كما في كل أزمة، هناك من يعمل وفق ضميره الوطني، فيبرز التضامن والتعاضد بين اللبنانيين، كما حصل منذ بداية الأزمة الاقتصادية عام 2019، ويحصل اليوم في الجنوب مع انطلاق مبادرات إيواء النازحين، (راجع "المدن")، وهناك من يعمل وفق "مصلحته الخاصة". وهو ما بدأ يؤثر ليس على النازحين وحسب، بل على كل اللبنانيين.
جنوبيون يستغلون الأزمة
البداية من الجنوب. فرغم كل مبادرات الخير التي يقوم بها مقتدرون وأصحاب شاليهات وجمعيات المنطقة وأحزابها، برز في الساعات الماضية حديث عن "استغلال" واضح للأزمة من قبل جنوبيين. وهو ما يثير أضعاف الغضب الذي أثارته أخبار استغلال "الآخرين" للأزمة.
يقول عليّ، وهو إبن بلدة الخيام الجنوبية ويسكن في منطقة النبطية، أنه مع توسع رقعة المعارك على الحدود، تواصل مع أهله الذين يقطنون في الخيام من أجل إخراجهم من المنطقة. ولذلك قصد بلدة كفررمان الجنوبية لاستئجار شقة لهم، فلم يجد بأقل من 800 دولار أميركي، شقة مفروشة، علماً أن إيجارات تلك المنطقة في الأيام العادية لا تزيد عن 300 أو 350 دولاراً أميركياً.
قصة عليّ ليست يتيمة، وهناك مثلها. صحيح أن لا أحد ينفي عمل الخير في التعاطي مع النازحين، لكن أن يبدأ الاستغلال من أبناء الجنوب أنفسهم، وهم الذين يتشاركون المعاناة نفسها، فهذا أمر غريب، أثار حفيظة الأحزاب في المنطقة، التي بدأت تفعّل عملها في مساعدة النازحين، بسبب غياب الدولة. وهذه مشكلة أخرى.
خطة طوارىء.. غائبة حتى الآن
ربما لم يستبشر أحد خيراً بخطة الحكومة للطوارىء، فالثقة بالدولة ومؤسساتها معدومة، وما الكلام عن "تطمينات اللبنانيين" سوى شعر مجاني. فالخطة التي وُضعت للحرب لا يبدو أنها تعمل، حسب مصادر جنوبية. تُشير المصادر عبر "المدن" إلى أن جنوبيين تواصلوا مع أجهزة حكومية لمساعدتهم بتأمين مستلزمات النازحين في القرى شمال نهار الليطاني، فلم يستجب أحد. فاضطر هؤلاء إلى تأمين المستلزمات بأنفسهم، علماً أن نازحين كثراً نزحوا بأغراض قليلة من دون تقدير ربما للحاجة أو الوقت. وهنا يُطرح تساؤل أساسي: ألسنا في الحرب حسب الحكومة اللبنانية؟
أزمة الإيجارات تتخطى النازحين
بعد توقف قروض الإسكان لوحظ توجّه عدد أكبر من المواطنين نحو الاستئجار. وحسب المستشارة القانونية للجنة الأهلية لحماية المستأجرين، المحامية مايا جعارة بردويل، فإن ازدياد الطلب على خدمة الإيجار رفع معدّل الإيجارات بشكل كبير، لا سيما بين العامين 2022 و2023 حيث تضاعفت بدلات الإيجار، لا بل أصبحت في بعض المناطق 3 و4 أضعاف ما كانت عليه في السنة التي سبقتها، ثم تفاعلت المسألة مع النزوح السوري، واليوم تتفاعل مع النزوح الجنوبي.
تُشير بردويل في حديث عبر "المدن" إلى أنه مع تطورّ الأوضاع على الجبهة الجنوبية مع العدوّ الاسرائيلي، ومع احتمالية توسّع رقعة الحرب إلى لبنان، بدأنا نشهد حركة نزوح داخلي لأهل الجنوب والضاحية الجنوبية لبيروت، حيث بدأ المقتدرون من تلك المناطق يحجزون شققاً. أي أنهم "يربطون" على شقة، تحسبّاّ لتوسع رقعة المواجهات. والبعض الآخر قاموا باستئجار شقق، وذلك في مناطق أقّل خطورة، لا سيّما في البقاع والجبل وصولاً إلى ببروت والمتن وكسروان فالشمال، إلا أن الملاحظ أن هناك بعضاً من الاستغلال لواقع الحال. فعوض الاحتضان باتت بعض الإيجارات تفوق التصوّر. ولم يقتصر الوضع على الشقق المفروشة، بل تعدّاه إلى الشقق الشاغرة أيضاً، ووصلت بدلات الإيجار لشقق لا تتعدى الـ200 متر إلى أكثر من 1000 دولار شهرياً، واشتراط أن تكون المدّة لا تقل عن ستة أشهر أقلّه، في مناطق لم تكن البدلات تتعدى فيها الـ300 دولار كحدّ اقصى.
لا ينخفض ما يرتفع سعره في لبنان. هذه قاعدة تعودنا عليها في هذا البلد الذي تغيب فيه الرقابة. وهنا أيضاً يبرز غياب الحكومة التي يُفترض أن تكون حاضرة بخطتها لضبط "الاحتكار" و"التلاعب بالأسعار"، لأن ارتفاع بدلات الإيجار لم يعد محصوراً بنازحي الجنوب، أو ربطاً بالحرب. فمن يرغب اليوم بالاستئجار، لأي سبب كان، عليه أن يُجاري رفع السعر، لأن ازدياد الطلب يعني ارتفاع الأسعار. ومن يرغب بتجديد عقد الإيجار عليه أن يدفع أكثر.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها