الأربعاء 2022/09/21

آخر تحديث: 13:24 (بيروت)

أوروبا تخوض بكفاءة معركة الطاقة: شتاء بلا غاز بوتين

الأربعاء 2022/09/21
أوروبا تخوض بكفاءة معركة الطاقة: شتاء بلا غاز بوتين
خزّانات أوروبا الاستراتيجيّة من الغاز ارتفعت نسبة ملئها إلى 84% حتّى اللحظة (Getty)
increase حجم الخط decrease
لن يكفي الأوروبيين أن يتراجع الروس عسكريًّا على الأراضي الأوكرانيّة، ليحسموا أمر المواجهة التي دخلوا فيها مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. فبالتوازي مع المعركة العسكريّة على الأرض، يستعد الاتحاد الأوروبي لخوض معركة الطاقة، على أعتاب ارتفاع الطلب على الغاز خلال فصل الشتاء المقبل، في الوقت الذي تقطع فيه روسيا إمدادات غازها جزئيًّا أو كليًّا عن 13 دولة أوروبيّة.

التخلّص من ابتزاز بوتين
حتّى اللحظة، يعوّل الأوروبيون على قدرتهم على تمرير فصل الشتاء في ظل انقطاع تام للغاز الروسي، بعدما تمكنوا من تخفيض نسبة اعتمادهم على الغاز الروسي لتلبية استهلاكهم الحالي من 40% إلى 9%. أمّا بشأن ارتفاع الاستهلاك المقبل في فصل الشتاء، فتراهن أوروبا على ملء خزّاناتها الاستراتيجيّة، الذي ارتفعت نسبة ملئها إلى 84% حتّى اللحظة، ما تجاوز النسبة المستهدفة لهذه الفترة من العام.

من هذه الناحية، تشير التقديرات إلى أن هذا المخزون الاستراتيجي سيكون كافيًّا لتمرير ثلاثة أشهر من الاستهلاك الأوروبي خلال فصل الشتاء، ما سيحتّم على الأوروبيين البحث على رهانات إضافيّة تسمح بتمرير كامل زيادة الطلب خلال الأشهر الباردة المقبلة، ومن ثم التخلّص كليًّا من الاعتماد على الغاز الروسي. وبمجرّد تحقيق هذا الهدف، سيكون الاتحاد الأوروبي قد رمى كرة النار في ملعب بوتين نفسه، الذي سيتعيّن عليه إيجاد أسواق بديلة لتصريف إنتاج حقول الغاز الروسيّة. وهذه المسألة بحد ذاتها ستلتزم أكلافاً باهظة لتشييد البنية التحتيّة المناسبة، سواء على شكل أنابيب غاز جديدة، أو محطات لتسييل الغاز المُستخرج، ما قد يُدخل قطاع الطاقة الروسي في أزمة لن يخرج منها قريبًا.

زيادة إمدادات غاز النرويج
أولى المصادر البديلة للغاز الطبيعي، التي تمكنت من تعويض تراجع إمدادات الغاز الروسي طوال الفترة الماضية، كانت النرويج، التي زادت من صادرات الغاز باتجاه القارّة العجوز إلى حدود 13.26 مليار دولار في شهر تمّوز الماضي، بما يتجاوز الرقم القياسي الذي تم تسجيله منذ خمس سنوات. وبعد هذه الزيادة، باتت النرويج تؤمّن وحدها ربع حاجة الاتحاد الأوربي من الغاز الطبيعي، ونحو 40% من حاجة المملكة المتحدة، ما قد يرفع عائدات بيع الغاز بالنسبة إلى النرويج إلى حدود 100 مليار دولار هذه السنة. ولهذا السبب بالتحديد، تشير التوقّعات إلى أن النرويج بالتحديد ستكون أولى الدول القادرة على جني ثمار أزمة الطاقة في أوروبا، خصوصًا إذا ضاعفت خلال الفترة المقبلة استثماراتها في خطوط نقل الغاز.  

الرهان على غاز الجزائر
الرهان الثاني تمثّل بغاز حوض البحر الأبيض المتوسّط. وهنا، تبدأ المصادر المتوفّرة من حقول الغاز في الجزائر، المتصلة أساسًا بإيطاليا عبر خط أنابيب "ترانسميد". مع الإشارة إلى أنّ شركة سوناطرك وقّعت أساسًا هذا العام اتفاقيّة جديدة مع شركة إيني الإيطاليّة، لضخ نحو 9 مليار متر مكعّب إضافيّة من الغاز باتجاه السوق الإيطاليّة، ابتداءً من تشرين الثاني من هذا العام، فيما سجّلت واردات الغاز الجزائري إلى إيطاليا زيادة بنسبة 113% خلال الأشهر الماضية.

الغاز من حقول إسرائيل ومصر
على هامش الاجتماع الوزاري السابع لمنتدى غاز شرق المتوسّط، وقّعت القاهرة وتل أبيب والاتحاد الأوروبي مذكّرة لتسهيل نقل وتجارة وتصدير الغاز الطبيعي في ما بينهم. في خلاصة الأمر، تطمح أوروبا لتصدير الغاز المُنتج من الحقول المصريّة والإسرائيليّة، بعد تسييله في محطات دمياط وإدكو في مصر، ثم شحنه عبر البواخر. مع الإشارة إلى أن الغاز الإسرائيلي سيُنقل عبر خط الأنابيب الذي يصل عسقلان بالعريش في مصر، قبل ضمّه إلى الغاز المصري وتسييله وتصديره. وبذلك ستكون إسرائيل قد حلّت أيضًا أحجية تسويق وبيع إنتاج ثلاثة من حقولها الغازيّة، هي تمار وكاريش وليفياثان.

وفي النتيجة، وبعد المضي بآليّة التسييل والتصدير هذه، تراهن أوروبا على تأمين نحو 20 مليار متر معكّب سنويًّا من الغاز الطبيعي، من خلال حقول شرق المتوسّط وحدها.

قطر والولايات المتحدة والغاز المُسال
منذ بداية الأزمة، في شهر آذار الماضي، استهدفت ألمانيا إحلال قطر مكان روسيا كمصدر أساسي للغاز المُسال، بالنظر إلى طاقة قطر الإنتاجيّة في هذا المجال، التي تضعها ضمن أكبر ثلاث دول مصدّرة للغاز المُسال في العالم. ولهذا السبب بالتحديد، بدأت ألمانيا ببناء ثلاث محطات عائمة جديدة لتخزين الغاز، وزيادة استيعاب سلاسل التوريد الألمانيا للغاز المُسال المستوردة، فيما بدأت الشركات الألمانيا بالتفاوض مع قطر لزيادة صادرتها من الغاز المُسال.

أمّا الولايات المتحدة، فتسعى اليوم لزيادة إنتاجيّة محطّات تسييل الغاز الخاصّة بها، لمحاولة ملء الفراغ الذي أحدثه الغاز الروسي في الأسواق الأوروبيّة، ومضاعفة صادراتها إلى أوروبا. وتجدر الإشارة إلى أنّ الولايات المتحدة رفعت من صادراتها من الغاز المُسال باتجاه أوروبا خلال السنوات الماضية، لتصل خلال العام الماضي إلى نحو ربع حاجة السوق الأوروبي من هذه المادّة.

لعبة عض أصابع
بالإضافة إلى كل ما سبق، يدخل من ضمن الحسابات الأوروبيّة رهانات أخرى، لتمرير فصل الشتاء بأقل قدر ممكن من الأضرار على الاقتصاد الأوروبي، ومنها التقشّف ومحاولة خفض استهلاك الطاقة، وتأجيل خطط إقفال معامل الكهرباء العاملة على الطاقة النوويّة، أو حتّى إعادة تشغيل معامل الكهرباء العاملة على الفحم الحجري. وفي خلاصة الأمر، سيجمع الأوروبيون كل هذه المعادلات للوصول إلى نتيجة واحدة: شتاء بلا غاز روسي، وبلا انهيار للقطاعات الاقتصاديّة الانتاجيّة الأوروبيّة.

وكما هو واضح، ستكون المسألة أشبه بلعبة عض أصابع، بين الأوروبيين والروس. لكن في حال تمرير الشتاء بسلام على الضفّة الأوروبيّة، وفي حال تمكّن الأوروبيون من تطبيع الاستغناء عن الغاز الروسي بأقل أضرار، سيكون على بوتين التعامل مع إشكاليّة فائض إنتاجه من الغاز، الذي استغنت عنه السوق الأوروبيّة. وكما هو معلوم، لا تملك روسيا في الوقت الراهن البنية التحتيّة المطلوبة لتسييل هذا الغاز وتصديره، ولا السعة الكافية في أنابيب الغاز المتوجّهة إلى شرق آسيا، ما سيكبّد الاقتصاد الروسي خسائر وازنة إلى حين معالجة هذه الإشكاليّة. وبذلك، سيكون بوتين قد حمّل الروس كلفة مغامرة حرب الطاقة، بالتوازي مع تحميلهم كلفة مغامرة المعركة العسكريّة في أوكرانيا.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها