الإثنين 2022/06/27

آخر تحديث: 12:11 (بيروت)

نقابة رياض سلامة تتحدى القضاء!

الإثنين 2022/06/27
نقابة رياض سلامة تتحدى القضاء!
غالبيّة موظفي مصرف لبنان تشعر أن رياض سلامة بات مجرّد ورقة محروقة (المدن)
increase حجم الخط decrease

من الصعب توصيف الدور الذي تضطلع به نقابة موظفي مصرف لبنان مؤخرًا بأنه عمل مطلبي نقابي، يعبّر عن مصالح موظفي المصرف ومستخدميه، كما يُفترض بأن يكون الحال. فبعد عرقلة النقابة لمهمّة التدقيق الجنائي في مصرف لبنان في مطلع هذا العام، بحجّة الحفاظ على خصوصيّة موظفي المصرف، تحوّل تركيزها اليوم إلى التصدّي للقضاء، بعدما ادعت النيابة الاستئنافيّة في جبل لبنان على حاكم مصرف لبنان ونوّابه الأربعة السابقين، ومفوّضي الرقابة ومدير عام الماليّة السابق آلان بيفاني.

وهكذا، قررت نقابة عمّاليّة اليوم بكل بساطة أن تبادر إلى فتح معركة ضد القضاء، لحماية مدراء الموظفين من تهم التزوير وتبييض الأموال، في مهمّة لا يمكن العثور عليها في قاموس العمل النقابي المألوف. وحتّى بعد الأخذ بالاعتبار وجود دوافع سياسيّة خلف عمل النائبة العامّة الاستئنافيّة في جبل لبنان غادة عون، لا يمكن فهم توريط نقابة موظفين في معركة من هذا النوع، لحماية المدراء المتهمين بمخالفات وارتكابات مهنيّة جسيمة، بمعزل عن أسباب فتح الملف اليوم.

الابتزاز بخيار الإضراب
في كل الحالات، دعت النقابة إلى جمعيّة عموميّة اليوم الإثنين، لتتخذ القرار المناسب ردًا على الادعاء القضائي، بعدما لوّح مجلس النقابة بإمكانيّة اللجوء إلى خيار الإضراب ردًا على الادعاء. وحين تتحدّث نقابة موظفي مصرف لبنان عن خيار الإضراب، فهي تعلم جيّدًا مدى الابتزاز الذي تمارسه بحق الدولة والمجتمع بهذا الخيار، خصوصًا إذا كان المقصود إضراب تحذيري يمهّد لإضراب مفتوح في المستقبل. فإضراب مصرف لبنان، سيعني ببساطة تعليق التحويلات إلى الخارج، ووقف عمليّات المنصّة وبيع الدولار عبرها، وتعطيل مقاصة الشيكات ووسائل الدفع بين المصارف، وغيرها من الإجراءات الموجعة. وهذا الابتزاز الموصوف، لم تمارسه النقابة لتحصيل حقوق إضافيّة للمنتسبين إليها، أي موظفي وعمال المصرف، في أي مرحلة من المراحل. فما الذي يدفع نقابة ما لتصعيد من هذا النوع من أجل الحاكم ونوّابه وسائر المدعى عليهم؟

النقابة أداة بيد الحاكم
مصادر من داخل المصرف المركزي تشير إلى أنّ الحاكم تمكّن بالفعل من تحويل النقابة إلى مجرّد أداة من الأدوات العديدة التي يخوض من خلالها معاركه، إلى جانب الإعلاميين والخبراء وبعض أعضاء المجلس المركزي المتعاقبين وغيرهم. فمنذ أكثر من سنة، انتهت ولاية مجلس النقابة الحالي من دون أن يدعو رئيس النقابة إلى جمعيّة عموميّة لانتخاب مجلس جديد، رغم استقالة معظم أعضاء المجلس الحالي احتجاجًا على توريط النقابة في معارك لا ترتبط بمصالح عمال وموظفي المصرف. لا بل تشير المصادر نفسها إلى أنّ جزءاً كبيراً من موظفي وعمال المصرف استنكفوا عن حضور اجتماعات النقابة نفسها أو التعاطي معها، بالنظر إلى الأدوار التي تلعبها في خدمة حاكم المصرف، والتي تدور حولها الكثير من علامات الاستفهام.

أمّا من تبقى من القيّمين على النقابة أو الفاعلين فيها، فليسوا سوى مجموعة تمكنت من تشبيك مصالحها مع الحاكم بشكل أو بآخر، مقابل رهن النقابة لمعاركه الشخصيّة. وهذا تحديدًا ما ينطبق على رئيس النقابة نفسه عباس عواضة، الذي تمكن من لعب أدوار مهمة في عمليّات القطع وبيع الدولار المدعوم عبر منصّة صيرفة، والتي تدور حول عمليّاتها الكثير من الشكوك لجهة كيفيّة تحديد المستفيدين منها. مع الإشارة إلى أنّ الحاكم لطالما اعتمد هذا النمط من تبادل المصالح مع العديد من الأطراف، كحال بعض نوّابه المتعاقبين، مستفيدًا من حجم الصلاحيّات الواسعة التي يمسكها في إدارة المصرف المركزي وتوزيع الأدوار والمهام، من دون أي رقابة أو قيود تنظيميّة.

امتعاض في أوساط الموظفين
بالنسبة لاجتماع اليوم، تشير المصادر إلى حملة ضغوط واسعة تجري منذ الأسبوع الماضي، لحشد أوسع نسبة من التأييد لفكرة الإضراب في أوساط الموظفين. ومع ذلك، وحتّى صباح اليوم الإثنين، كانت غالبيّة الموظفين تشعر أن رياض سلامة بات مجرّد ورقة محروقة، ومن غير المنطقي أن يتم توريطهم في معركة سياسيّة إلى جانب الحاكم لا طائل منها ولا نفع، ناهيك عن حساسيّة استعمال ورقة الإضراب في وجه تحقيقات قضائيّة في هذه اللحظة بالتحديد. مع الإشارة إلى أنّ نسبة واسعة من موظفي المصرف تملك المعرفة التقنيّة التي سمحت لها بفهم طبيعة بعض العمليّات التي تورّط بها الحاكم سابقًا، والتي تسرّبت الوثائق والعقود المرتبطة بها إلى وسائل الإعلام، وهو ما يدفع هؤلاء إلى المطالبة بتحييد الموظفين عن مغامرات حاكم متورّط بمسائل من هذا النوع.

على أي حال، وبالنظر إلى حجم الامتعاض الذي يسود صفوف الموظّفين من فكرة "رهنهم" ووضعهم كمتاريس في وجه القضاء، وفي المعارك السياسيّة الجارية بين الحاكم وخصومه، ترجّح المصادر أن يشهد اجتماع اليوم تحجيماً للاحتجاج الذي يطالب به رئيس النقابة عبّاس عواضة، ليقتصر على الدعوة لإضراب شكلي لمدّة ساعتين خلال يوم معيّن، يزاول خلاله الموظفين أعمالهم من داخل المكاتب من دون استقبال معاملات من خارج المصرف. على أن يعمل الموظفون كالعادة خلال سائر ساعات النهار نفسه، من دون أن يتم إقفال المصرف كإضراب لمدّة يوم كامل كما طالب عواضة في البداية. أمّا فكرة الإضراب المفتوح، فباتت من الماضي، بعد أن لمست النقابة خلال الأيام الماضية انزعاج الموظفين من مغامراتها وتصعيدها غير المحسوب. باختصار، بات هامش المناورة لدى عواضة والحلقة المهيمنة على قرار النقابة أضيق.

أمّا المعركة الأهم، فهي تلك التي بدأ البعض بالحديث عنها داخل مصرف لبنان، والتي تتركّز على محاولة فرض انتخابات داخل النقابة، بما يُفضي إلى إعادة تشكيل مجلس كامل للنقابة، مع رئيس جديد، بعدما انتهت ولاية المجلس الحالي ورئيسه منذ أكثر من سنة. وهذه المعركة، هي ما سيسمح بتحرير قرار النقابة، وإعادتها إلى الدور الذي يُفترض أن تلعبه، والمرتبط بحماية مصالح الموظفين وتعزيز مكاسبهم، لا العمل ككبش فداء للحاكم الذي يمضي آخر أيامه داخل أروقة المصرف.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها