مع الإشارة إلى أنّ توفّر أو انقطاع هذه الأصناف تفاوت بين صيدليّة وأخرى، أو بين منطقة وأخرى، مع تأكيد جميع الصيادلة أنّهم سيعيدون تأمين المخزون المطلوب خلال أيّام معدودة. باختصار، نحن أمام أزمة ضغط على آخر حلقات سلاسل توريد الأدوية ومستلزمات الأطفال، أي الصيدليّات التي توفّر هذه الأصناف للمستهلك النهائي.
في جميع الحالات، وفضلًا عن الفراغ في بعض رفوف الصيدليّات، ظهرت نتائج هذه الأزمة في المناشدات التي صدرت من عدّة تجمّعات للنازحين، وخصوصًا في جبل لبنان الجنوبي، والتي عكست وجود نقص في أصناف حليب الأطفال والحفاضات بالتحديد. وحتّى لحظة كتابة هذه السطور، كانت المبادرات الأهليّة والفرديّة هي الوسيلة الأساسيّة المتاحة للتعامل مع هذا النقص، لتوفير المخزون من مناطق أخرى عند انقطاعه في منطقة معيّنة. وفي العديد من الحالات، كانت الإعلانات عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو الرسائل المتداولة عبر "الواتساب" تسد هذه الفجوة، تمامًا كما كانت تعبّر عن اتّساع رقعة هذه الأزمة بالذات.
لا أزمة بالمخزون
نقابة مستوردي الأدوية وأصحاب المستودعات طمأنت يوم أمس الأربعاء إلى أنّ كميّات الدواء المتوفّرة لدى المستوردين كافية لتلبية حاجات السوق لمدّة 4 أشهر، وهو ما يفترض أن يكون احتياطيًا معتبرًا -ومطمئنًا للغاية- في مثل الظروف الراهنة. مع الإشارة إلى أنّ شركات الأدوية لم تواجه حتّى هذه اللحظة أي مشكلة في عمليّة الاستيراد، وهو ما يُفترض أن يسمح تلقائيًا بإعادة ملء المخزون، في حال اشتداد الطلب المحلّي على أصناف الدواء ومستلزمات الأطفال. وبعد رفع الدعم عن الأدوية والمستلزمات الصحيّة ومسلتزمات الأطفال، لم يعد استيراد هذه السلع مرتبطًا بتعقيدات توفّر الاعتمادات لدى المصرف المركزي.
بهذا المعنى، يمكن القول أنّ لبنان لا يواجه فعليًا أزمة خطرة أو حسّاسة على مستوى المخزون الإستراتيجي، أو على مستوى الحلقة الوسيطة في سلاسل التوريد، أي الشركات المستوردة وتجّار الجملة. وهذا أهم ما في الأمر. وبذلك تكون الأزمة حتّى الآن محصورة بالمستوى الأخير من حلقات التوريد، المتعلّق بكافية الإمدادات الموجودة في الصيدليّات، والمتاحة لتبلية طلب المستهلكين النهائيين.
الضغط على الصيدليّات
الملاحظات التي يقدّمها معظم الصيادلة في بيروت والمناطق، تُجمع على ارتباط الأزمة الراهنة بخمسة عوامل:
1- شهدت العديد من المناطق تغيّرًا ديموغرافيًا سريعًا ومفاجئًا، من خلال توافد أعداد كبيرة من النازحين من خارجها. ولهذا السبب، لم تكن الكميات الموجودة في الصيدليّات، والمُعدّة لأعداد أقل بكثير من المقيمين، كافية للتعامل مع ضغط الطلب المستجد.
2- ثمّة موجة من الطلب المُستجد، التي طرأت منذ يوم الإثنين الماضي، قبل أن تخف وتيرتها يوم أمس الأربعاء، بفعل تسابق المرضى والأهالي على اكتناز الأدوية الحسّاسة ومستلزمات الأطفال، خشية انقطاعها من السوق.
3- خرجت بعض المستودعات والشركات العاملة في ضواحي بيروت الجنوبيّة من الخدمة منذ يوم الإثنين الماضي، بانتظار نقل المخزون وتأمين مراكز عمل بديلة. وهذا ما أدى إلى تأخير مؤقّت في تسليم بعض أصناف الأدوية ومسلتزمات الأطفال، رغم توفّر هذه الأصناف في المخازن حاليًا.
4- عدد كبير من النازحين لم يتمكّنوا من نقل مستلزمات الأطفال معهم، بعد مغادرتهم أماكن إقامتهم، وهو ما دفعهم إلى إعادة طلب هذه المستلزمات من الأماكن التي نزحوا إليها.
5- بعض شركات الأدوية أخّرت تسليم عدد من الطلبيّات إلى مناطق في جبل لبنان الجنوبي، بانتظار تبيان درجة المخاطر الأمنيّة المحيطة بعملها هناك.
أزمة سيعالجها الوقت
من الواضح أنّ ما نشهده على مستوى نقص الأدوية ومستلزمات الأطفال في الصيدليّات هو أزمة مؤقّتة، كان يمكن تفاديها ببعض الإجراءات العاجلة التي يتم القيام بها في العادة، لإدارة سلاسل التوريد خلال الحروب والكوارث. فهذا النوع من الخضّات المفاجئة، التي تغيّر حجم الطلب في مناطق معيّنة، يُعتبر مسألة متوقّعة على هامش أي أزمة نزوح. وهذا ما كان يُفترض الالتفات إليه باكرًا، عبر إعادة توجيه الإمدادات وفقًا للتنبيهات الواردة من المناطق، بخصوص تناقص المخزون المتوفّر لدى الصيدليّات.
ورغم تأخّر هذه الإجراءات حتّى اللحظة، بل وحتّى غيابها، يمكن الإشارة إلى أنّ الوقت سيكون كفيلًا بمعالجة هذه الأزمة، وخلال أيّام معدودة. إذ أنّ تناقص مخزون الصيدليّات، بفعل ارتفاع الطلب المفاجئ، سيليه حتمًا إعادة تعويم للمخزون، وبما يأخذ بعين الاعتبار حجم الطلب المُستجد في كل منطقة. أمّا موجة اكتناز الأدوية ومستلزمات الأطفال، فبلغت ذروتها في بداية الأزمة يوم الإثنين، قبل أن تنحسر تدريجيًا مع "تشبّع" مخزون المستهلكين من هذه الأصناف. وخلال فترة قصيرة، من المفترض أن تتأقلم الشركات مع وتيرة ونطاق الأعمال العسكريّة، لتعيد تحديد خطوط التوزيع على هذا الأساس.
بهذا الشكل، سيعيد السوق ترتيب نفسه خلال فترة قصيرة جدًا، طالما أن المخزون الإستراتيجي موجود وكافٍ، ولو بعد أزمة كان يُفترض تجنّبها منذ البداية. وبما أنّ المواجهات العسكريّة لم تصل إلى حدود الحصار البحري، فالشركات المستوردة قادرة دائمًا على التأقلم، عبر زيادة الواردات وفقًا لحاجة السوق المحلّي. لكل هذه الأسباب، لا يفترض أن تكون أزمة الأدوية ومستلزمات الأطفال سببًا لإثارة هلع المرضى والأهالي في الوقت الحالي.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها