الثلاثاء 2023/03/07

آخر تحديث: 15:26 (بيروت)

يوم أعلَنَ دياب الإفلاس: 5.2 مليار دولار أحرَقَت البلد؟

الثلاثاء 2023/03/07
يوم أعلَنَ دياب الإفلاس: 5.2 مليار دولار أحرَقَت البلد؟
استقال حسان دياب وما زالت البلاد في الانهيار (عباس سلمان)
increase حجم الخط decrease
قبل 3 سنوات، وتحديداً في مثل هذا اليوم من العام 2020، أعلن رئيس الحكومة حينها حسان دياب، امتناع لبنان عن دفع مستحقات سندات اليوروبوند واستحقاقات أخرى لشهر آذار، وصلت قيمتها إلى 5.2 مليار دولار، مبرِّراً ذلك بأنه "لم يعد ممكناً بعد اليوم الاستمرار بالاستدانة لتمويل واقع الفساد. حان الوقت لنستعيد السلوك الأخلاقي في حَوكمتنا وإرجاع الثقة بدولتنا". فماذا جَنَت البلاد من هذا القرار بعد استقالة صاحبه من رئاسة الحكومة؟.

مستحقات 2020 وإصلاحاته
"بلغت احتياطاتنا من العملات الصعبة مستوى حرجاً وخطيراً، مما يدفع الجمهورية اللبنانية لتعليق استحقاق 9 آذار من اليوروبوند لضرورة استخدام هذه المبالغ لتأمين الحاجات الأساسية للشعب اللبناني". هذا ما قاله دياب مستبقاً استحقاق التاسع من آذار، والبالغ 1.2 مليار دولار، الذي لم يكن الوحيد الذي يواجه مالية الدولة. فكان عليها دفع استحقاق شهر نيسان بقيمة 700 مليون دولار، ثم استحقاق حزيران بقيمة 600 دولار. ويضاف إليها 2.7 مليار دولار كفوائد على الدين العام، ليصل مجمل ما على الدولة دفعه في شهر آذار من ذلك العام، إلى نحو 5.2 مليار دولار.

وارتبط قرار الامتناع عن سداد المستحقات، ببنود إصلاحية أعلن دياب الإلتزام بها "من أجل بناء اقتصاد متين ومستدام". بدءاً من الوقوف أمام التهرّب الضريبي، ومكافحة الفساد. وقرَّر دياب إعادة هيكلة ديون الدولة وهيكلة القطاع المصرفي وحماية الودائع، خصوصاً صغار المودعين. فضلاً عن إصلاح النظام القضائي. والأبرز، هو الانطلاق بمفاوضات "منصفة" مع الدائنين كافة. وتنتهي مفاعيل الخطة بنقل الاقتصاد من الريع إلى الإنتاج، إذ سيرتكز برأي رئيس الحكومة الأسبق، على الزراعة والصناعة والمعرفة والتكنولوجيا، إضافة إلى قطاعاته التقليدية في التجارة والسياحة والخدمات.

عزلة دولية
في سعيه لتغيير الواقع، انزلق دياب إلى عزل لبنان عن العالم وتَرَكَ أمامه بوابة ضيّقة للعبور، وهي صندوق النقد الدولي. فالمفاوضات المنصفة مع الدائنين، عليها الارتكاز إلى الثقة التي يظهِرها المدين عبر إبراز قدرته على السداد، وإنما ببطء يتطلَّب رحابة صدر من الدائن، واتفاق بين الطرفين على إعادة جدولة الديون. لكن في ظل الإعلان عن عدم الدفع، تختفي الثقة وترتفع المخاطر ويطالب الدائن بضمانات تجد مكانها عند صندوق النقد.

أيضاً، يرى الخبير الاقتصادي إيلي يشوعي، أن حسّان دياب وقع في تناقض رئيسي، فهو برَّرَ عدم دفع المستحقات للخارج، بهدف صرفها في الداخل. فكانت سياسة الدعم التي "كلّفت لبنان بين 12 إلى 15 مليار دولار من رصيد أموال الناس في المصرف المركزي. كما هُرِّبَت الأموال من المصارف بما يُقدَّر بما بين 20 و25 مليار دولار. كما يستمر هدر الدولارات عبر منصة صيرفة. وهذه مبالغ تكفي لتمويل حركة الاقتصاد اللبناني".

مؤشرات واضحة
لم تكن العزلة الدولية حدثاً مفاجئاً لا يمكن توقُّعه. فقبل تشرين الأول 2019 كانت المؤشرات الدولية ملحوظة من خلال خفض التصنيفات الائتمانية الدولية للبنان ولقطاعه المصرفي. وإثر أرقام وكالات التصنيف، أخذت المصارف المراسلة تقلِّص حجم تعاملاتها مع المصارف اللبنانية بهدف تقليص المخاطر المحتملة. ووصلت بوادر عدم الثقة إلى المصرف المركزي، الذي لم يبقَ أمامه سوى مصرف "جي. بي. مورغن" JP Morgan الذي يستقبل اعتمادات مستندية من المركزي، تصدر لاستيراد المحروقات والفيول لصالح مؤسسة كهرباء لبنان.

ومع ذلك، فإن دياب استند إلى التجارب الدولية المشابهة لحالة لبنان، ومنها التجربة اليونانية والأرجنتينية. فالبلدان تخلّفا عن دفع المستحقات الدولية، لكنها أعادا هيكلة ماليّتهما، وارتفعت لديهما معدّلات التصدير وتسارعت أرقام التنمية الاقتصادية وصولاً إلى مرحلة النمو التي مكّنتهما من إعادة الدفع بعد الاتفاق مع الدائنين. وارتبط ذلك بقرار سياسي داخلي ما زال مفقوداً في لبنان بشكل مُعلَن. فالمصارف احتجزت ودائع زبائنها وأخفَت تحويلها أموالاً إلى الخارج، مع أن رئيس مجلس النواب نبيه برّي أكّد في 27 تشرين الثاني 2019 أن "الأموال المحوّلة إلى الخارج مقدّرة بمليارات الدولارات".

بالتوازي، لم يكن القضاء كلّه على استعداد لدعم مسيرة الخروج من الأزمة عبر تحميل المسؤوليات إلى أصحابها، وفي مقدّمتهم المصارف. فالنائب العام التمييزي غسان عويدات كان علّق أمراً بتجميد أصول 20 مصرفاً، أصدره النائب العام المالي القاضي علي إبراهيم، في 5 آذار 2020، معتبراً أن القرار "لا يحمي فقط المودعين إنما يحدث أيضاً هزة كبيرة للمصارف، إذ بذلك نقول لهم: لا يعتقدنّ أحد منكم بأنكم فوق الغربال. فالقرار يعني بكل بساطة أنه ممنوع التصرف بالأسهم والعقارات والسيارات والممتلكات والمباني".

مَن أوعَزَ لدياب قراره؟
كان دياب يعرف أن القضاء يحتاج إلى إصلاح، والقطاع المصرفي لن يوافق على أي إجراء يمسَّه. واعترف دياب أن القطاع المصرفي "تحوَّلَ عن دوره الأساسي كمؤثر ومموِّل في الدورة الاقتصادية، إلى وسيط يعمل من جهة على استقطاب الودائع بفائدة مرتفعة تجاوزت على الدولار 5 إلى 10 أضعاف ما تقدّمه المصارف الأخرى في العالم، ومن جهة أخرى يقرض الدولة بسعر فائدة أعلى. ومن بين كل ألف ليرة مودعة في المصارف، يتم استثمار حوالي 300 ليرة في الاقتصاد الحقيقي".

ومَع ذلك، مَشى الرجل بقرار التخلّف عن سداد المستحقات، "رغم معارضة وزير المالية آنذاك غازي وزني"، يقول يشوعي، ويضيف أن "أجواء مجلس الوزراء لم تكن موافقة على القرار، لكن دياب اتّخذه معلناً بذلك إفلاس البلد". وسبق القرار اجتماع في قصر بعبدا في شهر شباط 2020، ضمَّ إلى جانب دياب، رئيس الجمهورية السابق ميشال عون، رئيس مجلس النواب نبيه بري وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة ورئيس جمعية المصارف سليم صفير. وباستثناء دياب، رفض الجميع إعلان التوقف عن الدفع.

لا يقتنع يشوعي أن قراراً بهذا الحجم جاء صدفة "فيجب أن يُسأَل دياب عن سبب القرار". لكن سواء كان القرار بإيعاز أم سوء تقدير شخصي من دياب، فإن الدولة في حالة تفكّك، والتعليم والطبابة والإدارة العامة والقضاء والمالية والمصارف كلها متخبّطة ومتعثّرة. وفي السياق، لا يتحمَّل دياب وحده وزر القرار وتداعياته. فذهَب دياب واستمرّ الباقون في سياساتهم. فما يحصل لا يستند فقط على عدم دفع المستحقات، لأن الإصلاحات الداخلية لم تحصل، رغم أنها مفتاح استعادة الثقة الخارجية التي تحدّث عنها دياب.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها