الجمعة 2022/07/29

آخر تحديث: 12:02 (بيروت)

الحبوب الأوكرانية المسروقة بطرابلس: تهريب لبناني أم دعم للأسد؟

الجمعة 2022/07/29
الحبوب الأوكرانية المسروقة بطرابلس: تهريب لبناني أم دعم للأسد؟
عدم تبني أي جهة لاستقدام السفينة "لاودسيا" يذكّر بحالة السفينة "روسوس" التي فجّرت مرفأ بيروت (الإنترنت)
increase حجم الخط decrease
تتقاعس الدولة بأجهزتها وإداراتها عن القيام بواجبها لإدارة الأزمة. ما يفتح المجال أمام الفوضى ذات الاحتمالات الكثيرة والنهايات المتعدّدة، ومنها تحويل البلاد إلى مسرح للتهريب سواء الداخلي أو نحو بلدان مجاورة. ويُعيد وصول السفينة "لاودسيا" إلى مرفأ طرابلس، محمّلة بآلاف الأطنان من الشعير والطحين المشتبه بسرقتها من أوكرانيا، فتح الاحتمالات التي تصل إلى توتير العلاقات الثنائية مع بلدان صديقة. وحتى اللحظة، تبقى السفينة يتيمة، إذ لم يتبنّها أحد. و"يُتمها" المشبوه، يوجّه الأنظار نحو سوريا. إذ من المحتمل أن يكون وصولها إلى طرابلس جزءاً من عملية الالتفاف على العقوبات الأميركية المفروضة على النظام السوري.

حمولة مسروقة
يشهد لبنان أزمة خبز تتصاعد وتيرتها بسبب عدم توفّر الدولارات الكافية لاستيراد القمح، من جهة، وانقطاع خط التوريد من أوكرانيا التي يستورد منها لبنان 60 بالمئة من حاجته، من جهة أخرى. ولأن الحاجة ملحّة، كان التبرير الأوّل لوجود السفينة في طرابلس، هو استيراد لبنان لحمولتها، خصوصاً وأنها تحمل نحو "خمسة آلاف طن من الشعير ومثلها من القمح"، وفق ما قالته السفارة الأوكرانية في بيروت لوكالة رويترز. إلاّ أن بساطة التصوير سرعان ما تتعقّد مع رسم السفارة علامات استفهام حول السفينة، إذ قالت أن أوكرانيا "تشتبه بأن روسيا سرقتها (الحمولة) من مخازن أوكرانية".

السفينة التي لم تفرغ حمولتها بعد في المرفأ، اشتُكيّ عليها أمس أمام رئيس الجمهورية ميشال عون، من قِبَل السفير الأوكراني في لبنان إيهور أوستاش، الذي رَفَعَ مستوى التحدّي معتبراً أن "شراء سلع أوكرانية مسروقة من شأنه أن يضر بالعلاقات الثنائية بين كييف وبيروت". لكن لبنان لم يتبنَّ شراء الحمولة. فوزير الاقتصاد أمين سلام أشار لرويترز أن "إدارة الجمارك ووزارة الزراعة تتابعان الأمر".

ولمزيد من التفاصيل، نَفَت مصادر في وزارة الاقتصاد في حديث لـ"المدن"، علم الوزارة أو أيّاً من مديرياتها بطلب تلك الشحنات. وأوضحت المصادر أن "استيراد القمح أو الحطين لا يشترط موافقة الوزارة إلا إذا كان مدعوماً بدولارات من مصرف لبنان، فحينها تعرف الوزارة الكمية المستوردة وأسعارها، وما عدا ذلك، يتم بشكل حرّ من قبل الشركات والمطاحن. والجمارك تتأكّد من قانونية الاستيراد". وبالتالي، ترجّح المصادر أن تكون الشحنة مشتراة "إما من بعض المطاحن كطحين حُر لانتاج الحلويات أو الخبز الافرنجي، أو مستوردة من بعض المزارعين، وهذا ما ستثبته التحقيقات. والمسألة في هذه الحالة عند الجمارك اللبنانية".
حالياً، لا شبهة على تورّط لبنان رسمياً. وردّ الشبهة بصورة صريحة، يقتضي رفض إنزال الشحنة إلى حرم المرفأ قبل اتّضاح حقيقتها. ولمزيد من الإيجابية تجاه أوكرانيا أولاً والمجتمع الدولي ثانياً، على لبنان ترحيل السفينة إذا تأكَّدَت الشبهات حول سرقة حمولتها.
وأولى التداعيات الديبلوماسية كشف عنها وزير الخارجية اللبناني، عبدالله بوحبيب، قائلاً: تلقينا احتجاجات غربية عقب وصول سفينة ترفع علم سوريا‬⁩ إلى مرفأ طرابلس‬⁩ محملة بالقمح والشعير. وأضاف: نقوم بفحص السفينة ولم نتمكن بعد من تحديد مصدر المواد على أن نتخذ القرار المناسب لاحقاً.

بين قيصر والتجّار
تنصّل لبنان من شرائه للحمولة وعدم تبنّي أي جهة استيرادها، يرجّح أن يكون وصول السفينة إلى طرابلس عبارة عن محطة قبل إدخال الحمولة إلى سوريا، كوسيلة للالتفاف على قانون قيصر الذي يحظر التعامل مع النظام. وما يرفع احتمالات تورط سوريا في المسألة، هو ملكية السفينة لـ"المديرية العامة للموانئ السورية". كما أن السفارة الأوكرانية في بيروت، أكدت أن روسيا عملت منذ غزوها لأوكرانيا في شباط الماضي، على إرسال "نحو 100 ألف طن من القمح المسروق إلى سوريا". ووصفت هذا العمل بـ"النشاط الإجرامي". لكن في الوقت عينه، أكدت وزارة الدفاع الأوكرانية، في شهر أيار الفائت، أن "سفناً محمّلة بالحبوب الأوكرانية المسروقة، ترفع العلم الروسي وتتجه إلى سوريا". كما أشارت المخابرات الأوكرانية مراراً إلى أن "الوجهة الأكثر احتمالاً للحبوب التي تسرق من البلاد هي سوريا، ومنها يمكن توريد الحبوب إلى بلدان أخرى في الشرق الأوسط". وعليه، كان بالامكان توجّه السفينة مباشرة نحو سوريا طالما أن شحنات أخرى سبقتها إلى هناك. ما يشي بوجود قطبة مخفية حول علاقة هذه الشحنة بشبكة تجّار سوريين ولبنانيين يرغبون باستغلال الأزمة في البلدين. أي أن تكون الشحنة مستوردة لتجار يحظون بغطاء من النظام السوري، وبشكل أوسع، على علاقة بالجيش الروسي أو ضباط روس يسهّلون تهريب الحبوب من أوكرانيا.

من جهة أخرى، تذكّر "لاودسيا" بسفينة "روسوس" التي أدخلت شحنات الأمونيوم إلى مرفأ بيروت. ورغم اختلاف نوع الحمولة وتأثيرها الأمني، إلاّ أنهما تشتركان بفجائية وصولهما إلى لبنان وعدم تبنّيهما من أي جهة. وإن كانت حمولة روسوس قد فجّرت مرفأ بيروت، فإن حمولة لاودسيا قد تفجّر، في حال إنزال حمولتها، العلاقة مع المجتمع الدولي الذي يحتاج لبنان لترتيب علاقته معه في إطار السعي للخروج من الأزمة. وهذا ما يضع الوزارات المعنية، ومجلس الوزراء مجتمعاً، فضلاً عن الأجهزة الأمنية، أمام تحدّي إبعاد أي شبهة عن لبنان. فضلاً عن مسؤوليّتهم في درء خطر كرّ سبحة الاستيراد المشبوه واستغلال الشحنات المهرّبة بتوسيع السوق السوداء لربطة الخبز.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها