الثلاثاء 2022/08/09

آخر تحديث: 10:42 (بيروت)

"السريّة المصرفيّة" عالق ببعبدا: عون ينتظر رأي صندوق النقد

الثلاثاء 2022/08/09
"السريّة المصرفيّة" عالق ببعبدا: عون ينتظر رأي صندوق النقد
خبراء صندوق النقد ممتعضون من صيغة قانون السرية المصرفية التي تمّ تمريرها في المجلس النيابي (دالاتي ونهرا)
increase حجم الخط decrease
وقّع رئيس الجمهوريّة يوم أمس تسعة من القوانين التي جرى إقرارها في المجلس النيابي مؤخّرًا، من بينها قانون يقضي بفتح اعتماد إضافي في احتياطي الموازنة، وآخر يعدّل طريقة استيفاء رسوم الخروج على المسافرين بطريقة الجو أو البحر، بالإضافة إلى اتفاقيّات ومعاهدات تعاون تقني أخرى.

وحدها تعديلات قانون السريّة المصرفية لم تحظَ بتوقيع رئاسة الجمهوريّة، بانتظار تلقّي ملاحظات خطيّة ورسميّة على هذه التعديلات من جانب صندوق النقد، وهو ما يُمكن أن يُفضي إلى إعادة القانون إلى مجلس النوّاب لتعديل بعض بنوده حسب توصيات الصندوق. مع الإشارة إلى أنّ سبب تريّث الرئاسة في توقيع القانون يكمن في تلقّي فرق عملها إشارات لا تبشّر بالخير، لجهة امتعاض خبراء الصندوق من الصيغة التي تمّ تمريرها في المجلس، في حين أن هدف إقرار القانون كان أساسًا تلبية أحد شروط التفاهم المعقود مع الصندوق على مستوى الموظّفين.

إشارات سلبيّة من صندوق النقد
تشير المعلومات المتداولة إلى أنّ فريق عمل الرئاسة تلقّى ملاحظات شفهيّة مبدئيّة من بعض الخبراء العاملين في بعثة صندوق النقد، بما يفيد بأن صيغة تعديلات السريّة المصرفيّة التي تم إقرارها المجلس النيابي "قد لا تحظى بموافقة بعثة الصندوق لاحقًا"، نظرًا لوجود "تباينات كبيرة بين ما تم إقراره وما يريده صندوق النقد من هذه التعديلات" (راجع "المدن").

من الناحية العمليّة، وبحسب ما تم إبلاغه إلى فريق عمل رئاسة الجمهوريّة، يجد الصندوق نفسه معنيًّا بعدّة نقاط في هذه التعديلات، لكونها تتصل بشكل وثيق بإحتمالات نجاح خطّة التعافي المالي، وبإمكانيّة تنفيذ التفاهم الذي سيُعقد بين صندوق النقد ولبنان، ومن هذه النقاط بالتحديد:

1- المسألة التي تتصل بصلاحيّات لجنة الرقابة على المصارف، التي يستبعد الصندوق تمكينها من الإشراف على مسار إعادة هيكلة القطاع، ما لم يتم إعطاؤها –وبعبارة صريحة جدًا- صلاحيّة رفع السريّة المصرفيّة. مع الإشارة إلى أنّ التعديلات الأخيرة اكتفت بعبارة مبهمة بهذا الخصوص، بما يربط آليّة اطلاع لجنة الرقابة على المصارف على داتا المصارف بمرسوم يتم إقراره لاحقًا في مجلس الوزراء، وبعد استطلاع رأي المجلس المركزي لمصرف لبنان.

2- لم يتلقّف الصندوق بإيجابيّة ربط نطاق الجرائم الماليّة التي يمكن للقضاء رفع السريّة المصرفيّة عند النظر فيها بقوانين أخرى (قانوني مكافحة تبييض الأموال وأصول المحاكمات الجزائيّة)، بدل تعداد هذه الجرائم بشكل صريح ومستقل عن هذه القوانين. وهذا الالتفاف والتذاكي، يمكن أن يؤدّي لاحقًا إلى تقييد القضاء بصلاحيّات هيئة التحقيق الخاصّة، حيث يفرض قانون مكافحة تبييض الأموال على القضاء توجيه طلبات رفع السريّة المصرفيّة إلى هذه الهيئة، عند النظر في الجرائم المنصوص عنها في القانون. أما ربط المسألة بالمادة 19 من قانون أصول المحاكمات الجزائيّة، فسيعني ربط مسار رفع السريّة المصرفيّة بصلاحيّات النائب العام المالي، الذي يملك صلاحيّة النظر بالجرائم المنصوص عنها في هذه المادّة. ومعالجة هذه المسألة يمكن أن تتم بمجرّد تعداد جميع الجرائم المنصوص عنها في القانونين، بدل ربط التعديلات بمواد القانونين كما جرى.

3- في السجال مرتبط بمفعول القانون الرجعي، أي أثره على داتا المصارف التي يسبق تاريخها تاريخ القانون، لا يجد صندوق النقد نفسه معنيًّا بالمسألة من ناحية مبدأ المحاسبة وكشف الجرائم الماليّة السابقة، لكونه يعتبر هذا المسار القضائي ملف سيادي داخلي بامتياز. لكنّه يجد نفسه معنيًّا بهذه المسألة من ناحية ارتباطها بملف تدقيق أرقام المصارف وشرائح الودائع ومصادر الخسائر المتراكمة، وهو ما يتصل بتنفيذ خطّة التعافي المالي لاحقًا. ولذلك، قد يجد الصندوق نفسه معنيًّا بغياب أي إيضاح بخصوص رجعيّة القانون (راجع "المدن").

بانتظار الملاحظات الخطيّة
كل ما سبق، لم يكن سوى مجموعة من الملاحظات التي نقلها خبراء الصندوق بشكل شفهي ومبدئي لفريق العمل المحيط برئاسة الجمهوريّة، بوصفه الجهة المسؤولة عن التفاوض بالنيابة عن الدولة اللبنانيّة أولًا، وبصفته رأس السلطة التنفيذيّة الذي يملك اليوم صلاحيّة رد القانون إلى المجلس لتعديله، بدل توقيعه. وبناءً على الملاحظات الحادّة التي تلقتها رئاسة الجمهوريّة، تقرّر عدم توقيع القانون، وانتظار تلقي ملاحظات بعثة صندوق النقد الدولي بشكل خطّي ورسمي، لضمها إلى ملاحظات رئاسة الجمهوريّة في حال رد القانون إلى المجلس النيابي. مع الإشارة إلى أنّ مصادر متابعة لما يجري في قصر بعبدا تشير إلى أنّ رد القانون إلى المجلس النيابي سيكون مسألة حتميّة، إذا تم تلقّي ملاحظات مكتوبة من بعثة صندوق النقد، تفيد بعدم موافقة الصندوق على الصيغة التي تم إقرارها (راجع "المدن").

وبانتظار تلقّي ملاحظات صندوق النقد، تتسارع اتصالات عدد من الخبراء والقانونيين مع دوائر القصر الجمهوري، لإيداعها المزيد من الملاحظات حول القانون، على أمل ضمّها إلى ملاحظات الرئاسة عند إعادة القانون إلى مجلس النوّاب. وفي حال إعادة القانون إلى المجلس، سيكون السؤال حول مدى استعداد المجلس لإعادة النظر في القانون حسب ملاحظات صندوق النقد الدولي، حتّى لو عنى ذلك تحدّي مصالح سياسيّة وماليّة كبيرة (راجع "المدن"). أمّا إصرار المجلس على القانون بصيغته الحاليّة، وبوجود ملاحظات جوهريّة من قبل صندوق النقد، فسيعني المغامرة بتطيير التفاهم المبدئي المعقود حاليًّا مع الصندوق.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها