الجمعة 2023/09/15

آخر تحديث: 18:15 (بيروت)

بعثة صندوق النقد: لا إرادة سياسيّة.. ولا إصلاحات

الجمعة 2023/09/15
بعثة صندوق النقد: لا إرادة سياسيّة.. ولا إصلاحات
القرارات الأخيرة التي اتخذها الحاكمية الجديدة لمصرف لبنان هي خطوات في الاتجاه الصحيح (دالاتي ونهرا)
increase حجم الخط decrease

أنهت بعثة صندق النقد جولتها في لبنان التي بدأت يوم الإثنين الماضي، ببيان ختامي شديد اللهجة، أعاد التذكير بتأخّر لبنان في تنفيذ الإصلاحات المطلوبة لبدء مسار التعافي المالي. البيان أشار إلى كلفة هذه المراوحة على الاقتصاد والمجتمع في لبنان، بمعزل عن بعض التحسّن الناتج عن مردود الموسم السياحي الأخير في فصل الصيف. كما ركّز البيان على مسؤوليّة الطبقة السياسيّة في عدم تنفيذ شروط الاتفاق على مستوى الموظفين، الموقّع بين لبنان وصندوق النقد، بفعل غياب الإرادة لاتخاذ مجموعة من القرارات الصعبة، لكن الضروريّة.

لبنان يفتقر للإرادة السياسيّة
أشار البيان إلى أن "لبنان لم يقم باتخاذ الإصلاحات الضرورية بسرعة، فيما سيكون لهذا أثر على الاقتصاد لسنوات قادمة." كما اعتبر أنّ "الافتقار إلى الإرادة السياسية لاتخاذ قرارات صعبة، ولكن حاسمة، لإطلاق الإصلاحات يترك لبنان في وضع ضعيف مع القطاع المصرفي وخدمات عامة غير كافية، وبنية تحتية متدهورة، وتفاقم في ظروف الفقر والبطالة، وتوسيع أكبر لفجوة الدخل".

وذكر البيان بأن "التضخم ما زال في الأعداد ثلاثية الأرقام، مما يضغط بشكل إضافي على الدخل الحقيقي". كما أشار إلى "استمرار انخفاض احتياطي العملات الأجنبية في النصف الأول من العام، بسبب تمويل مصرف لبنان لعمليات شبه مالية والعجز الكبير في الميزان التجاري".

كما لفت البيان إلى أنّ "الموسم السياحي زاد من تدفق العملات الأجنبية خلال أشهر الصيف، وهو ما أعطى انطباعًا بأن الاقتصاد قد تجاوز أزمته". ومع ذلك، ذكّرت بعثة الصندوق بأن "إيرادات السياحة والتحويلات النقدية لا تكفي لتعويض عجز الميزان التجاري الكبير ونقص التمويل الخارجي، ما يعني أنّ المسار الحالي للتوازن الخارجي غير مستدام".

ونوّهت البعثة بأن "القرارات الأخيرة التي اتخذها الحاكمية الجديدة لمصرف لبنان للتخلص تدريجيًا من منصة  صيرفة، وإنشاء منصة تداول عملات أجنبية مرموقة وشفافة، ووقف استنزاف احتياطيات العملات الأجنبية، والحد من التمويل النقدي، وزيادة الشفافية المالية، هي خطوات في الاتجاه الصحيح".

وبناءً على ذلك، اعتبرت البعثة أنّ "هناك الآن فرصة للإصلاحات الشاملة لتعزيز حوكمة مصرف لبنان آليّات المحاسبة فيه وعمليات تداول العملات الأجنبية، وفقًا لأفضل الممارسات الدولية". كما طالبت البعثة المصرف بتوحيد "جميع أسعار الصرف الرسمية بسعر السوق، مما سيساعد في القضاء على المضاربة على سعر الصرف".

وأشارت البعثة إلى أنّه يقتضي "دعم هذه الخطوات مؤقتًا من خلال قانون القيود على رأس المال والسحوبات (الكابيتال كونترول)، كما يجب تكملتها بإجراءات من جانب الحكومة والبرلمان، للحد من مشكلات القطاع المالي، عبر الاعتراف بالخسائر البدء بإعادة هيكلة المصارف".

الإصلاحات المتعلّقة بالماليّة العامّة
أمّا على مستوى الحكومة، فطالبت البعثة "بتنفيذ استراتيجية مالية منسجمة لإعادة الدين إلى مستويات مستدامة، وإيجاد مساحة للإنفاق الاجتماعي والبنية التحتية. ولتكون هذه الاستراتيجية فعالة، فإن تحسين استجابة الإيرادات هو أمر بالغ الأهمية. لقد قامت الحكومة باتخاذ إجراءات تدريجية نحو تعديل تحصيل الإيرادات لتحسين قيمة القاعدة الضريبية، بشكل أكثر واقعية، وإعادة ضبط جداول ورسوم الضرائب إلى قيم معقولة، مما أسفر عن زيادة ملحوظة في الإيرادات".

وحسب البيان، ومع ذلك، هناك حاجة للقيام بالمزيد. فميزانية عام 2023 ما زالت "لا تعكس بدقة النطاق الحقيقي للعجز والتمويل النقدي المرتبط به". أمّا ميزانيّة العام 2024 المقترحة "فيجب أن تكون متسقة مع عملية توحيد سعر الصرف، التي بدأ بها مصرف لبنان، كما يجب تجنب منح تفضيلات لبعض دافعي الضرائب على حساب الآخرين".

كما أشار البيان إلى أنّ موازنة العام 2024 يجب "أن تتضمن موارد كافية لإعادة بناء إدارة الضرائب، لتعزيز الامتثال وزيادة العدالة الضريبيّة". وفي هذا الصدد، شجعت البعثة "السلطات على بدء تنفيذ عناصر الإصلاح الضريبي التي اقترحها الصندوق، والمنشورة في تقرير المساعدة الفنية لعام 2023 حول إعادة توجيه سياسة الضرائب، وبدء خطط إعادة التأهيل لشركات الدولة الكبرى".

أمّا في الشأن المصرفي، فاعتبرت البعثة أن "خطة إعادة هيكلة القطاع المصرفي ما زالت غير موجودة بعد، وهو ما يؤدّي إلى انخفاض كبير في الودائع القابلة للاسترداد، كما يعيق توفير الائتمان للاقتصاد". وبينما لفتت البعثة إلى التقدم الجيّد في العمل على قانون إعادة هيكلة المصارف، إلا أنّها شددت على ضرورة إكماله حتى يمكن تقديمه مرة أخرى إلى البرلمان. أمّا التعديلات على قانون السرية المصرفية، ومشروع قانون القيود على رأس المال وسحب الودائع، فلا يزالان في انتظار موافقة البرلمان.

في النتيجة، غادرت بعثة الصندوق العاصمة بيروت، وسط تعثّر واضح في تنفيذ الاتفاق المبدئي الموقّع بينها وبين لبنان منذ نيسان 2022. أمّا موعد لبنان المقبل مع البعثة، فسيكون في أواخر النصف الأوّل من العام المقبل، مع بدء المداولات المتعلّقة بمشاورات البعثة الرابعة للصندوق في ذلك التوقيت. وحتّى ذلك الوقت، سيكون لبنان بين خيارين: إما استكمال تنفيذ خطّة التعافي المالي المتفق عليها مع الصندوق، أو استكمال مسار المراوحة الراهنة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها