الخميس 2022/07/28

آخر تحديث: 11:13 (بيروت)

فيول إيراني لكهرباء لبنان: فيّاض الغريق وقشّة نصرالله

الخميس 2022/07/28
فيول إيراني لكهرباء لبنان: فيّاض الغريق وقشّة نصرالله
تجربة "هبة" المازوت السابقة غير مشجّعة (مصطفى جمال الدين)
increase حجم الخط decrease
تتّخذ الكهرباء مساراً انحدارياً مع الاعتماد الحالي على معمل الزهراني منفرداً، لإنتاج ما لا يزيد عن 4 ساعات نظرية، بعد خروج معمل دير عمار من الخدمة، وعدم وصول كمية كافية من الفيول بموجب اتفاقية الاستيراد الموقّعة بين لبنان والعراق. ويزداد القلق مع اقتراب موعد انتهاء العقد في شهر أيلول المقبل، فيما لم يصدر بعد قرار رسمي بتجديد الاتفاق، رغم المؤشرات الإيجابية التي يبديها العراق حتى اللحظة. كما أن وزير الطاقة وليد فياض لم يوَفَّق بعد في استمالة الأتراك أو الجزائريين لتقديم مبادراتٍ تخفّف وطأة الأزمة. ولشدّة المأزق، تلقّف فيّاض سريعاً، كلام الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله حول توريد الفيول الإيراني إلى لبنان، مرحّباً بـ"الهبة"، معلناً جهوزيته "لتلقي المزيد من التفاصيل حوله من الجهات المعنية، ومن ثم عرضه على مجلس الوزراء ضمن الأصول والقوانين المرعية".

فيول الخطابات
إيران هي الجهة السادسة التي يستجدي فيّاض خدماتها بعد الأردن ومصر وتركيا والجزائر والعراق. ووحدها الأخيرة، تمكّنت من عبور الخطابات إلى الواقع. على أن الأردن ومصر، دخلتا حيّز توقيع الاتفاقيات، بانتظار تمويل البنك الدولي وإعفاءات قانون قيصر. أما تركيا والجزائر، فالأولى ما زالت بعيدة، والثانية سترى ما يناسبها، بعد نقل سفيرها في لبنان إلى المراجع المعنية، نتائج اجتماعه مع فيّاض. أما إيران فقدَّمَ باسمها نصرالله هبة غير معروفة الكمية والنوعية، فيما الوزارات والمراجع الرسمية في البلد الأم، لا تعرف رسمياً بالعرض. ومع ذلك، جَعَلَ فيّاض كلام نصرالله بمنزلة القرار الرسمي، قائلاً إن "عرض هبة الفيول الإيراني هو من ضمن الحلول لأزمة الكهرباء، على أن يستكمل بالتزامن معه الحل الذي بدأنا به وهو تنفيذ الاتفاقيات التي وقعت مع الشقيقتين مصر والأردن".

كلام فيّاض يعني من زاوية أخرى، أن عرض نصرالله أُدرِج على قائمة الوزارة كحلّ. لكن لا يمكن للوزير المرور سريعاً على العرض ويستتبع كلامه بعبارة "بالتزامن معه"، ما لم يكن يفكّر جديّاً بالعرض. وبالتالي، هل سأل الوزير نفسه لماذا لم يقدّم العرض مرجع إيراني رسمي؟ ولأن الجواب مفقود، يبقى نصرالله وحده هو "الجهات المعنية" التي ستقدّم لفيّاض تفاصيل عرضٍ غير حقيقي.

أيضاً، ولأنه لا يمكن عرض خطاب لرئيس حزب، على مجلس الوزراء ونقاشه بوصفه مبادرة إيرانية رسمية، ما لم يصدر عن مسؤول إيراني. وهنا، لا بد من العودة إلى تصريح وزير الطاقة السابق ريمون غجر، حين قرّر الحزب الإتيان ببواخر المازوت في العام الماضي. حينها، أكّد غجر أنه لم يتلقَّ طلباً رسمياً لاستيراد الوقود الإيراني، ومَن يريد إدخاله إلى لبنان، لم يحصل على إذن مسبق. وبالتالي، لم يحصر غجر أي مبادرة وأي فعل يخصّ المحروقات، بمسار رسمي يمرّ عبر الوزارة، ولم ينزلق لتبنّي سمك في البحر.

معضلة التمويل
بعيداً من نوايا الخطابات والشعارات، فإن جلب الهبة الإيرانية يستتبع تأمين دولارات نقدية، تجاهَلَها فيّاض، ذلك لأنه يرمي مسألة التمويل على عاتق الخزينة، وهو نهج معتمد في وزارة الطاقة بعيداً من هوية الوزير. وإن كان الفيول مجانياً، فنقله من إيران إلى لبنان، وإجراء الاختبارات لمعرفة ما إذا كان صالحاً للمعامل أم لا، أمرٌ مكلف وليس مجانياً. ناهيك بامكانية أن يكون قصد نصرالله بالفيول، الغاز أويل، على غرار ما يورّده العراق، فتزيد على الفاتورة كلفة معالجته وتحويله إلى فيول للمعامل.

تلك الأكلاف ستضاف إلى ما سيدفعه لبنان للعراق في حال تجديد الاتفاقية معه وزيادة كميات الفيول المستورد. وكذلك في حال موافقة الجزائر أو تركيا على استئناف التعاقد مع لبنان. وهي أكلاف لا يمكن تجاوزها إلا إن قرّر لبنان الاكتفاء بالنفط الإيراني المزعوم وفك التعاقد مع العراق، وهو أمر مستبعد.
ما ليس مستبعداً أيضاً، هو استغلال وزارة الطاقة العرض الخطابي لنصرالله، للضغط على الحكومة ومصرف لبنان، الأولى لإقرار سلفات خزينة لصالح مؤسسة كهرباء لبنان لتأمين الفيول، والمصرف لتبديل ليرات السلفات بالدولارات، وهو ما لن يقبله الطرفان، فتغدو الوزارة بصورة البطل، والحكومة والمصرف بصورة المعرقل. ولا بأس إن تناغَمَ الحليفان في طرح الشعارات، ما دامت مكسباً لطرفين يريدان توزيع جزء من الفشل على زملائهما في المنظومة.

بين إيران وأميركا
يريد نصرالله من إيران أن تقدّم هبة من الفيول. وهو صاحب تجربة سابقة غير مشجّعة، إذ بيعَ المازوت بسعر يقل قليلاً عن سعر السوق، ذلك نتيجة عدم دفع الضرائب والرسوم، فيما قيل بداية أنه هبة. ثم قيل أن رجال أعمال مقرّبين من الحزب دفعوا ثمن الشحنات مسبقاً. علماً أن أسعارها كانت ترتفع مع ارتفاع أسعار المحروقات في السوق، فكيف يكون الدفع مسبقاً؟

إيران مأزومة اقتصادياً وكهرباؤها مقطوعة عن الملايين من الناس منذ سنوات، وأعلنت الشهر الماضي تدابير لمواجهة نقص الكهرباء. ومع ذلك، لا يهتم نصرالله وفيّاض للتفاصيل الاقتصادية والمالية. فالأول يريد من كل هذه العراضة موقفاً سياسياً موجّهاً للسفيرة الأميركية دوروثي شيا، ولخصوم الحزب في لبنان. والثاني يريد خروجاً مشرّفاً من الوزارة مهما كلّف الثمن.
على أن المساحة التي يستغلّها الحليفان للمناورة، هي تأخّر حسم الولايات المتحدة الأميركية قضية الإعفاءات من تداعيات قانون قيصر، لتسهيل مرور الكهرباء والغاز. وهو أمر ليس بيد السفيرة الأميركية بل بيد البنك الدولي والكونغرس. مع التذكير بأن على لبنان، في جميع الأحوال، تأمين الدولارات، وهو ما يعيد النقاش إلى نقطة الصفر.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها