ففي زحلة، حيث تتوزع معظم المدارس الرسمية التي تحوّلت مراكز إيواء للنازحين داخل الأحياء، ارتبط انتعاش حركة الـ "دكاكين" أو محلات بيع السمانة والخضار الصغيرة، بفئة نزلاء مراكز الإيواء قبل أن يغادروا معظمها، وبدا لافتاً أن الأكثر إنتعاشاً من بينها هي تلك المجاورة للمراكز التي أوت عائلات موظفي الجيش والأسلاك العسكرية الأخرى، الذين حافظوا على رواتبهم الشهرية وقدرتهم على ابتياع حاجياتهم على رغم كل الظروف المعيشية. أما في باقي الأحياء، فعكست حركة "دكان الحي" حجم الدعم المادي المباشر الذي وصل إلى نزلاء مراكز الإيواء ومواعيد وصول هذا الدعم الذي تنوعت مصادره بين مساعدات إجتماعية مباشرة قدمتها أحزاب وجهات دينية وحتى دول داعمة، وبين تحويلات مالية يرسلها المغتربون إلى عائلاتهم، وخصوصاً عبر روابطها التي تجمعت في مراكز موحدة.
الطلب على التنباك
إلا أن ثمة قاسماً مشتركاً ميّز حركة هذه الدكاكين وفقاً لما يجمع عليه معظم أصحابها، وهو إزدياد الطلب على التنباك بالدرجة الأولى، ومن بعدها أنواع البزورات، ولا سيما بزر البطيخ ودوار الشمس الأقل تكلفة، هذا بالإضافة إلى ارتفاع الطلب على السكاكر وأكياس الشيبس التي يتهافت عليها الأطفال بشكل كبير. يقول أحد أصحاب المتاجر أنه لم يسبق له أن باع أكثر من كيلو بزر دوار شمس خلال شهر بأكمله، أما حالياً فهو حريص على تزويد متجره بالكميات المطلوبة والتي تخطت الـ20 كيلو في أقل من شهر، لافتاً إلى أنه في بعض الأحيان يتقاطر عليه زبائن البزورات دفعة واحدة، وهذا ما جعله يجزء الكميات مسبقاً، حتى يتمكن من تلبية طلبات الجميع بوقت واحد.
وإذ يعيد صاحب الدكان سبب هذا التهافت إلى حاجة الناس لتقطيع الأوقات القاتلة التي يمضونها داخل جدران غرف المدارس أو في باحاتها بعد أن انضم إلى هؤلاء أعداد كبيرة من العاطلين عن العمل من سيدات ورجال، يلفت في المقابل إلى أن الطلب على الفاكهة حل بالدرجة الثانية بالنسبة لزبائنه الجدد، وتصدرها الطلب على الموز والتفاح الأقل كلفة من بين أنواع الفاكهة الاخرى. وأما الخضار والحبوب والمعلبات وحتى الخبز فلم تشكل حاجة أساسية لهم، خصوصاً أن جميع مراكز الإيواء تستفيد من الحصص اليومية للأطباق التي توزع على العائلات. بينما ما لاحظه أصحاب الدكاكين بالنسبة للنازحين الذين أووا إلى المنازل، هو إنفاقها الكبير على المأكولات والمشروبات بما يتخطى إنفاق "أهالي الحي"، وربطوا ذلك بالدرجة الاولى بأعداد المقيمين في الوحدة السكنية الواحدة، وبملاءتهم المالية. فإنتعشت معظم هذه الدكاكين، واكتسبت ولو بشكل استثنائي زبائن إضافيين، ساهموا بتسريع دورتها التجارية.
أسواق زحلة
في المقابل تفاوتت حركة أسواق زحلة التجارية لبيع الملبوسات والأحذية. وانتعش من متاجرها تلك الأكثر شعبية، التي اضطرت بدورها إلى تلبية حاجات زبائنها، وتفضيلهم البضائع الأقل كلفة من دون التساهل بنوعيتها. وعليه شكّلت الحركة غير المنقطعة في "سوق الأرمن" الشعبي مؤشراً واضحاً على زيادة الطلب على البضائع الشعبية، وخصوصاً بالنسبة للملابس الداخلية وأطقم النوم بالإضافة إلى احذية الأطفال والمعاطف. وهو ما أكده أحد أصحاب المؤسسات، الذي لفت إلى أنه افتقد في متجره إلى الوجوه المعتادة حتى من الجوار، خصوصاً أن تنقلات الناس بين القرى والمدن باتت محدودة، بمقابل اكتسابه زبائن جدد من بين النازحين إلى مدينة زحلة، وهذا ما أمّن توازنا في المؤسسات التي عملت على تلبية الاحتياجات الطارئة. ولاحظ أصحاب هذه المتاجر ارتفاع وتيرة البيع في بداية الشهر، بالتزامن مع تقاضي الرواتب، بمقابل تراجعها في منتصف الشهر، علماً أن الحركة في بداية شهر تشرين الثاني كانت استثنائية بسبب حاجة الزبائن إلى المعاطف والملابس النوم الشتوية والجوارب الشتوية وخصوصا للأطفال، فازداد الطلب عليها بشكل كبير.
هذا في وقت شهدت زحلة كما يؤكد رئيس جميعة تجار زحلة زياد سعادة تراجعاً في حركتها التجارية العامة، خصوصاً أن معظم متاجر زحلة "غير الشعبية" تعتمد على زبائن الجوار الذين يبحثون عن القيمة المضافة في مشترياتهم. وهؤلاء اختفوا من السوق لسببين، إما لأن شراء الملبوسات والأحذية ليس أولوية في الوقت الحالي حتى بالنسبة للمقيمين في مناطق آمنة، وإما لأن زبائن المدينة من محيطها هجروا قراهم إلى مدن وقرى خارج البقاع، وبالتالي وجدوا لأنفسهم أسواقا بديلة في أماكن لجوئهم.
يشير أحد أصحاب المحلات في المدينة إلى أنه على رغم بوادر الحرب التي لاحت منذ شهر تشرين الأول من العام 2023، فإن حركة الأسواق بقيت مقبولة في موسم الصيف، وكان هناك أعداداً من المغتربين الذين خلقوا حيوية مرتبطة بالأعراس خصوصاً. إلا أن هذه الحركة انعدمت كما يؤكد منذ شهر أيلول الماضي، ويكاد تراجعها يبلغ نسبة الـ80 في المئة في معظم مؤسسات المدينة غير الشعبية. وعلى رغم انطلاق موسم الشتاء، لا يزال بعض أصحاب المؤسسات محتارين حول زيادة كميات البضائع الموجودة لديها أو الاكتفاء بالمعروض فيها حتى الآن.
مع الحركة التجارية تراجعت أيضا حركة المقاهي والمطاعم وحتى الحانات الليلية التي شهدت فورة كبيرة في المدينة في السنوات الأخيرة، وانتعاشاً ساهم به رواد زحلة من محيطها وممن يجدون فيها فسحة للتنوع وممارسة الحريات الشخصية. ومع ذلك آثرت بعض المؤسسات على توسيع محلاتها، وزيادة استثماراتها في هذا القطاع، وخصوصاً تلك التي تستقطب زبائن زحلة وشبابها تحديداً، بعد أن تحولت هذه المقاهي إلى متنفس شبه وحيد، بظل تراجع حركة الإنتقال بين المناطق، أو السفر أحياناً. علماً أن بعض أصحاب هذه المؤسسات يعولون كما يقولون على انتهاء العدوان الإسرائيلي نهائياً، واستعادة الهدوء الذي يأملون بأن يتيح لزحلة لعب دور أكبر في القطاع السياحي.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها