بالفيديو: ذهب سوريا.. بريق عالمي يخبو في جيوب السوريين

دمشق - رهام عليالأحد 2025/10/19
ذهب سوريا (المدن)
انكماش القدرة الشرائية للسوريين (المدن)
حجم الخط
مشاركة عبر

على وقع الارتفاع القياسي لأسعار الذهب عالمياً، التي تجاوزت فيها الأونصة حاجز 4249 دولاراً أمريكياً مسجّلةً واحداً من أعلى مستوياتها التاريخية، تشهد الأسواق السورية حالة من الترقّب والجمود في آنٍ معاً. ففي دمشق، وصل سعر غرام الذهب من عيار 21 إلى نحو مليون و440 ألف ليرة سورية، أي ما يعادل قرابة 125.5 دولاراً أمريكياً، فيما وصل غرام عيار 18 إلى نحو مليون و235 ألف ليرة سورية، أي ما يقارب 107.5 دولارات، وفقاً لبيانات نقابة الصاغة بدمشق.

ورغم هذا الارتفاع اللافت، رصدت "المدن" خلال جولتها الميدانية في سوق الذهب بالحريقة وعدد من الأسواق الدمشقية حركة بيع وشراء ضعيفة بشكل ملحوظ، إذ بدت بعض المحلات شبه خالية من الزبائن في بعض الأسواق، ومزدحمة في بعضها الٱخر مثل محلات الذهب الواقعة في شارع خالد بن الوليد، بينما يؤكد عدد من الصيّاغ أنهم توقفوا عن تصنيع موديلات جديدة نتيجة تراجع القدرة الشرائية وتزايد المخاوف الأمنية والمعيشية.

بالتوازي، وفيما يواصل المعدن الأصفر صعوده عالمياً مدفوعاً بالاضطرابات الاقتصادية والتوترات الجيوسياسية، يبقى السوق المحلي أسير الأوضاع الاقتصادية الصعبة، ليغدو الذهب في سوريا رمزاً مزدوجاً: ملاذاً آمناً على الورق، وسلعة صعبة المنال في الواقع اليومي.

ذهب سوريا (المدن)

 

بين الأونصة والسيولة المحلية

يُجمع خبراء الاقتصاد على أن ما تشهده الأسواق السورية من ركود في تجارة الذهب، رغم القفزة التاريخية لأسعاره عالمياً، يعكس عمق الأزمة النقدية والمالية التي تعصف بالبلاد. فارتفاع الأونصة إلى أكثر من 4200 دولار رفع الأسعار المحلية إلى مستويات قياسية، لكن من دون أن يخلق حركة استثمار أو طلب حقيقي، بسبب انكماش القدرة الشرائية وغياب السيولة لدى الأفراد.

فالذهب، الذي كان يُنظر إليه تقليدياً كملاذ آمن ضد تراجع قيمة العملة، بات اليوم خارج متناول معظم السوريين، بعدما تجاوز سعر الغرام، عيار الـ21 ، مليوناً ونصف المليون ليرة سورية، أي ما يعادل رواتب عدة أشهر لموظف حكومي. ومع تدهور الدخل الحقيقي وتذبذب سعر الصرف، أصبح شراء الذهب مغامرة مالية أكثر من كونه وسيلة ادخار، فيما يكتفي كثير من الصيّاغ بتصريف الكميات القديمة بدلاً من استيراد أو تصنيع جديدة خوفاً من الخسارة.

ويرى محلّلون أن استمرار هذا الارتفاع العالمي، في ظل غياب استقرار نقدي محلي، سيزيد من فجوة القيمة بين السوقين العالمية والمحلية، ويحوّل الذهب في سوريا من سلعة استثمارية إلى مؤشّر على عمق الأزمة الاقتصادية. فالمعدن الأصفر لم يعد مرآة للثقة، بل مقياساً للعجز المعيشي الذي يدفع المواطن السوري بعيداً حتى عن حلم اقتناء "غرام أمان".

 

بين المضاربة والثقة المفقودة

خلال جولتنا في سوق الذهب بالحريقة في دمشق، يظهر واضحاً كيف تتحرك أسواق الذهب اليومية على إيقاع الأونصة العالمية والدولار المحلي.  وفي حديثه إلى "المدن" يوضح الصائغ نيكولاس مباردي، أنه يراقب بورصات لندن ونيويورك باستمرار، ويشير إلى أن السعر العالمي للذهب في سوريا يقارب السوق اللبنانية، مع فارق جوهري يتمثل في أن "بعض القطع اللبنانية مستوردة من إيطاليا ولا تخضع لرقابة نقابة الصاغة، بينما تبقى أجرة الصياغة في سوريا أرخص لكونها مراقبة"، بحسب قوله. 

ويضيف مباردي أن الأونصة كانت قبل شهر تقارب 3200 دولار واليوم تتجاوز 4000 دولار، وأن كل الغرامات تُصنّع محلياً، ما يجعل فرق البيع والشراء ضئيلاً مقارنة بتغير سعر الأونصة العالمي.

أما عن تأثير الدولار على السوق المحلية، يوضح مباردي أن الليرة الذهبية ارتفعت خلال الشهر الماضي من 10 ملايين إلى 11 مليون مقابل الدولار، أي أصبح سعرها ما يعادل نحو ألف دولار، ما انعكس على أسعار الذهب. ويبين أن أجرة الصياغة تتراوح بين 150 و200 ألف ليرة للقطة أيّ نحو 20 دولاراً، بحيث أن بيع القطعة يخسر من قيمتها خلال ساعات نتيجة تغير أسعار البورصات العالمية. 

وعن الإقبال الكبير على الذهب، يرى مباردي أن ذلك يأتي نتيجة فقدان الثقة في العملة الورقية، بينما تواجه السوق مضاربات ومنافسة غير شريفة من بعض التجار، ما يزيد من اضطراب السوق.

من جهته، يوضح الصائغ راغب جزماتي لـ"المدن"، أن ارتفاع الأونصة عالمياً والدولار محلياً، يلعب دوراً محورياً في تحديد الأسعار اليومية لسعر غرام الذهب بالاسواق السورية.

كذلك، يضيف أن "الانخفاض السابق في الطلب كان مرتبطاً بالشراء الكبير للسيارات بعد سقوط النظام، حيث استنزفت الأسواق السيولة المخصصة للذهب، حتى أن بعض المواطنين اشتروا سيارات دون أن يملكوا ثمن البنزين، فيما اليوم يقتصر المشترون على من يمتلك دولارات من الحوالات، والكميات الكبيرة تظهر يومياً في السوق".

أما المواطنين الذين يتجولون في السوق، فيشير أحدهم لـ "المدن"، إلى أن الناس كانت عادة تجمد أموالها في الذهب، لكن الظروف المعيشية الصعبة تجعل شراء الذهب حالياً أمراً شبه مستحيل، بل يضطرون أحياناً إلى بيع ما ادخروه لتغطية مصاريف الشهر، ما يحوّل الذهب من وسيلة ادخار إلى أداة لتسيير الحياة اليومية.

وعليه، تكشف الجولة في سوق الحريقة أن الذهب في سوريا مرتبط مباشرة بالأونصة العالمية والدولار المحلي، وأن أي تغير سريع في السعر، حتى لو كان 50–100 دولار، ينعكس سريعاً على حركة البيع والشراء. ويظهر أن السوق يعاني من تذبذب الأسعار، المضاربة، وانخفاض القدرة الشرائية، فيما يحاول الصياغ والمواطنون التكيف مع الواقع الاقتصادي المضطرب.

Loading...

تابعنا عبر مواقع التواصل الإجتماعي

إشترك في النشرة الإخبارية ليصلك كل جديد

اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث