الخميس 2022/05/12

آخر تحديث: 18:27 (بيروت)

الحكومة كتلميذ كسول تجتمع بالدائنين خالية الوفاض: "انشالله خير"!

الخميس 2022/05/12
الحكومة كتلميذ كسول تجتمع بالدائنين خالية الوفاض: "انشالله خير"!
ما استعرضته الحكومة لم يحمل للدائنين أي جديد (الأرشيف)
increase حجم الخط decrease

كالتلميذ الكسول الذي أهمل واجباته طوال السنة الدراسيّة، ثم استذكر ضرورة التحضير للامتحان كيفما اتفق، في اللحظات الأخيرة، تستبق الحكومة اللبنانيّة الأيّام الأخيرة قبل الانتخابات النيابيّة لتمرير الاستحقاقات التي تأخرت في التعامل معها منذ تشكيلها. فبعد رمي كرة مشروع قانون الكابيتال كونترول على عجل، وبصيغة ركيكة، في ملعب المجلس النيابي، وبعد التسرّع في صياغة خطّة تعافٍ مبهمة، لا تحمل أي إجابات مفصّلة حول كيفيّة توزيع الخسائر، جاء الدور الدائنين الذين تجاهلهم لبنان منذ آخر اجتماع جمعهم بوزارة الماليّة قبل أكثر من سنتين. وهكذا، دعت وزارة الماليّة دائني لبنان –أي حملة سندات اليوروبوند- إلى اجتماع افتراضي يوم أمس، لتعرض عليهم تقدّمها في معالجة التعثّر الذي تمرّ به، ولتبلغهم بالخطوات المقبلة.

خطوة بروتوكوليّة غير منتجة
في خلاصة الأمر، لم يحمل الاجتماع سوى مراجعة لما يمكن أن يعرفه المستثمرون من وسائل الإعلام والتسريبات، سواء في ما يخص التفاهم المبدئي مع صندوق النقد، أو في ما يرتبط بخطّة التعافي المالي التي وضعتها الحكومة على هامش هذا التفاهم. مع الإشارة إلى أنّ الإنجاز الأساسي الذي استعرضته الحكومة أمام الدائنين، أي التفاهم المبدئي مع الصندوق، لم يخرج بدوره من إطار "سلق" الإجراءات بتسرّع قبل انتقال الحكومة إلى مرحلة تصريف الأعمال، بدلالة ارتباطه بلائحة طويلة من الشروط الصعبة المسبقة (يجب إنجازها قبل التفاهم النهائي)، والتي لم تباشر الحكومة حتّى دراستها أو التحضير لها.

لكل هذه الأسباب، وبغياب ما يمكن مناقشته من تقدّم على مستوى المعالجات الجديّة الماليّة، تحوّل الاجتماع يوم أمس إلى سرد رتيب لأحداث الأشهر الماضية، حتّى بدا أن كل ما أرادته وزارة الماليّة من الاجتماع هو تسجيله كخطوة بروتوكوليّة في رصيدها. وفي النتيجة، لا يوجد ما يبشّر بقرب أوان المفاوضات الجديّة مع الدائنين، التي يُفترض أن تفضي إلى إعادة هيكلة الدين والاقتصاص من قيمة السندات لاحقًا. أما أهم ما في الأمر، فهو أن الحكومة لم تحمل في جعبتها ما يشير إلى جديّة مسار استعادة الانتظام المالي، وهو ما يمكن أن يعطيها نقطة تفاوضيّة في وجه الدائنين. وفي النتيجة، انتهى الاجتماع بما يمكن تلخيصه بعبارة "انشالله خير"، كما يُقال باللهجة المحكيّة.

عرض للتطوّرات الماليّة
الوثيقة التي قدّمتها الحكومة للمستثمرين، بدأت بملاحظة تشير إلى أن جميع الأرقام والمعطيات الواردة فيها، بما فيها الأرقام الماليّة، لم يتم تدقيقها بعد. وأن الحكومة والمسؤولين والموظفين المسؤولين عن تحضير الوثيقة لا يتحمّلون أي مسؤوليّة لجهة دقّة الأرقام الواردة فيها، أو شموليتها. العبارة وحدها كانت كفيلة بطرح الشكوك حول جديّة اجتماع مع مسؤولين لم يتمكنوا حتّى اللحظة من تدقيق أرقام مصرفهم المركزي والمصارف التجاريّة، أو حتّى التحقق من حجم الاحتياطات النقديّة بالعملات الأجنبيّة المُشار إليها، وهو ما يمثّل شرطاً أساسياً من شروط أي تفاوض جدي في المستقبل.

لاحقًا، ينطلق العرض الذي حضّرته وزارة الماليّة في تعداد ممل لمؤشرات الأزمة وتطورها خلال الأعوام والأشهر الماضية: من معدلات التضخّم وانخفاض قيمة الليرة في السوق الموازية، إلى تراجع حجم احتياطات المصرف المركزي، وتنامي العجز في الحساب الجاري، وصولًا إلى عجوزات الميزانيّة العامّة وارتفاع قيمة الدين مقارنة بالناتج المحلّي. كما يصل العرض بعدها إلى الإشارة إلى أرقام الخسائر التي توصّلت إليها الحكومة اللبنانيّة، كما عرفها جميع اللبنانيين عبر وسائل الإعلام مؤخرًا.

"إنجازات" الحكومة
لاحقًا، ولعرض "التقدّم" الذي أحرزته الحكومة في معالجتها للتعثّر المالي الذي تمر به، شرع العرض بتقديم التفاهم المبدئي مع صندوق النقد، وطبيعة الشروط التي يُفترض إنجازها للانتقال نحو تفاهم نهائي، ودخول برنامج القرض مع الصندوق. وهنا، بدا المشهد مبكيًا، لجهة نوعيّة الشروط التي لم تباشر الحكومة أو البرلمان أو مصرف لبنان حتّى بالعمل عليها: من استراتيجيّة إعادة هيكلة المصارف، إلى قانون الطوارئ لإعادة الهيكلة، وتدقيق ميزانيّات المصارف التجاريّة، وصولًا إلى توحيد أسعار الصرف وصياغة قانون جدّي للكابيتال كونترول. وجميع هذه الشروط، تطرح السؤال عن طبيعة "التقدّم" الذي أرادت الحكومة عرضه أمام الدائنين، في الوقت الذي اقتصر إنجازها على هذا التفاهم المبدئي، الذي لا تختلف شروطه عن الشروط التي طلبها الصندوق قبل عامين بالضبط، من دون أن تتمكّن الحكومة من تنفيذها لتعارضها مع مصالح النافذين في النظامين السياسي والمالي.

الركن الآخر من "التقدّم" الذي استعرضته الحكومة أمام الدائنين، تمثّل في خطة التعافي المالي، التي اكتفت بالحديث عن ضمان الودائع إلى حدود المئة ألف دولار، مقابل تحويل سائر الودائع إلى الليرة اللبنانيّة أو تحويلها إلى أسهم في المصارف، أو شطب جزء منها، من دون تحديد كيفيّة تطبيق هذه الإجراءات وتوزّعها على شرائح الودائع. هنا أيضًا، ظهرت ركاكة إنجازات الحكومة، في خطتها الماليّة التي لا يمكن أن يستخلص منها المرء حتّى نسبة الخسائر التي سيتحمّلها كل طرف من الأطراف. مع الإشارة إلى أن كل ما عرضته الحكومة هنا، كان متوفّراً أساسًا للمتابع العادي عبر التسريبات الإعلاميّة، التي عرضت طوال الأسابيع الماضية تفاصيل خطة التعافي المالي التي تم التفاهم عليها مع صندوق النقد.

الخطوات اللاحقة
في النتيجة، وصل العرض إلى قسم "الخطوات اللاحقة"، والتي تضمّنت أولًا انتظار الانتخابات النيابيّة، ومن ثم تشكيل الحكومة الجديدة وتكوين "قيادة سياسيّة" قادرة على المضي قدمًا بمسار التصحيح المالي. وبعدها، سيكون على الحكومة والمجلس النيابي ومصرف لبنان تنفيذ لائحة الشروط الطويلة والصعبة، قبل الحصول على موافقة صندوق النقد النهائيّة على برنامج القرض الممنوح للبنان. وبعد تنفيذ كل هذه الإجراءات، سيكون بالإمكان الانتقال إلى التفاوض مع الدائنين، للاتفاق على كيفيّة إعادة هيكلة الديون، حسب آجال وفوائد وقيم جديدة. وحتّى "ينبت حشيش" برنامج صندوق النقد، ليبقى ملف الدائنين معلّقًا.

هكذا، لم يحمل العرض بالنسبة إلى الدائنين أي جديد على مستوى علاقتهم المتعثّرة مع الدولة اللبنانيّة، والتي يفترض أن تنتقل لاحقًا إلى مرحلة التفاوض على الاقتصاص من قيمة سنداتهم، بالتوازي مع دخول لبنان مرحلة التصحيح المالي. وفي الوقت الذي يجب أن تسعي فيه الحكومة إلى جمع أوراق قوّتها، قبل التوجّه إلى الدائنين وفتح النقاش معهم، ومن ثم مفاوضتهم، ذهبت وزارة الماليّة إلى الاجتماع خالية الوفاض، ليتحوّل إلى الاجتماع إلى ما يشبه برنامج إخباري اقتصادي لا يحمل أي جديد للدائنين أو الرأي العام. 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها