سوريا تقترب من إسقاط قانون "قيصر": خطوة نحو حرية اقتصادية؟

دمشق - رهام عليالجمعة 2025/10/10
مرفأ اللاذقية (غيتي)
سوريا تقترب من تعليق قانون قيصر (غيتي)
حجم الخط
مشاركة عبر

تداولت وسائل الإعلام خبرًا عن خطوات الكونغرس الأميركي التي قد تقرّب من إلغاء قانون "قيصر"، أحد أكثر التشريعات تأثيرًا في الاقتصاد السوري خلال السنوات الخمس الماضية.

ما جرى حتى الآن ليس إلغاءً رسميًا، بل تصويت على تعديلات متباينة ضمن قانون الاعتمادات الدفاعية لعام 2025، ما جعل سوريا “أقرب خطوة” نحو رفع العقوبات، رهنًا بإنهاء العملية التشريعية في الكونغرس وإصدار التوجيهات التنفيذية من الرئيس الأميركي.

الحدث يفتح الباب أمام تساؤلات كبرى حول مستقبل الاقتصاد السوري، وقدرته على التعافي بعد عقد من الانهيار والعزلة، لكن الخبراء يحذرون أن رفع العقوبات الكامل وظهور أثر اقتصادي ملموس لا يزال مرتبطًا بتوافق سياسي أميركي أوسع وصياغة نهائية للتشريع.

 

أول تعليق رسمي: العقوبات خلفنا

وفي أول تعليق رسمي من دمشق، عبر وزير المالية محمد يسر برنية عن فرحته بما كتبه على صفحته في فيسبوك، قائلاً: "إن مجلس الشيوخ الأميركي أقرّ ضمن موازنة وزارة الدفاع مادة لإلغاء قانون قيصر، على أن تُستكمل الإجراءات في مجلس النواب قبل توقيع الرئيس الأميركي عليها، ودخول الإلغاء حيّز التنفيذ قبل نهاية العام". وأوضح برنية أن أي محاولة مستقبلية لإعادة فرض القانون ستكون "مسارًا طويلًا وغير ملزم للكونغرس"، واعتبر القرار "نجاحًا للدبلوماسية السورية".

من جهته، رحّب حاكم مصرف سوريا المركزي عبد القادر حصرية بهذه الخطوة، معتبرًا أن إلغاء القانون يُشكّل "نقطة تحوّل" في تاريخ سوريا ومسارها الاقتصادي، كذلك، أكد حصرية أن المصرف سيواصل جهوده في إعادة الاستقرار المالي، وتعزيز الثقة بالليرة السورية، وفتح قنوات التجارة والاستثمار مع الشركاء الإقليميين والدوليين، مشيرًا إلى أن الطريق أمام التعافي لا يزال طويلاً لكنه ممكن بالجهود المشتركة للدولة والجالية السورية في الخارج.

 

قانون قيصر

لم يكن قانون "قيصر" مجرّد أداة عقوبات اقتصادية، بل تحوّل منذ إقراره في حزيران 2020 إلى رمز للضغط السياسي والإنساني الأميركي على النظام السوري السابق. وقد سُمّي بهذا الاسم نسبةً إلى المصوّر العسكري السوري المنشق فريد المذهان، الذي سرّب آلاف الصور لضحايا التعذيب داخل المعتقلات، وهو ما دفع الكونغرس الأميركي حينها لإقرار القانون ضمن موازنة الدفاع لعام 2020.

واستهدف "قيصر" شخصيات ومؤسسات حكومية وخاصة تابعة للنظام السوري السابق متورطة بجرائم حرب، وشمل قيودًا مشددة على المصارف والشركات الأجنبية المتعاملة مع دمشق، كما طاول القطاع النفطي والإنشائي والطيران، ما جعل سوريا عمليًا في عزلة اقتصادية شبه تامة.

خلال السنوات الخمس التي تلت تطبيقه، تراجعت الليرة السورية من نحو 1000 إلى أكثر من 20 ألفًا مقابل الدولار في السوق السوداء، وارتفعت معدلات التضخم إلى مستويات قياسية، فيما تدهورت القدرة الشرائية للسكان وانكمش الإنتاج المحلي إلى أدنى مستوياته منذ عقود.

ورغم أن العقوبات لم تكن وحدها سبب الانهيار الاقتصادي، إلا أنها عمّقت آثار الحرب والفساد والانقسام الداخلي، وأعاقت أي مساعٍ حقيقية لجذب الاستثمارات أو إطلاق مشاريع إعادة الإعمار. واليوم، مع إعلان اقتراب إلغاء القانون، يرى مراقبون أن الاختبار الحقيقي ليس في رفع العقوبات بحد ذاته، بل في قدرة الاقتصاد السوري على استعادة الثقة والمرونة الإنتاجية بعد سنوات من الشلل.

 

خطوة واعدة نحو إلغاء قانون قيصر

يشير المستشار الأول لوزارة الاقتصاد والصناعة السورية الدكتور أسامة القاضي، في حديثه لـ "المدن"، إلى أن تصويت مجلس الشيوخ الأميركي لصالح إلغاء قانون "قيصر" بـ77 صوتًا مقابل 20 يُعدّ إنجازًا كبيرًا، لكنه يؤكد أن القرار ليس نهائيًا بعد بسبب بعض الخلافات بين أعضاء الكونغرس.

ويوضح القاضي أن لجنة مشتركة بين مجلسي الشيوخ والنواب ستعمل على التوصل إلى أرضية مشتركة، مشيرًا إلى أن الحكومة السورية ساهمت في الوفاء بالشروط المطلوبة، بما يشمل مكافحة الإرهاب، ومحاكمة المسؤولين عن الانتهاكات، والالتزام بتقارير الأمم المتحدة حول التحقيقات في سوريا.

ويضيف أن اكتمال التوافق سيليه تصويت مجلس النواب على إلغاء القانون، ثم توقيع الرئيس الأميركي على القرار قبل نهاية العام، واصفًا الخطوة بأنها مبشّرة وتمثل بداية مرحلة جديدة لإعادة الإعمار والتنمية في سوريا، وفتح صفحة مختلفة في مسارها الاقتصادي.

من جانبه، يرى المستشار الاقتصادي في وزارة الاقتصاد الدكتور رازي محي الدين، أن الإلغاء الكامل لقانون قيصر هو الخطوة الجوهرية التي يمكن أن تبعث رسالة ثقة قوية للمستثمرين الدوليين والمؤسسات المالية، وتفتح الباب أمام التمويل وإعادة الإعمار بمشاركة مباشرة من الشركات الأميركية والأوروبية.

ويوضح محي الدين لـ "المدن"، أن التجميد المؤقت للعقوبات يُعدّ إجراءً إيجابيًا، "لكنه غير كافٍ لجذب استثمارات كبرى، لأن أي احتمال لإعادة فرضها لاحقًا يُبقي المخاطر القانونية قائمة"، مؤكدًا أن الاستقرار القانوني والتشريعي الدائم هو ما سيمنح الاقتصاد السوري القدرة على النهوض الفعلي واستعادة عافيته.

 

خطوة سياسية مهمة.. والاقتصاد بالانتظار

في السياق، يرى الباحث في شركة كرم شعار للاستشارات ملهم الجزماتي، أن التطورات الأخيرة تمثل فرصة سياسية مهمة لكنها ليست تحولًا اقتصاديًا فوريًا.

ويشير الجزماتي في تصريح خاص لـ"المدن"، إلى أن الأسواق والمستثمرين ينتظرون وضوح الصيغة النهائية للتشريع قبل اتخاذ أي خطوات عملية، لأن التعليق الجزئي أو المؤقت للعقوبات لا يوفر بعد بيئة مستقرة أو قابلة للتنبؤ بها. ويضيف أن النهج المحافظ الذي اعتمدته النسخة الأخيرة، والذي يربط التعليق بتحقيق تقدم سياسي وإنساني محدد، قد يكون أكثر قبولًا في الكونغرس الأمريكي لكنه يضيف طبقة من الحذر والبطء في التنفيذ.

ويخلص الجزماتي إلى أن المرحلة المقبلة، وبشكل خاص نتائج لجنة المؤتمر والتوجيهات التنفيذية، ستكون العامل الحاسم الذي يحدد ما إذا كان الاقتصاد السوري سيبدأ فعليًا بالخروج من دائرة العقوبات، أم أن المشهد سيبقى معلّقًا بانتظار توافق سياسي أمريكي أوسع.

 

فرص اقتصادية محتملة

من جهته، يعتبر الخبير الاقتصادي خالد التركاوي في تصريح لـ "المدن"، أن قانون قيصر كان من أكثر القوانين التي كبّلت الاقتصاد السوري، موضحًا أن أهم نقاطه كانت منع التعاملات مع المؤسسات الحكومية السورية حتى لو رغبت مؤسسات أجنبية بالتعاون. ويضيف التركاوي أن القانون كان بمثابة "نظام العدوى"، إذ قارن فيه تأثيره بالسيطرة على وباء يمنع انتقاله إلى باقي المؤسسات.

ويبيّن التركاوي أن إزالة قانون قيصر تتيح الآن للمؤسسات الأجنبية إعادة التفكير في التعامل مع المؤسسات السورية، ويفسّر أن هذا القرار يفتح الأبواب أمام التجارة والمعاملات البنكية، لكنه لا يعني العودة الفورية، مشددًا على أن الإجراءات الفنية والإدارية لا تزال مطلوبة، لكن العائق الأساسي قد أُزيل، وهذا ما يجعل القرار مهمًا للاقتصاد السوري.

 

مفاعيل اقتصادية محتملة لإلغاء قيصر

مع تقدم خطوات التشريع نحو تعليق قانون قيصر، من المتوقع أن تشهد الأسواق السورية تخفيفًا تدريجيًا في أسعار بعض السلع المستوردة، وأن تتحسن حركة العملات الأجنبية، بينما قد تبدأ بعض الاستثمارات الأجنبية في النظر مجددًا إلى السوق السوري.

لكن، ومع تأكيد خبراء أن التحسن لن يكون فوريًا، لا سيما مع التحديات التي لا يزال يواجهها الاقتصاد السوري  من ضعف الإنتاج المحلي وتدهور البنية التحتية إلى بطء الإجراءات الإدارية واللوجستية. 

وعليه، فإن رفع قيصر سيزيل العائق الأكبر أمام المؤسسات الأجنبية، لكنه لا يضمن تلقائيًا انفجار النشاط الاقتصادي أو عودة سريعة لرؤوس الأموال، فيما تضيف المرحلة بعدًا حاسمًا: نجاح القرار في أن يتحول من مجرد خطوة سياسية إلى أثر اقتصادي ملموس يعتمد على سياسات مالية واضحة وإصلاحات إدارية سريعة، لإعادة ثقة المستثمرين والمواطنين على حد سواء.

Loading...

تابعنا عبر مواقع التواصل الإجتماعي

إشترك في النشرة الإخبارية ليصلك كل جديد

اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث