لبنان وصندوق النقد: الاتفاق مؤجّل...المحادثات تتعقّد مجددًا

علي نور الدينالسبت 2025/10/11
ياسين جابر وصندوق النقد (الوكالة الوطنية)
ثمة حاجة للمزيد من الخطوات، قبل أن ينضج الاتفاق ولو بشكلٍ مبدئي (الوكالة الوطنية)
حجم الخط
مشاركة عبر

من المرتقب أن تنطلق، مطلع الأسبوع المقبل اجتماعات الخريف التي يستضيفها صندوق النقد والبنك الدولي في واشنطن، والتي يُفترض أن تحضرها وفود من جميع أنحاء العالم، لمناقشة التحديات الماليّة والنقديّة المُستجدّة على الساحة الدوليّة. من جهة لبنان، بات من المعلوم أنّ الوفد الرسمي سيضم كلاً من وزير الماليّة ياسين جابر، وزير الاقتصاد عامر البساط، فضلًا عن حاكم مصرف لبنان كريم سعيد. أمّا رئيس لجنة المال والموازنة إبراهيم كنعان، فأعلن يوم أمس الجمعة مغادرته لحضور هذه الفعاليّة، على أن يلتقي "على هامشها مسؤولين في الإدارة الأميركيّة والكونغرس". 

بطبيعة الحال، وكما هي الحال دومًا في مثل هذا النوع من الاجتماعات، ستكون اللقاءات مناسبةً ليعرض الجانب اللبناني ما استجدّ على ساحته من تقدّم في تحقيق الإصلاحات، وخصوصًا تلك المرتبطة بالمحادثات مع صندوق النقد. وفي العادة، غالبًا ما كانت تُحدّد هذه المناسبة كاستحقاق، يسعى قبلهُ لبنان إلى إنجاز خطوات معيّنة، "ليحمل الوفد شيئًا ما في يده" إلى الاجتماعات، وفقًا للتعبيرات الرائجة محليًا. 

لكنّ هذه مرّة، من المرجّح أن تأتي مشاركة لبنان في الاجتماعات باهتة، في ظل التعقيدات المتزايدة التي تحيط بمحادثات لبنان والصندوق، وبعد تأجيل موعد الاتفاق المبدئي بين الطرفين بسبب هذه التعقيدات بالذات. ما سيسمعه المسؤولون اللبنانيون الأسبوع المقبل، لن يختلف عن ما سمعوه من بعثة الصندوق الشهر الماضي: ثمّة حاجة للمزيد من الخطوات، قبل أن ينضج الاتفاق ولو بشكلٍ مبدئي.

 

الاتفاق المبدئي المؤجّل

الواضح اليوم، هو أنّ الاتفاق المبدئي، الذي يفترض أن يحدّد شروط الاتفاق النهائي، لا يزال مؤجّلًا. فبعد أن حاولت وزارة الماليّة الوصول إلى هذا الاتفاق مع حلول الربع الأخير من السنة الحاليّة، أصبح هناك تفاهم غير معلن يقضي بتأجيل هذه الخطوة إلى الربع الأخير من السنة المقبلة، مع إمكانيّة التأجيل مجددًا إذا استمرّت الظروف الراهنة على حالها. ويمكن تفنيد العوامل التي أسهمت في الوصول إلى هذه النتيجة على النحو التالي:

- أولاً، مضمون قانون إصلاح أوضاع المصارف، الذي صادق عليه البرلمان في الهيئة العامّة، حفل بألغام عديدة كان قد حذّر منها صندوق النقد قبل إقرار القانون. وهذه الألغام، ستكون كفيلة بعرقلة تنفيذ القانون نفسه، ما لم يقم البرلمان بتعديل القانون ليتناسب مع شروط الصندوق. وما يطلبه الصندوق على وجه الخصوص، هو تعديل المواد التي تسمح للمصارف بالإفراط في استعمال حق الطعن، بتقييم لجنة الرقابة على المصارف، ما يمكن أن يشلّ قرارات التصفية أو إصلاح الوضع بالنسبة لكل مصرف. كما يطلب الصندوق تعديل تركيبة الهيئة المصرفيّة العليا، لإبعاد الأعضاء الذين يمثلون كيانات تتأثّر بقرارات جمعية المصارف أو المصارف التجاريّة. مع الإشارة إلى أنّ هذا القانون هو ما سيحدّد توزيع الصلاحيّات داخل مصرف لبنان، لتنفيذ عمليّة إعادة هيكلة القطاع المصرفي.

- ثانيًا، لم تُعالج كل خلافات وزارة الماليّة ومصرف لبنان بشأن مشروع قانون الفجوة الماليّة، الذي لم تتم إحالته بعد إلى مجلس الوزراء. مع الإشارة إلى أنّ هذا القانون هو ما سيحدّد كيفيّة توزيع خسائر القطاع وآليّات السداد للمودعين، وإقراره يُعتبر شرطًا قبل الوصول إلى أي اتفاق مع الصندوق. وبعد الاتفاق بين وزارة الماليّة ومصرف لبنان، على الحكومة أن تقرّ مشروع القانون، قبل مناقشته وإقراره لاحقًا في البرلمان. وهذا المسار، ما زال في بداياته.

- ثالثًا، هناك بعض الملاحظات الإضافيّة التي قدّمها الصندوق بخصوص مسارات أخرى، مثل الموازنة العامّة التي أحالتها الحكومة إلى المجلس النيابي، والتي لم تراع بعض ملاحظات الصندوق. وبعباراتٍ أدق، لم تشمل الموازنة، كما أشار بيان بعثة الصندوق، جميع أبواب الإنفاق المقدّرة، بما فيها تلك الممولة من الخارج. كما أعاد الصندوق المطالبة بإقرار الضريبة على المحروقات، في البرلمان، بعدما تم إبطال هذه الضريبة سابقًا بقرار من مجلس شورى الدولة، بسبب إقرارها حكوميًا من خارج نص تشريعي. 

 

خلافات قانون الفجوة

الجزء الأكثر تعقيدًا في كل هذا المسار، هو مشروع قانون الفجوة الماليّة، مع كل ما يتصل به من خلافات حول موضوع توزيع الخسائر وآليّات التعامل مع فجوة القطاع المصرفي. وفي هذا المجال، ثمّة عدّة مسائل عالقة:

- أولاً، الخلاف بين وزارة الماليّة ومصرف لبنان بشأن دين الـ 16.5 مليار دولار، الذي يطالب به مصرف لبنان كدين مستحق لمصلحته، على الدولة اللبنانيّة، فيما تصرّ وزارة الماليّة على عدم مشروعيّة هذا الدين. وعلى ما يبدو، تتجه الأمور إلى الأخذ بفكرة إجراء تدقيق خارجي، لتبيان مصدر هذه الالتزامات التي يطالب بها مصرف لبنان، والتي لم تظهر في ميزانيّته إلا عام 2023، حيث زعم الحاكم السابق رياض سلامة أنّ هذا الدين -غير المصرّح عنه سابقًا- تراكم على مراحل منذ العام 2007.

- ثانيًا،  مسألة مساهمة الدولة في إطفاء الخسائر، أو بعبارة أدق: حجم الخسائر التي سيتم تحويلها إلى ديون عامّة. ومن المعلوم أن تضخيم حجم هذه الديون، كما تطالب المصارف، سيعني رفع الدين الإجمالي إلى مستويات غير مستدامة، أي غير قابلة للسداد، ما يعني إعطاء المودعين "سمكًا في البحر"، إذا تحوّلت نسبة كبيرة من حقوقهم إلى التزامات على الدولة. 

- ثالثاً، الجانب المتصل بإمكانيّة استعمال الذهب الموجود في مصرف لبنان، مع ما يحيط بهذا النقاش من سيناريوهات مختلفة تتراوح ما بين بيع جزء من الاحتياطات أو رهنها أو إبقاؤها احتياطاً عاماً كفيل بضمان الالتزامات الإجماليّة المتوجبة على المصرف المركزي.

- رابعًا، وأخيراً: النقاش حول آليّات السداد للمودعين، بما في ذلك المقترحات المتصلة بتحويل جزء من حقوقهم إلى سندات طويلة الأجل. وفي هذا النقاش، تتشعّب التفاصيل المتصلة بموعد استحقاق هذه السندات، ونسبة الفائدة، والقيمة الإجماليّة، فضلًا عن الجهة التي ستتولّى السداد.

 

هكذا، لن نشهد خلال اجتماعات الخريف سوى لقاءات بروتوكوليّة، والتي قد تعيد التذكير بالملفّات العالقة في العاصمة بيروت. وبذلك، لن يحمل الوفد اللبناني الكثير بيده، ليقدّمه كدلالة على الاقتراب من الدخول في اتفاق مع صندوق النقد. وبعد عودة الوفد إلى بيروت، سيكون على السلطات اللبنانيّة معالجة العديد من الإشكاليّة القائمة: من الشلل التشريعي الحالي، الذي سيمنع التقدّم في إقرار الموازنة وتعديل قانون إصلاح المصارف، إلى الخلافات الداخليّة حول توزيع الخسائر، والحملات التي يشنّها اللوبي المصرفي ضد الحلول العقلانيّة لأزمة القطاع. 

Loading...

تابعنا عبر مواقع التواصل الإجتماعي

إشترك في النشرة الإخبارية ليصلك كل جديد

اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث