هذه الوقائع تؤشّر إلى "هدوء في سوق النفط العالمي"، وفق ما يراه عضو نقابة أصحاب المحطات جورج البراكس، الذي يقول في حديث لـ"المدن"، أن "غياب النية لتصعيد العمل العسكري في أوكرانيا أكثر مما هو عليه، سيعني استقرار أسعار النفط، وإن على معدلات مرتفعة مقارنة مع الأسعار المعتادة قبل الحرب".
لبنان وسعر صيرفة
إن كان المشهد الدولي هادئاً في ما يخص أسعار النفط، فالمشهد اللبناني أكثر قلقاً. ويرفض اللبنانيون التخلّي عن التفكير في عودة أزمة المحروقات والطوابير وصولاً إلى احتمال تنشيط خطوط تهريب المحروقات إلى سوريا. والرفض يستند إلى انعدام التطمينات وسط ارتفاع مؤشرات القلق لمرحلة ما بعد الانتخابات النيابية المنتظرة يوم الأحد المقبل. فبعد الانتخابات، قد يتخلّى مصرف لبنان عن تأمين دولارات استيراد البنزين وفق منصة صيرفة، لتتجه الشركات المستوردة والمحطات، لتأمين الدولار من السوق، ما يعني دولرة بيع البنزين بالكامل، أسوة بالمازوت.
هذا التخوّف لا ينفيه البراكس، بل يعززه لأن "تحرك أسعار النفط عالمياً بات واضحاً. أما قرار مصرف لبنان فغير واضح، وبالتالي قد تقفز الأسعار بعد الانتخابات إذا أوقف المركزي العمل بالمنصة".
التهريب والتخزين في الجنوب
تحرّك الأسعار محلياً بدوافع غير عالمية، يعني إمكانية حصول أي طارىء. والاحتمالات المفتوحة المنتظرة من قبل اللبنانيين، تربك الجنوبيين أكثر من غيرهم، إذ لديهم تجربة خاصة مع التخزين والتهريب والسوق السوداء. فمنذ العام 2020 تتحكّم مافيات معروفة ومدعومة من الثنائي الشيعي بخط المحروقات، وإن أتت الصهاريج التابعة لشركات من خارج النطاق الجغرافي الجنوبي، فذلك لا يشفع لها كي تتجنّب التخزين والسوق السوداء.
وأمام الحديث عن دولرة الأسعار، تتهيّأ بعض المحطات في الجنوب لسيناريو تفاقَمَ في العام 2021. ولتدارك الأمر، يقول بعض أصحاب المحطات أنهم لن يتسلّموا البنزين حتى لا ينزلقوا إلى إشكالات مع المواطنين "فالجميع تعب"، وفق ما يقول أحد أصحاب المحطات لـ"المدن". والحل هو "انتظار القرارات والاجراءات النهائية سواء من مصرف لبنان أو وزارة الطاقة ووزارة الاقتصاد". والمؤكّد أن أحداً من أصحاب المحطات غير المنخرطين في تجارة السوق السوداء "لن يحتمل استعادة المشاهد السابقة".
ومع ذلك، فإن شبكات السوق السوداء تتحضّر لاغتنام الفرصة ما إن يُرفَع الدعم نهائياً. فبات لبعضهم محطات خاصة، تُفَرَّغ داخلها صهاريج "بالجملة". أما الامداد، فهو حاضر ومحمي، فيما الرقابة غائبة بفعل تنصّل حركة أمل وحزب الله من عملية منع التجاوزات، من جهة، وحمايتهم لتجار السوق السوداء في الوقت عينه.
وأمام الخوف الجنوبي الذي كان يتقلّص مع الابتعاد شمالاً بعد مدينة صيدا باتجاه بيروت، يمكن تقسيم القلق الجنوبي إلى قسمين، الأول متعلّق بالسوق السوداء والطوابير، وتنشط في حمايتها حركة أمل، بالتوازي مع سيطرتها على مصفاة الزهراني، فيما الثاني يتعلّق بالتهريب إلى سوريا، وهنا، يشترك حزب الله مع أمل في الاشراف على الصهاريج المهرَّبة. لكن التهريب هذه المرّة مستبعد، لأن الأسعار إذا ما تمّت دولرتها بالكامل، لن تكون منافِسة في سوريا، إذ سترتفع كثيراً، ما يجعل التهريب مكلفاً.
على أن الرهان يبقى قائماً لسببين أساسيين، هما امكانية اختلال الموازين في سوريا وتحليق الدولار، فضلاً عن شح المواد هناك وإن كانت أسعارها أقل من أسعار لبنان. فأسعار المحروقات في سوريا مجزّأة إلى جزأين، مدعوم وغير مدعوم. والجزء الأول يتبخَّر بسرعة على وقع المحسوبيات، ليبقى غير المدعوم الذي يدخل في بازار السوق السوداء. ومع توقّع ارتفاع أسعار المحروقات في سوريا بين 200 و300 بالمئة، تعود امكانية التهريب من لبنان إلى الواجهة، وإن بمعدّلات أقل، مع احتمال تنشيط خطوط التهريب في المناطق الحدودية أكثر منها في بقية المناطق.
إذا كانت الدولرة كفيلة بوقف التهريب، فإن المتغيّرات المفاجئة قد تعكس المشهد. وكل الاجابات مؤجّلة إلى ما بعد الانتخابات.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها