أميركا بلا مهاجرين: اقتصاد أصغر وأفقر وأقل إبداعاً

اقتصاد المدن - ترجماتالأربعاء 2025/10/08
ترامب
سياسات ترامب ستدفع الاقتصاد الأميركي تدريجيًا إلى الانكماش (Getty)
حجم الخط
مشاركة عبر

نشرت مجلّة "إكونوميست" تحقيقاً تناول تداعيات سياسات الرئيس الأميركي دونالد ترامب، التي لا تقتصر على مكافحة الهجرة غير الشرعيّة؛ بل تذهب بعيداً إلى درجة التضييق على استقبال العمّال المهرة. 

التحقيق استند إلى المؤشّرات المتوفّرة في سوق العمل الأميركي، ليجد أن سياسات الرئيس الأميركي ستدفع الاقتصاد الأميركي تدريجيًا إلى الانكماش، ليصبح اقتصاداً "أصغر وأفقر وأقل إبداعاً". وبخلاف ما يزعمه ترامب، حول حرصه على دعم الصناعات المحليّة، ستكون هذه القطاعات في طليعة المتضرّرين من سياساته.

 

سياسة "الصفر هجرة"

يبدأ التحقيق بالإشارة إلى أنّه منذ الخمسينيات، وصل إلى أميركا في كل عام عدد أكبر من الأشخاص، مقارنة بمن غادروها. في نهاية ولاية جو بايدن، كان صافي المهاجرين؛ أي الفارق بين الوافدين والمغادرين، يتجاوز 2.5 مليون شخص سنويًا، لمصلحة الوافدين. لكن هذا العام، ولأوّل مرّة منذ خمسينيات القرن الماضي، سينخفض هذا الرقم إلى الصفر، أو قد يتحوّل إلى السالب، وهذا ما يعني تجاوز عدد المغادرين عدد الوافدين.

لقد رفع ترامب الرسوم الجمركيّة إلى مستويات مرتفعة، في سياق حروبه التجاريّة، وشن حربًا على الاحتياطي الفيدرالي. ولكن وفق "إكونوميست"، كانت سياسة "الصفر هجرة" الأكثر بروزًا، بين جميع السياسات الاقتصادية للرئيس. ويرى التحقيق أنّ منع المبدعين والعمال المهرة من دخول البلاد لن يوجه ضربة لركيزة من ركائز نجاح أميركا فحسب؛ بل سيفعل ذلك في الوقت الذي يشهد فيه سوق العمل المحلي تزايدًا سريعًا في نسبة كبار السن.

ووفق التحقيق، تسعى إدارة ترامب إلى تنفيذ سياسة "الصفر هجرة" بنشاط مذهل. فقد أُغلقت حدود أميركا مع المكسيك فعليًا. وباستثناء عدد قليل من الجنوب أفارقة البيض، لم يُمنح سوى عدد قليل من اللاجئين حق اللجوء. وبالتالي، أصبح عدد الأشخاص الذين يحاولون دخول البلاد أقل بكثير. وعلى الرغم من أن العديد من السياسيين الذين يهاجمون الأجانب يميزون بين المهاجرين ذوي المهارات المنخفضة والعالية، إلا أن ترامب يستهدف المهاجرين المهرة أيضًا، مع خطط لفرض 100,000 دولار رسوماً للحصول على تأشيرة H1-B، وهي التأشيرة الرئيسة للمهاجرين الموهوبين. أمّا هجمات إدارة ترامب على الجامعات الأميركية، فباتت تخيف الطلاب والباحثين الأجانب.

 

انقلاب جذري

تمثل هذه السياسات انقلاباً جذرياً في نهج أميركا تجاه الهجرة، وستكون لها عواقب مؤلمة. ولتأكيد هذه الحقيقة، يذكّر مقال "إكونوميست" بأنّه من بين رؤساء شركات التكنولوجيا السبع الكبرى، ولد أربعة منهم في الخارج، وثلاثة منهم دخلوا أميركا عبر مسارات الطلاب والعمال المهرة التي تستهدفها الآن إدارة ترامب. وأكثر من نصف العاملين في الزراعة وربع العاملين في البناء في أميركا، هم من المهاجرين، وكثيرون منهم وصلوا على نحوٍ غير قانوني.

وفق التحقيق، سيؤدي انخفاض عدد السكان، وتباطؤ نمو القوى العاملة، إلى تقليص حجم الاقتصاد الأميركي. وسيكون لذلك تداعيات كبرى: ستزداد المصاعب في سداد الديون العامّة، وسيكون من الأصعب الحفاظ على جيش كبير. والأكثر إثارة للقلق، هو أن سياسة "الصفر هجرة" ستجعل سكان أميركا -سواء المولودين في البلاد أو المهاجرين- أفقر، عبر انخفاض الإنتاجية، وتراجع الناتج المحلي الإجمالي للفرد.

ستبدأ المشاكل في الظهور بسرعة، نظراً لاعتماد العديد من الصناعات على العمال المهاجرين. ومع توقف المهاجرين عن الوصول أو ترحيلهم، ستواجه الشركات صعوبة في التوظيف، حيث إن معدل البطالة منخفض بالفعل، وهذا ما يشير إلى نقص في الأيدي العاملة. وهو ما سيؤدي إلى اضطرابات، وانخفاض في الإنتاجية، وارتفاع في تكاليف الإنتاج. 

لقد زعم ترامب أنه سيحمي الصناعات الأكثر تضررًا، ولكن من الصعب رؤية كيف سيقوم بذلك، من دون التخلي عن سياساته المتعلقة بالهجرة تمامًا. 

 

أهميّة المهاجرين في الاقتصاد الأميركي

يقدّم التحقيق أسباباً إضافيّة للإشارة إلى الأهميّة الاقتصاديّة للمهاجرين؛ إذ يعزز هؤلاء الإنتاجية عبر توسيع القوى العاملة، مما يسمح لهم وللمواطنين بالتخصص في فئات المهن المختلفة. والعمل الذي يقوم به المهاجرون من أصحاب المهارات المنخفضة، مثل عمال النظافة وعمال التعبئة في مصانع اللحوم وما إلى ذلك، يسمح للأشخاص في أجزاء أخرى من الاقتصاد بتولي أعمال أكثر مهارة. 

ويستشهد التحقيق بأرقام الباحثة فلورنسا جاوموت من صندوق النقد الدولي، التي وجدت أن زيادة بنسبة نقطة مئوية واحدة في حصة المهاجرين من السكان البالغين، تؤدي في النهاية إلى زيادة الناتج المحلي الإجمالي للفرد بنسبة 2% في البلدان الغنية.

بناءً على ذلك، فإن منع أيّ نوع من المهاجرين من الوصول إلى الولايات المتحدة يقلل من نمو الإنتاجية. أمّا الأهم، فهو أنّ منع استقدام العمال من أصحاب الماهرات سيكون له تأثير أكثر خطورة. فالمهاجرين المهرة يشكلون فقط 5% من القوى العاملة في أميركا، لكنّهم يكسبون 10% من إجمالي دخل العمل. وهذا ما يفاقم من الخسارة الناتجة عن منع دخولهم إلى البلاد. ولتأكيد الحقيقة نفسها، يستشهد التحقيق أيضاً بأبحاث لريبيكا دايموند من جامعة هارفارد، التي وجدت أن المهاجرين مسؤولون عن ثلث الابتكار الأميركي، وفق حساب براءات الاختراع.

 

خطورة الرسوم على المهاجرين

ويتناول التحقيق خطورة الرسم الذي ينوي ترامب فرضه على المهاجرين الوافدين من أصحاب المهارات، والبالغ مئة ألف دولار لكل شخص. فالمتخرجون من حملة شهادات الدكتوراه نادراً ما يتقاضون رواتب تسمح بتسديد رسم كهذا، حتى لو كان عملهم يحمل فوائد اقتصاديّة للولايات المتحدة. ووفق التحقيق، تقدر زورنيتسا تودوروفا من بنك باركليز أن هذه الرسوم، التي ينوي ترامب فرضها، ستقلل من حجم مسار التأشيرات هذا بحوالي 30%.

ومن الواضح أنّ أميركا تغلق حدودها في وقت غير مناسب. فبدون الوافدين الجدد، ستبدأ الفئة العاملة في البلاد بالتقلّص، بسبب ضعف النمو السكّان. وفي الوقت الراهن، يتجاوز الإنفاق العام الإيرادات الضريبيّة على نحوٍ كبير، بسبب احتياجات التأمين الصحّي للسكان المتقدمين في العمر. وكان من المفترض، وفق مكتب الميزانيّة في الكونغرس، أن تسمح موجة الهجرة الأخيرة بتقليل هذا العجز بقيمة 90 مليار دولار سنويًّا، خلال العقد المقبل، بفعل الضرائب التي سيسددها المهاجرون.

في البداية، استفاد ترامب من الغضب الناتج عن الهجرة غير المنضبطة في عهد بايدن. لكن الآن، تحول الرأي العام بالاتجاه المعاكس: إذ يقول 79% من الأميركيين أنّ الهجرة أمر جيد للبلاد على نحوٍ عام، وهو أعلى مستوى تأييد سُجّل حتّى الآن على الإطلاق. ومع ذلك، يبدو ترامب أكثر ميلاً لتكثيف اندفاعته نحو سياسة "الصفر هجرة"، بدلاً من تهدئتها. وحتّى إذا أعاد خلفه فتح حدود أميركا بعد ثلاث سنوات، ستكون الأضرار الكبيرة قد حصلت بالفعل. 

Loading...

تابعنا عبر مواقع التواصل الإجتماعي

إشترك في النشرة الإخبارية ليصلك كل جديد

اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث