذي أطلق المشروع بين عامي 1900 و1908 ليربط دمشق بالمدينة المنورة مروراً بدرعا وحيفا، وليتحول في حينه إلى شريان اقتصادي وديني حيوي للحجاج والتجار على حد سواء.

لكن هذا الخط توقف عن العمل تدريجياً بعد الحرب العالمية الأولى، ومع اندلاع النزاعات في المنطقة تراجع دوره بالكامل. واليوم، بعد أكثر من قرن، تعود الدول المعنية لإحياء السكة، بما يفتح الباب أمام نقلة اقتصادية وجيوسياسية جديدة في المنطقة.

 

ربط إقليمي واسع وخفض لتكاليف النقل

يرى الخبير الاقتصادي والباحث في الشأن التركي أدهم قضيماتي في تصريح لـ"المدن"، أن استكمال خط الحجاز يشكل خطوة حيوية نحو ربط إقليمي فعّال بين سوريا وتركيا والأردن في مرحلة أولى، إذ سيسمح بانتقال البضائع والأشخاص من تركيا إلى الأردن عبر خط واحد، ما يمنح سوريا مكاسب مباشرة من رسوم العبور وفرصاً أكبر لتصدير منتجاتها نحو البلدين.

ويضيف قضيماتي أن تركيا بدورها ستستفيد من فتح آفاق تجارية جديدة باتجاه سوريا والأردن، ولاحقاً إلى الخليج العربي عبر العقبة، ووفقاً لـقضيماتي فإن "الاعتماد على السكك الحديدية يقلل من تكاليف النقل مقارنة بالنقل البري، ويمهّد لإمكانية تمديد المشروع مستقبلاً داخل دول الخليج وصولاً إلى اليمن وسلطنة عمان".

 

الأردن: العقبة بوابة الربط مع البحر الأحمر

وكانت قد نقلت صحيفة The Jordan Times عن مصدر في وزارة النقل الأردنية قوله إن المشروع "يشكّل خطوة استراتيجية لإعادة تنشيط ممرات النقل القديمة وتوسيع حركة الشحن عبر العقبة"، مؤكداً أن عمّان تدرس إمكان تشغيل قاطراتها على الخط حتى دمشق ضمن خطة مشتركة مع سوريا وتركيا.

وأوضح المصدر للصحيفة في وقت سابق، أن الربط الجديد سيسمح بوصول البضائع التركية إلى البحر الأحمر والخليج العربي عبر الأراضي الأردنية، الأمر الذي يعزز مكانة الأردن كمحور لوجستي إقليمي، ويفتح المجال أمام حركة تبادل تجاري أوسع بين آسيا وأوروبا.

 

سوريا: ممر منافس لقناة السويس

من جانبه، يؤكد مدير النقل الطرقي في وزارة النقل السورية علي أسبر، أن الوزارة باشرت فعلياً في تقويم الوضع الفني للجزء الناقص من الخط داخل الأراضي السورية، بما يشمل تحديد المسارات والكميات المطلوبة لإعادة التأهيل بعد الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية خلال سنوات الحرب.

ويشير أسبر في تصريح لـ"المدن"، إلى أن هناك تنسيقاً مستمراً مع الجانبين التركي والأردني لإعادة تأهيل السكة وتفعيل محور استراتيجي يمتد من أوروبا عبر تركيا وسوريا والأردن وصولاً إلى خليج العقبة ودول الخليج، موضحاً أن هذا المشروع "يعيد استثمار موقع سوريا الاستراتيجي كممر حيوي للتجارة الإقليمية".

ويضيف أن الفوائد الاقتصادية للممر السككي كبيرة جداً، ليس فقط على مستوى الناتج المحلي السوري، بل كـ"ممر ترانزيت دولي" يمكن أن يشكّل منافساً فعلياً لقناة السويس في بعض أنواع الشحن البري-البحري.

كذلك، يلفت أسبر إلى وجود مشاريع دولية قيد الدراسة، تهدف إلى نقل البضائع من أوروبا إلى الخليج عبر سوريا، إلى جانب مشروع طرقي مركزي ضمن نظام الـBOT يربط سوريا بتركيا وأوروبا، وهو ما يعزز مكانة البلاد كممر أساسي في حركة التجارة الإقليمية.

 

آفاق جديدة للتعاون الإقليمي

تُجمع المؤشرات على أن الخطوات الثلاثية لإحياء خط الحجاز قد تعيد رسم خارطة النقل في المشرق العربي، عبر ممر بري وسككي يختصر المسافات ويقلل التكاليف، ويمنح سوريا والأردن وتركيا موقعاً محورياً في حركة التجارة بين آسيا وأوروبا.

لكن نجاح المشروع يبقى رهناً بمدى قدرة الأطراف الثلاثة على تذليل التحديات الفنية والسياسية، وتأمين التمويل اللازم لاستكمال البنية التحتية المتضررة.

وبينما تعود سكّة الحجاز إلى الواجهة بعد قرن من الزمن، يبدو أن المنطقة تستعد لمرحلة جديدة من الربط الاقتصادي، قد تجعل من دمشق مجدداً محطة رئيسية في طرق التجارة العالمية.

Loading...

تابعنا عبر مواقع التواصل الإجتماعي

إشترك في النشرة الإخبارية ليصلك كل جديد

اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث